معدلات الأمان قادرة على تغطية الواردات الإجمالية
ما يتداوله المصرفيون حول وقوع مصر في الإفلاس "فيلم هندي"
عمليات تلاعب بالمؤثرات الاقتصادية لضرب اقتصاد مصر
الدين الخارجي لا يمثل أزمة عظمى ومصر بإمكانها سداد أعباء المديونيات
البنك المركزي توأطأ مع المستثمرين الأجانب لسحب 12 مليار دولار بلا قيود مصرفية
العجز في تدفق وتمويل الاستثمار وراءه فزاعة الأمن التي تروّج للفوضى
* د. حمدي عبد العظيم:
مصالحة رجال الأعمال غير المتورطين جنائيًّا لتحقيق قفزات اقتصادية
وضع وزارة المالية خطة تطوير تتماشى مع حاجات الدولة الاقتصادية
زيادة الدخل القومي بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
* د. محمد جودة:
1350 مليار جنيه مصري ديون ورثتها مصر خلال الفترة الانتقالية
زيادة معدل الودائع المصرية مؤخرًا لتصل 134 مليار جنيه أي ما يعادل 13%
الحكومة تسعى للتخفيف من أعباء الجهاز المصرفي باللجوء إلى بدائل اقتصادية
تحقيق: سماح إبراهيم
بعد عامين من الثورة تعرض الاقتصاد المصري لاختبار غير مسبوق فكلما خطت مصر خطوة نحو أعتاب الاستقرار والنمو الاقتصادي، سعى البعض لإشاعة الفوضى وإحداث نوع من الترويع بإطلاق شائعات تؤثر بالسلب على مشاريع الاستثمار وتدعي بوقوع مصر تحت وطأة الإفلاس وأن الوضع الاقتصادي شديد الخطورة.
ولمعرفة حقيقة الوضع الاقتصادي والوقوف على واقع سوق الاقتصاد المصري في الذكرى الثانية للثورة، وآليات النهوض بالاستثمار وكيفية معالجة، قام (إخوان أون لاين) بوضع الملف الاقتصادي أمام خبراء اقتصاديين لمعرفة إنجازات الثورة في المجال الاقتصادي وأهم التحديات التي تواجهنا الفترة الراهنة لمعالجة خلل ميزان المدفوعات وسد عجز الموازنة.
أسامة غيث الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي بجريدة (الأهرام) يؤكد أن مصر مرت خلال المرحلة الانتقالية بأزمات شديدة الصعوبة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا بعد عقود الفساد المنظم برعاية وقيادة رأس النظام البائد الإجرامي، فلا يستطيع أحد إنكار أن هناك أزمات اقتصادية وأن هناك أزمات مالية ولكنها جميعًا من موروثات العهد البائد الفاسد وسياساته المنحرفة ومنهج الأصولية الرأسمالية المدمر
ويفسر أسباب الأزمة الاقتصادية والتي تمتد جذورها للعهد البائد، إلى عجز الموازنة العامة للدولة والتي تجاوزت 40% من إجمالي الميزانية العامة, ولم يكن لدى حكومة المخلوع قدرة على توفير التمويل اللازم لحل مشاكلها الاقتصادية، وعقب الثورة تصاعدت الأوضاع الاقتصادية الرديئة وتفاقمت مؤثرتها السلبية بشكل واضح، والشيء الذي لم يمكن إخفاؤه عمليات التلاعب في المؤثرات الاقتصادية وتزوير المؤثرات الرئيسة للاقتصاد المصري فالنشرة الاقتصادية للبنك الأهلي خلال الأربعة الأشهر الأخيرة نقلاً عن صندوق النقد الدولي أشارت إلى أن احتياطي النقد الأجنبي لمصر لم يصل على الإطلاق إلى 36 مليار دولار، في حين أنها أعلنت أن القيمة القصوى التي وصل إليها احتياطي النقد الأجنبي في عام 2011 لم تتجاوز 21.1 مليار دولار، كما التقرير أيضًا أن احتياطي النقد الأجنبي المتوفرة في نهاية مارس 2012 لا تتعدى 8.7 مليار دولار؟!
ويستطرد أن المشكلة سابقة على الثورة؛ حيث كانت هناك مشاكل صناعات الغزل والنسيج، وإغلاق بعض المصانع وإلى الآن لم تحل، مطالبًا بمعالجة المشكلة بالعمل على إيجاد ممولين، وأن تكون هناك مساندة حقيقية لمستقبل المصانع وتطويرها واستيعابها.
