انفعل الشيخ في خطبة الجمعة (بعيدًا عن الأضواء).. وهو بشرح قصة "سيدنا يوسف عليه السلام" حتى أتى إلى قول الله تعالى " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين"...

 

فعلى صوته ودمدم مزمجرًا وقال: وهكذا فعل (عزيز مصر) ﻷنه بلا نخوة ولا رجولة...ثم أردف :وهكذا كل (رجال مصر) بلا نخوة  فهم كما قال "الطبري" فيهم : " إن الأسد لا يدخل أرض "مصر" ﻷنه شديد الغيرة على أنثاه بينما رجال مصر بلا غيرة ولا نخوة...؟!

 

أما الشيخ الثاني فقد صدح مفاخرًا (أمام الكاميرات) قائلاً:

 

وهكذا انتصر الشعب المصري في كل معاركه على مر الزمان, فهم الذين قال فيهم رسول الله (ص): "إذا فتحتم أرض مصر فاتخذوا منهم جندًا كثيفًا فهم خير أجناد الارض وهم في رباط إلى يوم القيامة"، وليس أهل التدين فقط هم الذين يؤصّلون للصفة ونقيضها في شعبنا.

 

"فالليبراليون " أمام الميكروفونات والشاشات يتحدثون عن الشعب المصري ذي السبعة آلاف سنة حضارة ، ويحظى بتجربة ديمقراطيةتتخطى القرن, ولديه قضاء مستقل حديث يزيد عمره عن القرن والربع.

 

لكنهم بعيدا عن الميكرفون يتحدثون عن شعب كسول جاهل ، ومجتمع زراعي متواكل ,،وهكذا كان شعبنا عبر السنين ،  وهكذا كل المجتمعات التى تسكن على ضفاف الأنهار ، حيث لاقيمة للزمن الذى لا يعني اكثر من انتظار الحصاد ، وبالتالي فهي حضارات بلا انجاز ولا عمق, ومنها حضارة شعبنا المصري...هكذا يتصورون!

 

وكأن هذا الشعب ( الجاهل الآن ) كان على درجة أعلى من التعليم والثقافة منذ قرن حين بدأت تجربته الديمقراطية, أو كأنه كان يذخر بالعلماء فقط حين شيد حضارة السبعة ألاف عام.

 

لكن (الشعب) في مواجهة نفسه..  يظلم نفسه أيضا ،  ويصدر أحكاما متناقضة (عن نفسه):

 

 فهل نحن الشعب الذي (لا يخاف إلا بعينه)...وهو الذى تجمعه الصفارة وتفرقه العصا..كما يقول العامة ؟

 

وبالتالي فهل فعلا لا يصلح لنا إلا "مبارك" المستبد و"العادلى" الجلاد؟

 

أم هل نحن الشعب الأبي الشجاع الذي  قام ب"الثورة العرابية" و"حركة الظباط الأحرار" و"ثورة 25 يناير"... وجاهد "الانجليز" حتى أجلاهم ، وانتصر على اليهود واسترد أرضه؟

 

ثم …..هل نحن الشعب الذي يحترم القانون ويطالب بعودة الأمن , أم نحن الشعب الذي يمارس حريته الحديثة عبر اهدار القانون؟

 

و هل نحن الذين نريد أن نبني بلدا حديثا حضاريا متقدما ؟..

 

 أم نحن الذين ننتحر جماعيا بالبناء العشوائي ، والبناء على الأرض الزراعية وكسر كل الحواجز القانونية في حياتنا اليومية؟

 

ومن وجهه نظر الغرب أيضا سترى تناقضا فى تقييم شعبنا :

 

 فهل هذا الشعب يريد الاسلام قانونا ومنهج حياة كما تشى بذلك استطلاعات الرأي؟

 

أم هو شعب لايكف عن ارتكاب الموبقات ، ويتعايش مع الفساد في المعاملات اليومية ويتجاوز حدود ما أنزل الله مكتفيا بمظاهر دينية شكلية بجوار الصوم والصلاة...؟

 

والحقيقة أن المظلوم في هذه التناقضات ليس " الشعب " ولكن الشباب الذي يتطلع الى بناء دولة عصرية محترمة لهذا "الشعب".

 

فهم يسمعون هذا وهذا... ولايمكن أن تستوعب طاقتهم الثقافية المحدودة كل هذه التناقضات ، ومن هنا يدب اليأس في نفوس هؤلاء القادة الجدد ، ويبحثون لانفسهم عن دور بين المثقفين, ويحدد لهم هذا الدور ما يسمعونه عن "الشعب" من قياداتهم الثقافية الأثيرة ،  وبالتالى يحددون لهم كيف ( يتعاملون ) معه !! باعتبار ان المثقفين الكبار هم الذين حلوا شفرة هذا الشعب !

 

 والحقيقة أنها محض المزايدات والانجيازات الفكرية والتعصبات الحزبية... وأينما وضع الشباب أقدامهم فقدوا البوصلة... وضلوا الطريق.

