بالرغم من التحركات المصرية تجاه دول حوض النيل ووعد إثيوبيا بإرجاء مناقشة اتفاقية التعاون الإطاري لحوض النيل، المعروفة باسم "عنتيبي" لبعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية للتشاور حولها من خلال سلطة منتخبة مع أديس أبابا، فإن إثيوبيا تخلت عن وعدها وأعلنت أنها ستحيل مشروع الاتفاقية إلى مجلس النواب الإثيوبي للمصادقة عليه حتى تكون سارية المفعول بالرغم من رفض مصر والسودان التوقيع عليها.

 

موقف إثيوبيا المتعنت وإصرارها على بناء المشاريع المائية يعتبر ورقة ضغط تستخدمها الدول المستفيدة من حدوث أزمة بين مصر ودول المنبع  للضغط على مصر، وعلى رأسها الصين والاتحاد الأوروبي، واليابان، والكيان الصهيوني.

 

الأوضاع الداخلية المصرية وافتعال الثورة المضادة للتحول الديمقراطي أزمات، أعطت الفرصة لإثيوبيا لاستغلال الموقف، وسعيها لتطبيق مشروعات تضر بالأمن المصري في ظل الانشغال بالوضع الداخلي.

 

بداية يوضح الدكتور هاني رسلان الخبير في شئون حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أنه من الطبيعي أن تحيل إثيوبيا مشروع الاتفاقية إلى البرلمان للتصديق عليه، بعدما حصلت على أغلبية، ووافقت عليه 6 دول من واقع 9 دول من دول حوض النيل،  مؤكدًا أن عدم موافقة مصر والسودان على الاتفاقية ينقص من شأنها لأنها تسمى اتفاقية التعاون الإطاري لدول حوض النيل.

 

ويؤكد أن مصر والسودان في حالة سريان الاتفاقية غير ملزمين بها، لأن هذه الاتفاقية معبرة عن الدول التي وقعت عليها فقط، وبالتالي أي عمل ينشأ أو قرار على أثر هذه الاتفاقية لا تلتزم به مصر.

 

ويشير إلى أن تطبيق الاتفاقية دون موافقة جميع الدول عليها ستكون له آثار دولية، وهذا يعني أن هناك نزاعًا بين دول حوض النيل، مبينًا أن الخطر الذي تتعرض له مصر من إثيوبيا لن  يكون من سريان الاتفاقية فحسب، بل من المشاريع  التي تقام على ضفتي النيل وعلى رأسها سد النهضة.

 

ويؤكد أن الموقف الإثيوبي من مصر لم يتغير بعد الثورة وما أعلنته إثيوبيا كان نوعًا من المناورة السياسية لكسب الوقت وإلهاء الشعب المصري، لأنه في نفس الوقت الذي أعلنت فيه وقف التصديق على الاتفاقية شرعت في بناء سد النهضة، فضلاً عن أنها لم تهتم بتقرير اللجنة الثلاثية.

 

ويشدد على ضرورة اتخاذ موقف واضح ضد السياسة الإثيوبية الرامية لتهديد أمن مصر، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي،  وأن تشعر إثيوبيا بأن تهديد مصالح الشعب المصري لن يمر مرورالكرام.

 

الحق التاريخي

ومن جانبه يوضح الدكتور محمود أبو زيد الخبير المائي أن المشروعات التي تخطط لها دول المنبع لن تضر بمصالح مصر والسودان أو تؤثر على حصص المياه في البلدين، مشيرًا إلى أن المشكلة ليست معقدة  بهذا القدر كما اعتقد الكثيرون، خاصة أن الموارد المائية المتاحة لدول المنبع كثيرة وغير مستغلة، وإذا استثمر جزء منها يمكن أن  توفر كل احتياجات كل هذه الدول.