فزاعات اقتصادية
ويبين أن مصر ليست بهذا الوضع المتدني من المديونية الخارجية؛ حيث إنها تمتلك الجزء الأقل من المديونية العامة، وأن ما يتداول حول وقوع مصر في الإفلاس "فيلم هندي" فمصر بإمكانها في المستقبل القريب سداد أعباء المديونيات، ولا يوجد ضغوط تدفعها بأي صورة لأن تدخل من قريب أو بعيد في الإفلاس، مشيرًا إلى تجربة دول أمريكا اللاتينية في 1980 أفرطت في الاقتراض من الأسواق بالخارج؛ حتى أدركتها لحظة أن التزامها بالسداد يعني أن الناتج القومي كله يعود للمقترضين، خاصةً أن الديون استخدمتها نظم فاسدة فتحولت إلى حسابات خاصة؛ فاتخذوا قرارًا بالتوقف الفوري عن سداد الديون الخارجية؛ أي شبه إلغاء لهذه المديونيات، وبالتالي كان هذا تحقيقًا لمصلحة الدول، وفي أوائل القرن الحادي والعشرين تكررت الأزمة؛ حيث أعلنت الأرجنتين إفلاسها، واليونان في 2009 لولا أن أوروبا خفضت 2% من الديون وتابع "كان هناك بعض القيادات المصرفية بمثابة فزاعات للاقتصاد، وتريد إعادة النظام، ولم تحل مشكلة التمويل التي تدفع إلى التشغيل وتدوير عجلة التنمية الاقتصادية".
ويوضح أن عجز الميزانية قد يكون مقلقًا، ولكنه لا يعني الدخول إلى عتبات مرحلة الخطر وبكل المعايير انخفاض الاحتياطي النقدي غير مريح، ولكنه ما زال في معدلات الأمان بحسابات القدرة على تغطية الواردات الإجمالية العامة والخاصة لمدة تزيد على سبعة أشهر وفقًا للمعايير الدولية.
ويصف الأزمة بأنها أزمة سيولة وأن المشكلة في تمويل الاستثمار العام والإنفاق العام وتدفق الاستثمار؛ نتيجة لفزاعة الأمن التي تروّج للفوضى، لافتًا إلى أن هناك ترويعًا أمنيًّا مخططًا وممنهجًا، ولا بد من تطهير المواقع الرئيسية التي تتحكم في الاقتصاد وممن ينتمون للنظام البائد، ونبذ السياسات التي تتحدث عن التصالح مع رجال الأعمال الفاسدين الذين يقودون عمليات احتكار "سرقة المال العام"؛ حيث ضمنت لهم سياسات النظام البائد أوضاعًا احتكاريةً لفرض السعر على المستهلك وغض النظر عنه، وللأسف النيابة العامة في السابق لم تتخذ القرارات الفعالة، وأضاف أن من أهم المشكلات مشكلة التمويل للصناعة والتجارة؛ حيث إن القرض لا يكون إلا بالواسطة مثل رجال الأعمال أما عوام الناس فهم لا يستفيدون من قروض البنك.
مخطط تآمري
ويضيف أن مصر تعاني من مخطط تآمري تبثه وسائل الإعلام ورجال أعمال المخلوع تدعي بشواهد انهيار اقتصادي وترويع اقتصادي ومالي في ظل تصريحات متكررة عن انخفاض معدلات النمو وعن ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة وعن انخفاض الاحتياطي النقدي وتحذيره من مصيبة المصائب المرتبطة بارتفاع العجز لأكثر من 10% في الميزانية القادمة، وكأن مصر لم تتعرض من قبل وخلال الثمانينيات من القرن العشرين لعجز في الموازنة العامة ارتفع إلى 24% من الناتج المحلي الإجمالي مع نضوب شديد لاحتياطيات النقد الأجنبي.
وأشار غيث إلى أن برغم إجمالي مديونيات مصر ارتفع إلى 1.6 تريليون جنيه، إلا أن هناك ميزة اقتصادية هائلة تتمثل في أن الدين الخارجي لا يتجاوز 30% من جملة المديونيات ولا يمثل الجزء الأكبر من الأزمة الاقتصادية, مطالبًا حكومة قنديل عدم توريط مصر في أزمات مالية بزيادة معدلات الدين الخارجي، منتقدًا تصريحات وزير المالية سمير رضوان وحديثه عن الفجوة التمويلية والتي تبلغ قيمتها 21 مليار دولار وحديثه عنها باعتبارها فجوة تمويلية في الأجل القصير وهو دائمًا يقع في فترة زمنية تتراوح ما بين ستة واثني عشر شهرًا قد تطول في بعض الأحيان إلى ثمانية عشر شهرًا على الأكثر.
