كشفت حادثة خطف الجنود السبعة عن حقائق صادمة في واقعنا السياسي المصري، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك من يعمل لصالح مصر وشعبها وتقدمها ونهضتها والحفاظ على مكانتها ، وهناك من لا يرى سوى مصلحته الذاتية ولو على حساب مصر وشعبها ودماء أبنائها.

 

فتم بفضل الله تحرير الجنود بتضافر جهود كافة القوى والمؤسسات الرسمية والشعبية المحبة لمصر، فوجدنا تناغم وتوافق ومنظومة رائعة من التعاون والتوافق بين الرئاسة والجيش والشرطة والمخابرات العامة والحربية ومشايخ قبائل سيناء للوصول لهدف واحد وهو إطلاق سراح الجنود دون إراقة دماء، وعندما رأي الله سبحانه وتعالى هذا الإخلاص في الجهد والنوايا أنعم علينا جميعاً بإطلاق سراح الجنود.

 

وهذا هو الوجه الحقيقي لمصر الذي يجب أن نتحلى به جميعاً، فلا مجال لمعارضة أو رأي آخر أو تصيد أخطاء أو ابتزاز سياسي هنا وهناك عند مواجهة تحديات تمس الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد. فلابد أن نسير جميعاً خلف قيادتنا المنتخبة وندعمها لأننا بذلك ندعم مصر ومستقبلها وهيبتها ومكانتها ولا ندعم شخص أو مؤسسة اتفقنا أو اختلفنا معها.

 

ومن أسف أن بعض من يسمون أنفسهم قوى سياسية أو معارضة أو غير ذلك من أسماء ليس لهم منها أدنى نصيب أبدوا شماتة غير خافية على أحد في مزايدة رخيصة على القيادة السياسية، وتسابقوا في كيل الاتهامات وارتداء مسوح الحكمة والاستراتيجية العسكرية بل وصل الأمر لرفضهم دعوة السيد رئيس الجمهورية للتحاور حول الحدث الجلل الذي تمر به البلاد.

 

لقد ظن الأقزام أن في حضورهم نصر للرئيس المنتخب وحاولوا تسويق الأمر على أن حضورهم مكسب لا يستحقه حتي " يشيل هو الشيلة كلها " كما صرح بعضهم، وتناسى هؤلاء أن تلك الدعوة كانت للتعالي على الخلافات والاجتماع على القضايا العليا للوطن والتي تمس أمنه الوطني، كما يحدث في الدنيا كلها.

 

ولم يتحل هؤلاء بكل أسف بأبسط قواعد أخلاق الفروسية والرجولة التي يتحلى بها المعارضين السياسيين الشرفاء في الدنيا كلها بل وتحلى بها حتى اللصوص هنا في مصر خلال الحروب وبخاصة حرب أكتوبر 1973 حيث رفضوا السرقة ووحدوا جهودهم نحو هدف واحد وهو الحرب وكيفية الانتصار فيها وبذل كل فرد أقصى جهده لنصرة بلدة.

 

وبدلاً من بحث سبل حل الأزمة وتقديم حلول لها أو حتى عرض المساعدة في ذلك اتبعوا نهج بني إسرائيل حين قالوا (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) وتسابقوا في إقامة حفلات العزاء والعويل على هيبة مصر وشعبها وهو أمر ليس بمستغرب عليهم حيث أنهم يعتقدون أن أمنياتهم فى حرق البلاد تفتحت لها أبواب جديدة من خلال هذا الحادث.

 

كان المأمول أن يطغى الجانب المضيئ في الشخصية المصرية في تكوين هؤلاء وأن يؤجلوا أحقادهم الانتهازية في القنص والقرصنة والاغتصاب والمزايدة حتى يكشف الله الغمة ويعود الجنود سالمين ، ولكنهم بكل أسف ضاعفوا نشاطهم استثماراً واستغلالاً للموقف ولابتزاز ما يمكنهم ابتزازه من القيادة السياسية لتحقيق مكاسب وهمية.

 

وبدلاً من إعلاء القيم النبيلة التي تحلى بها المصريون عبر التاريخ من شهامة وتجرد وتضحية وتغليب الصالح العام على الخاص والوحدة وغيرها من قيم وأخلاق عظيمة، وجدناهم يستدعون أسوء ما في النفس البشرية من تشفي وشماتة واستعار لرغبات مجنونة لتحقيق انتصارات زائفة ولتمني هزيمة الوطن وإهدار دماء أبنائه لتحقيق نشوة الانتصار على الرئيس المنتخب بأي وسيلة كانت.

 

وكان من القادة البارزين لتلك الحملة بعض الإعلاميين الذين قادوا عملية الشماتة والتشفي ومحاولة زرع بذور الفتنة بين مؤسسات الدولة المعنية بالأزمة وارتدوا ثوب الاستراتجية العسكرية والتحليل الاستراتجي والاستشراف المستقبلي والإلمام ببواطن الأمور وتوزيع تهم التقصير والإهمام والضلوع بالمؤامرات والتخطيط لها على مخالفيهم ومعارضيهم، بل وعلى كل منتخب في بر مصر.

 

إن السقوط الأخلاقي والسياسي لبعض الساسة فاق كل الحدود ويكشف مدى زيفهم وتمسحهم في مصالح الوطن والمواطن، وأوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنهم لا يسعون إلا إلى مصالحهم الخاصة وحسب، وطغى كرههم للمشروع الإسلامي و للإخوان خصوصاً والإسلاميين عموماً على حبهم لمصر وشعبها.

 

وترك هؤلاء تحرير الجنود دون اصابات ولا اراقة دماء ، والحفاظ على قدسية الدم المصري ، وتعاون الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في ادارة ملف الازمة وحلها في وقت قياسي، وحكمة الرئيس في التعامل مع الأزمة وإدارتها بكفاءة واقتدار. وبدأو في الحديث عن أين الخاطفين ولماذا تترك سيناء هكذا - وكأن الرئيس مسؤول عما آلت إليه سيناء طوال 30 عاماً هي حكم المخلوع - وضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحت أي حال من الأحوال وبأي صورة من الصور.

 

إن على تلك القوى مراجعة مواقفها والاتساق مع الحركة الوطنية المصرية عبر التاريخ وعدم الشذوذ عنها بغية محاولة الانتصار الوهمي ليس على المنافسين السياسيين ولكن بكل أسف على الوطن والمواطن ليشبعوا غرورهم ويرضوا نزواتهم.

 

إن تصرفاتهم الطائشة وغير المسئولة أوضحت مدى الإفلاس السياسي والشعبي الذي وصلوا إليه، فلو أنهم تركوا الفضائيات والندوات والقاعات المكيفة وشغلوا أنفسهم بمشاكل الجماهير وهمومها لأدركوا مدى الجرم الذي أجرموه في حق الوطن والمعارضة الوطنية.

 

إن الثورة ماضية في تحقيق أهدافها غير عابئة بالمثبطين والمزايدين والصاعدين للهاوية بسرعة الضوء، بتوفيق الله ورعايته ثم بوعي الشعب وحكمة قيادته وتكامل وتعاون مؤسساته وبخاصة المنتخبة منها.

 

إن التاريخ سيدون في صفحاته أعمال وأقوال كل فرد وفصيل ليحاجه به في يوم ما ليصبح ما عمله حجة له أو وصمة عار في جبينه عبر السنين، هذا كله قبل حساب رب الأرض والسماء عالم السر وما يخفى.

 

حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.