الثورة المصرية "الثورة المعلمة" أول ما سمعتها من لسان العلامة القرضاوي وكان موفقا في اختياره. نعم ثورة 25 يناير هي الثورة المعلمة فقد علمتنا الكثير، بل تعلم العالم منها الكثير والكثير، ولا زال يتعلم منذ أن اندلعت الشرارة الأولى وحتى اللحظة؛ فماذا علمتنا؟

 

 - علمتنا ثورة 25 يناير أن شعب مصر هو من أذكى شعوب العالم، فبرغم ما عاناه من فقر وفساد وظلم ومحاولات تجهيل وتهميش قبلها وبعدها؛ فما زال يفهم ما يدور حوله وما يدبر له بليل ويخبأ له، ويعي كل ذلك، وكان أبلغ رد منه على المتلاعبين المروجين للشائعات المعطلين لمسار الثورة المنقلبين على الشرعية هو نزوله للانتخابات للتعبير عن رفضه لكل مظاهر العبث بمصر ومستقبلها وبطرق رخيصة وفي غاية الخسة فكانت نتائج الاستفتاء الأول ونتائج الانتخابات البرلمانية بغرفتيه ليفرض على الجميع ما يريد وكانت نتائج الاستفتاء الثاني أن نعم للدستور، تلك المواقف الرائعة للمصرين الأوفياء بالداخل.

 

ولما ادعى المفلسون أن مصر على وشك الإفلاس كان الرد قاضيا عليهم، فزادت نسبة التحويلات للمصرين العاملين بالخارج إلى 33% عن العام الماضي، وخاصة في شهر ديسمبر من العام الماضية وحملة تحت شعار "حول لمصر" فظهر معدن المصريين المحبين لبلدهم وظهر الخبيث الشامت الفرح بإفلاس مصر.. إنه التمايز ليُعرف من هو المفلس الحقيقي وليميز الله الخبيث من الطيب.

 

 

 - علمتنا ثورة 25 يناير أن ارض مصر تلفظ من كان يأكل من أرضها ويشرب من مياهها ثم يخونها، لكي يتجمع الزبد ثم يذهب جفاءً ويبقى ما ينفع الناس فكان التمحيص والتمايز في كل ما مرت به مصر من أحداث خلال الثورة وما بعدها وحتى اللحظة، ولو قال القائل: لو كان الثوار في ميدان التحرير قد تمسكوا منذ خلع مبارك بتطبيق الشرعية الثورية لاختصروا الطريق، وهذا الوقت الذي ضاع هباءً وبُذلت فيه الأرواح، لكنه يا سادة التدبير الإلهي؛ فالله هو القائم على كل حدث ومع كل حدث كان التمايز، وقد كان!

 

 والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نتفق على كلمة سواء" ولنتعاون معاً فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه فهناك قواسم مشتركة ومصالح مشتركة ومطالب مشتركة وتحديات مشتركة تواجه مصر، وفي ضوء هذه المصالح والمطالب والتحديات نتعاون.

 

أما عقائدنا فلنا عقائدنا، ولنا إيماننا، ولنا مبادئنا، ولنا قيمنا، هذا هو الموقف الكامل الآن.. التعاون، التواصل وبالتعبير المعاصر جدًّا التعايش، والمعاصر جدًّا جدًّا الوحدة الوطنية وهذا هو ما تعلمناه من ثورة 25 يناير؛ حيث كان يصب المسيحي الماء على المسلم لكي يتوضأ ويقف المسلم يحرص قداس المسيحي فالأرض الآن لا تصلح إلا بهذه المبادئ التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام في أول يوم في المدينة المنورة قال: أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحد وحربهم واحدة، لليهود دينهم ولنا ديننا، مع أنهم مختلفون؛ فهل عقل الآخرون ووعوا لماذا جاء الإسلام جاء ليوحد لا ليفرق وليجمع لا ليشتت ولتنعم به البشرية وتهدأ! قال الله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) هذا هو ما يريده منا شعب مصر الطيب.

 

لكن لا يزال الطريق طويلاً.. لكي يزول الباطل الكالح، وليبقى الحق الجميل، ولا للوصول إلى السلطة إلا عبر "صناديق الاقتراع" التي ينتظرها شعب مصر الطيب وليست من خلال "صناديق الموتى"! التي تحملها جبهة الخراب المستعجل لمصر.. حفظ الله مصر.

-------
* باحث عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- [email protected]