سياسات تحفيز
وناشد الإعلام المصري أن يتعاطى بصورة أفضل مع الأزمات المصرية مثلما الحال مع أجهزة الإعلام العالمية وكيفية تناولهم للأزمات عند حدوثها في سياق يبحث عن البدائل والحلول ويستشرف آفاق الحلول المستقبلية الممكنة والمتاحة، مستشهدًا بما قام به رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بعقد مؤتمر صحفي لظروف ملحة وضرورية خلال الشهر الماضي لبحث أزماتهم الاقتصادية.
كما يطالب بضرورة اتخاذ قرارات من شأنها حماية فعل الصرف, وجذب الاستثمارات يحقق نتائجه في الأجل المتوسط والطويل وتدخل في نطاق مخطط تنموي متكامل وسياسات للتحفيز الاستثماري، خاصة بعد تهريب الأموال للخارج بشكل مباشر وغبر مباشر بعد مرور أشهر من انطلاق الثورة، ولم يتم حينها وضع أي قيود علي خروج الاستثمارات الخارجية والتي تجاوزت 12 مليار دولار بمساندة من البنك المركزي والتي أخرجها سالمة بأسعار الصرف التي دخلت بها، الأمر الذي يستوجب التدخل الحاسم لمنع رؤوس الفساد ضرب الاقتصاد المصري.
قفزات اقتصادية
ويلخص الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق خطوات التحدي حول الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية قائلاً: إن مصر بحاجة إلى مناخ أمني وسياسي مستقران، الأمر الذي يتطلب استيعاب الخلافات السياسية والمعارضة ومحاولة الاجتماع على المصلحة العامة لمصر، لتخطي الأزمة الراهنة لأنه حينما تزيد الاستثمارات تزيد معها الصادرات وبالتالي تقل الواردات فيزيد الدخل القومي.
ويوصي بضرورة التوسع في الاستثمار بإقراض المستثمرين وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتخفيض سعر القروض للتوسع في الاستثمار، والبعد عن المشروعات المتعثرة لأن نسبة المخاطر بها عالية.
ويطالب بضرورة تطوير وزارة المالية بالبحث عن بدائل لتمويل المشروعات المتوقفة والتي قد تساهم في خلق بيئة جديدة ومنافذ حيوية للانتعاش الاقتصادي حتى تتماشى مع حاجات الدولة الاقتصادية.
يشير إلى أهمية التصالح الضريبي والجمركي والمتأخرات والتصالح مع رجال الأعمال بشرط ألا يكون متورطًا في قضايا جنائية من أجل تحقيق قفزات اقتصادية.
ويوضح أن السوق الاقتصادي يعاني من جشع واحتكار بعض التجار للسلع المحلية ورفع أسعارها, مما يزيد العبء على المواطن المصري البسيط.
الموازنة والعسكري!
ويقول الدكتور محمد جودة رئيس اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة أن مصر ورثت مصر وضعًا اقتصاديًّا سيئًا للغاية في عهد المخلوع حسني مبارك؛ حيث بلغت الديون العامة داخليًّا وخارجيا حتى 11 فبراير 2011م ما يزيد على 1350 مليار جنيه مصري، تكلف الدولة سنويًّا ما لا يقل عن 30 مليارًا فوائد أقساط، وتشكل ضعفًا شديدًا على الإيرادات العامة، فضلاً عن معدلات فقر تجاوزت 43% ونسبة بطالة تجاوزت 12%، وبنية متهالكة وسيئة للغاية واقتصاد متخلف عاجز وفساد مستشرٍ في قطاعات مصر كافةً، والأجهزة الإدارية متضخمة وغير فعالة، ومعوقة للاستثمار وما بها من تشريعات فاسدة تم إقرارها لخدمة طغمة حاكمة من كبار رجال الأعمال والمحتكرين.
ويرجع تفاقم المشكلات الاقتصادية إلى سوء إدارة الفترة الانتقالية التي طالت أكثر مما ينبغي، لا سيما في ظل تدني مستويات الاستثمار الأجنبي وانخفاض معدلات السياحة؛ ما أدى بطبيعة الحال إلى انخفاض تسويق مواردنا، وبالتالي إلى مزيد من العجز وتآكل الاحتياطي الأجنبي والضغط على سعر الصرف النقدي، ومن ثمَّ انخفاض قيمة الجنيه المصري وزيادة الأعباء الإضافية على فاتورة الواردات.