 

ويرى أن محور الخلاف بين دول حوض النيل يتعلق بالحق التاريخي لمصر والسودان في مياه النيل، وهناك نصان  لتحديد الحق واختيار أحدهما، النص الأول يتحدث عن الحق التاريخي لجميع دول الحوض في المياه وهو نص مقدم من إثيوبيا وأوغندا والنص الآخر نص صراحة على حق مصر والسودان التاريخي وهذا النص مقدم من مصر والسودان‏.‏

ويشير إلى أنه لم تتمكن مجموعات التفاوض من البت في أحد النصين، منذ أواخر عام‏2007‏ وتم التوصل إلى رفع الأمر للرؤساء لتوقيع اتفاقية بعد اختيار أحد النصين باعتبار هذا الجانب سياسيًّا أكثر من أنه فني‏.‏

 

وحول تغيير مواقف الدول يري د. أبو زيد أن دول المنبع تخوفت من تأجيل تمويل  المشاريع التي تقيمها على ضفاف النيل  من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي والدول الكبري، خاصة عقب البيان الذي صدر من الدول المانحة بعدم تقديم أي تمويل إلا في حالة اتفاق تام بين كل دول حوض النيل حولها وهذا البيان كان يمثل نوعًا من الضغط على هذه الدول‏.‏

 

ويشير الدكتور مغاوري شحاتة خبير المياه الدولي إلى أن هناك نوعًا من التعنت الإثيوبي تجاه الجانب المصري  منذ البداية حتي النهاية فيما يخص ملف حوض النيل، فدائمًا إثيوبيا تحاول أن تأخذ زمام المبادرة حتي ولو على حساب أي دول أخرى.

 

ويبين  أن دول المنبع لا تحتاج لمياه النيل لتوافر مصادر أخرى لها، مثلما تحتاج إليها مصر، لافتًا إلى أن المياه أصبحت سلعة سياسية وإستراتجية، أكثر من كونها سلعة طبيعية.

 

ويبين أن المشروعات التي تقيمها إثيوبيا على النيل ستوثر على مصر بنحو 9 مليارات متر مكعب، وهذا يخالف معاهدات سبقت واتفاقيات قديمة تضمن الحق التاريخي لمصر في حوض النيل وتحدد نسبتها.

 

ويشدد على ضرورة البحث عن مصادر مياه جيدة بالتعاون من دولتي السودان، فضلاً عن اتخاذ مصر أسلوب التحاور السلمي وأن تلملم نفسها بشأن المعاهدات لاتخاذ موقف قانوني دولي.

 

ويؤكد أن المسألة لا تتعلق بمن يحكم مصر أو نظم الحكم؛ حيث إن هناك كثيرًا من الدول تلعب في القضية لإحداث مشكلات ضخمة بين دول النيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وإيطاليا والصين، والكيان الصهيوني.

 

ويرى أن إثيوبيا استغلت الوضع المصري الداخلي في إيقاع الضرر بمصر، وعلى الدولة المصرية ألا تنشعل بالأزمات الداخلية على حساب ملف حوض النيل.

 

ويلفت النظر الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي إلى أن ما أعلنته الخارجية الإثيوبية لم يكن جديدًا، لأن هذا الكلام قالته منذ عامين، وما أعلنته بانتظار حكومة منتخبة مصرية لتناقش معها بشأن الاتفاقية كان نوعًا من التخدير للجانب المصري لتنفيذ ما تريد، ولم تعط مصر أي شيء مما وعدت به، موضحًا أن هذه مصالح دول، ولا يمكن أن تعطل دولة نفسها حتى تستقر دولة أخرى.

 

ويحذر من تطبيق الاتفاقية لأنه سيعرض مستقبل مصر المائي للخطر، خاصة أن مصر تعاني أزمة مائية خاصة مع الزيادة السكانية حتى وصل نصيب الفرد إلى أقل من 620 مترًا مكعبًا، بدلاً من 1000 متر مكعب.

 

ويبين أن مصر ليست لديها كروت للضغط  على إثوبيا، خاصة مع عدم استقرار الوضع الداخلي وتزايد المشكلات.