 

والسؤال هنا : إذن فمن هو (الشعب المصري)؟

 

والجواب بلا تردد :

 

إنه الشعب الذى يحمل كل الصفات الايجابية من المقارنات السابقة ….  لكنك ستسأل وماذا عن الصفات السلبية التى نراها عيانا بيانا ؟

 

الجواب : أن هذه الصفات السلبية الغالبة التي نراها الآن  هي محض أعراض طارئة أصابت جسدا نهشته سهام الاستبداد ، وتلاعبت بعقله واحلامه وأماله، وسدت أمامه كل الطرق إلا سبل الفساد ... فكل الصفات التي نقاسيها من شعبنا  الآن هي:

 

 ( عوارض ) اصابت (شريحة سميكة من جيل من الشعب) .

 

 وستزول هذه ( العوارض ) بمرور الأ يام وبأسرع مما يتصور الجميع.

 

فالناس وجدت المستبد بقسم الغنائم فبحثت لنفسها عن مغانم لتعيش بها , فأصابتها الأنانية دون ان تتحسب لذلك.

 

والناس ضافت بها المعايش حيث لم يهتم الظلمة بهم , فأُغلقت عليهم أبواب الرزق الحلال. ففتحوا بأيدهم أبوابا أخرى من الرزق ، فواقعوا الحرام مع الحلال , دون أن يتصوروا أنهم يتباعدون عن دينهم بقدر بعدهم عن الحلال....وبغير إدراك أن  هذه ستكون صبغة لشريحة كبرى من المحتمع....جميعهم يشكو منها ويتحسر على سابق اﻷيام التى كان الناس يرضون فيها بالقليل.

 

وهكذا ظل المجتمع يراوغ السلطة ويبحث لنفسه عن طرائق للعيش دون مقاومة المستبدين ، فيقع كل مرة فيما يخالف أعرافه وهويته وشرعه.

 

أما الآن …. فالمجتمع في حالة صراخ ،  كأنه ينعي نفسه للأجيال القادمة, فهو يسب حكام اليوم بكل ضراوة ،  كأنه يكفر عن خطأ سنين الصمت والذل.

 

 وهو يطلب منه حكامه حقوقه بكل غلظة كأنه يبكي أياما قُسمت فيها ثرواته أمامه عينه ولم يبلغه منها ولو فتات الموائد.

 

 ببساطة المجتمع غاضب.. ويذهب بغضبه نحو  الحاكم الحالي ،  ولكنه غاضب من نفسه ، ومن عمره الذي ضاع أسيرا للخوف من (الغول) الذى أسقطته وقفة واحدة حازمة من الشعب.

 

 و غاضب من هوانه الذي شعر أنه كان بلا سبب.

 

 وأن من أهانه كان أضعف مما صوره لنفسه.

 

وهو يمارس حالة دفاع عشوائى عن حقوق استردها يخشى أن تضيع منه.

 

 إنها لحظات الخروج من شرنقة الظلم والظلام الى عالم النور والعمل …. ذلك العالم الذي ابتعد عن شعبنا حتى ظن الجميع أنه لن يأتى... ولكنه أتى.. وأتى فجأة... ودون مقدمات لذلك كان التفاعل معه مضطربا ومتناقضا.

 

و اذا علم شباب وطننا هذا فسيصبر منتظرا سكون النفوس وهدوء أعصاب الشعب.

 

 وسيصبر حتى تستقر الأرض تحت أقدام الشعب ويتأكد أن وطنه عاد له بالفعل... وسيصبر حتى يعتاد شعبه على استنشاق الهواء النظيف.

 

يومئذ – وهو يوم قريب – لن يسمح لعيونه أن نشاهد إلا كل ماهو نظيف...

 

 ولن يسمح لأذنيه أن تسمع الا كل ماهو صادق.

 

يومئذ – وهو يوم قريب – سنشاهد الصفات الحقيقية لهذا الشعب.

 

سنشاهد شعب الحضارة والبناء....بلا ادّعاء.

 

سنشاهد شعب التدين الأصيل ….بلا تفريط ولا إفراط..

 

سنشاهد شعب احترام القانون....فيغيدون اﻷمن لوطنهم ولو كانت الشرطة ضعيغة.

 

سنشاهد شعبا ينصف العاملين ويحترم المبدعين ويقصى الأدعياء والطفيليين.

 

سنشاهد شعبا  يلتف حول قيادة مخلصة يختارها من كل قلبه وعقله ويسير معها بجوارحه ووجدانه....ولا يحيد عن مشروعه بسبب إعلام فاسد أومصالح ضيقة.

 

سترون قريبا المصري الذي يصرخ في وجه من يلقى ورقة في الطريق.

 

سترون قريبا المصري الذي يساهم في حل مشكلة القمامة ولايفاقمها؟

 

سترون قريبا المصري الذي سيذهب بحلول لمشكلات الكهرباء والاستثمار والسياحة, بدلا من الذي يجلس الأن ويعلم حقيقة الكوارث التي تركها الحكم السابق , ويكتفى بسب الحكم الحالي !!...أو بقطع الطرق غضبا.

 

سيكره الناس الكسل والتواكل والفساد.

 

سيكرهون حياتهم الموروثه من الاستبداد.

 

 وسيبدأون ( الثورة الثانية ) على أنفسهم.

 

 يومئذ سيرى الناس جميعا " خير أجناد الأرض "

 

في السلم.... والحرب>

 

[email protected]