ويبين أن حجم العجز بالموازنة العامة للدولة خلال الفترة الانتقالية تعدي 200 مليار جنيه مصري؛ فضلاً عن تراجع موارد الإنتاج وتوقف العديد من المصانع.
ويضيف: على الرغم من أننا أمام مشكلة اقتصادية، فإن مصر قادرة على أن تعبر هذه المرحلة وأن تحقق الإنجازات المرجوة التي تليق بمصر بصورة أكثر أملاً من دول عديدة كانت أسوأ حالاً منا وظلت في عجزها الاقتصادي فترة ربما جاوزت الـ7 سنوات حتى نهضت وحققت إنجازاتها، وصارت في مصاف الدول المتقدمة.
ويؤكد أن مصر لديها قاعدة اقتصادية صلبة وتتنوع قطاعات الاقتصاد فيها وتكثر مواردها في كل المجالات وأهمها المجال البشري المتميز، وموقعها الجغرافي المتميز، فهي بهذا قادرة على أن تصبح في 2025 واحدةً من أقوى دول العالم اقتصاديًّا.
استقرار اقتصادي
وحول التوصيات الواجب اتخاذها والآليات التي تساعد على تجاوز التحديات العالقة والتغلب عليها لعبور هذه الأزمة، يقول إن الوضع يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وبشكل عاجل، والمضي قدمًا في استكمال بقية المؤسسات السياسية والدستورية والتنفيذية والنقابية؛ حتى تقوم بدورها المنشود، كما يلزم وضع مشروع نهضوي متوازن يتبناه كل المصريين والعمل بجدية مع الحكومة على إنجاح المشاريع القومية، في إطار من اللحمة المجتمعية والتعاون الشعبي.
ويناشد الشعب المصري بأهمية أن يتفهم الشعب طبيعة الوضع الاقتصادي الراهن لكي تكون له إسهاماته الإيجابية مع الحكومة وعدم تعطيل المسيرة بإثارة القلاقل وشيوع الفوضى، وضرورة تفعيل دور الاقتصاد المجتمعي إلى جانب اقتصاد القطاع العام والخاص.
ويحذر من الثورة المضادة التي تعمل على هدم الثورة المصرية العظيمة، وهو ما يخطط له فلول النظام السابق والمنتفعون من رجال المال والأعمال الفاسدين وبعض الأيادي الخفية التي تحيك المؤامرات ليلاً ونهارًا لإجهاض المشروع النهضوي للثورة المصرية وأهدافها النبيلة، بإحداث الفوضى والذعر بآليات ووسائل شتى: إعلامية تارة، واقتصادية تارة أخرى، ولكن الشعب المصري شعب واعٍ لا تنطلي عليه من هذه المؤامرات ولا الدعوات الهدامة ولن يستجيب لها.
وحول دور الجهاز المصرفي في معالجة الأزمة، أوضح أن الجهاز المصرفي يعد من الأجهزة القوية، وأنه يسعى للخروج من حالة الركود واستعادة دوره الوطني لتحويل الخزانة العامة للدولة أو القطاع الخاص، ولقد حققت الودائع المصرية مؤخرًا 134 مليار جنيه مصري بمعدل زيادة حوالي 13%، ولكن نظرًا لضغط الحكومة على الجهاز المصرفي لتمويل العجز الكائن لديها أدى هذا إلى عدم تقديم سيولة كافية للقطاع الخاص أو مساعدة الشركات المتعثرة.
ويقول إن الحركة الاقتصادية الآن تسير في اتجاهين؛ الأول: تخفيف الحكومة من عمليات الاقتراب من الجهاز المصرفي باللجوء إلى صيغة صكوك الاستثمار بغرض تمويل عمليات التنمية أو الشراء بين القطاع الخاص والدولة، والثاني أن على الشعب المصري زيادة معدلات الادخار بالجهاز المصرفي لتوفير المزيد من الودائع، ومن ثم نشهد مزيدًا من الاستثمار.
كما يوصي بأن يقوم الجهاز المصرفي بتفعيل دوره بشكل أفضل وأكثر ترشيدًا، وابتكار أدوات تمويل وادخار أكثر ملاءمة لجميع الشرائح وإعادة هيكلة المنظومة المصرفية لتحقيق أهداف المجتمع.