الدكتور السيد أبو الخير: قانون الأنهار الدولية يكفل لمصر أحقيتها في حصة مياه نهر النيل

-الحل الدبلوماسي هو الأفضل للخروج بنتائج إيجابية تحافظ على كيان الدولتين

السفير محمد إدريس: لسنا ضد التنمية بإثيوبيا.. لكننا لن نسمح بالإضرار بمصلحة مصر

نتائج تقارير اللجنة الثلاثية حول سد النهضة سيجري التعامل معها جديًّا

د. عبد العال حسن: 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية تسمح بزيادة إيراد نهر النيل

مشروع نهر الكونغو سيوفر 95 مليار متر مكعب من المياه سنويًّا ويكفي لزراعة 80 مليون فدان

تحقيق- سماح إبراهيم:

 

فجَّر إعلان الحكومة الإثيوبية عن تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل، للبدء الفعلي في عملية بناء سد "النهضة" الإثيوبي لسد حاجتها من الكهرباء؛ حالة من القلق بين أبناء الشعب المصري بصدد الآثار الناجمة عن تدشين مشاريع قد تضر بأمن مصر المائي أو تؤثر بالمساس بحصة مصر من مياه النيل؛ الأمر الذي سينعكس على الري والزراعة والبيئة؛ إذ يصل اعتماد قطاع الزراعة من نهر النيل بمصر إلى 87% من احتياجاته المائية بخلاف دول المنبع التي تعتمد على سقوط الأمطار بها.

 

ويعد النيل الأزرق أحد فرعي نهر النيل، وهو الذي يمد مصر بنحو 60% من حصتها السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويًّا بموجب اتفاق وُقِّع عام 1929م.

 

ومن المعلوم أن نهر النيل هو شريان الحياة المصري؛ لاعتمادها شبة الكامل على مياه النهر الذي ينبع من خارج أراضيها ويجري داخل دول عدة قبل أن يصل إلى حدودها الجنوبية.

 

وصرح محمد بهاء الدين وزير الموارد المائية والري المصري، بأن البدء في إجراءات تحويل الأنهار التي تُجرى منذ فترة، لا تعني موافقة مصر على إنشاء سد النهضة، وأن هناك سيناريوهات جاهزة للتعامل مع الأزمة، مؤكدًا انتظاره ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الثلاثية، وأوضح أن إجراءات تحويل الأنهار عند مواقع إنشاء السدود هو إجراء هندسي بحت يهدف إلى إعداد الموقع لبدء عملية الإنشاء، مشيرًا إلى أن عملية التحويل لا تعني منع جريان المياه التي تعود عبر التحويلة إلى المجرى الرئيسي مرة أخرى.

 

وفي السياق ذاته، تعهد الجانب الإثيوبي بأن مشروع السد لن يؤثر في حصة الجانب المصري بأية حال من الأحوال، وأن الغرض من إنشاء السد استكمال مشاريع التنمية بالمنطقة.

 

وفي محاولة للوقوف على حقيقة الأزمة والسيناريوهات المحتملة لحلها، حاور (إخوان أون لاين) خبراء بالشئون الإفريقية والمياه والقانون الدولي لمعرفة حقيقة الموقف القانوني لمصر, والوقوف على المخاطـر المتوقعة، والبحث عن إمكانية وجود بدائل لحل الأزمة نهائيًّا دون الدخول في حروب أو منازعات مع دول المنبع!.

 

حق قانوني

بدايةً، يؤكد الدكتور السيد أبو الخير الخبير بالقانون الدولي إن لمصر حقوقًا ثابِـتة باتفاقيات دولية؛ ومنها قانون الأنهار الدولية الذي يكفل لمصر أحقيتها في حصتها من المياه.

 

ويقول إن استقرار توزيع نسبة حصة المياه لسنوات طويلة، يجعلها بمنزلة قاعِـدة قانونية لا يجوز مخالفتها، فضلاً عن جعلها قاعدة عامة، طـبقًا لقانون المعاهدات؛ فالقاعدة المقبولة والمعترِف بها المجتمع الدولي، تعامل على أنها قاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها.

 

ويوضح أن المادة (35) من قانون المعاهدات الدولي ينص على أن ينشأ التزام على الدولة الغير من نص في المعاهدة، إذا قصد الأطراف فيها أن يكون هذا النص وسيلة لإنشاء الالتزام وقبلت الدولة الغير ذلك صراحة وكتابة، مضيفا أن "هذا ما حدث في الاتفاقيات المذكورة لاحقًا ولم تعترض دول حوض النيل على أي من الاتفاقيات السابقة؛ ما يعني قبولها بكل ما ورد في هذه الاتفاقيات".

 

ويشدد على أن الموقف المصري من الناحية القانونية لا بأس به؛ لأنه يقرر حق دول المصب منذ عشرات السنين، لكن الموقف القانوني لمصر كانت تدعمه في الماضي مواقف سياسية وثقافية وتعليمية وتنموية، تخلت عنها الحكومات المصرية خلال الثلاثين عامًا الأخيرة فلم يتبقَّ اليوم سوى الحق التاريخي لمصر في مياه النيل.

 

ويرفض استـخدام مصر الحل العسكري أو التلويح بالتهديد وإعلان الحرب على إثيوبيا، مؤكدًا أن الحلول الدبلوماسية هي الحل الأفضل للخروج بنتائج مجدية للحفاظ على كيان الدولتين وحفظًا لمصالحهما المشتركة.

 

مشروع إقليمي!!

يوضح السفير محمد إدريس أن تنفيذ مشروع سد النهضة أعلن عنه منذ قرابة عامين، وأن قرار البدء في تحويل المجرى النهري لم يكن مفاجئًا على الإطلاق، مشيرًا إلى أنه كان من المفترض البدء فيه منذ شهر نوفمبر الماضي، وأجّله الجانب الإثيوبي لأسباب فنية.

 

ويؤكد أن الجانب الأسيوي تعهد بألا تكون هناك مشروعات ضارة بأي طرف، وأن يتم استكمال المشروع على مبدأ المصلحة المشتركة وبطريقة لا تؤثر في حصة الجانب المصري بأية حال من الأحوال.

 

ويقول إن جميع التصريحات الصادرة عن الحكومة الإثوبية تؤكد أن تحويل مجرى النهر لن يستقطع من حصة مصر المائية، وأن الغرض منه توليد الكهرباء وأن السد سيكون له فائدة إقليمية.

 

وحول تقييم الآثار السلبية للمشروع يقول إدريس إنه شُكِّلت لجنة فنية من المصريين والسودانيين والإثيوبيين قائمة على أساس علمي، لدراسة الآثار الناتجة من هذه المشروع؛ فمصر ليست ضد التنمية بإثيوبيا، لكنها لن تسمح بالإضرار بمصلحتها وشعبها.

 

ويضيف: "إن النتائج التي ستسفر عنها تقارير اللجنة الثلاثية حول سد النهضة الإثيوبي، سيتم التعامل معها جديًّا؛ فمصر ليست دولة صغيرة وشعبها لن يتهاون في حقه"، موضحًا أن هناك اتفاقيات دولية لا يجـوز خرقها.

 

حقائق تاريخية

وأشارت الدكتورة نادية عبد الفتاح الأستاذة بمركز البحوث الإفريقي بجامعة القاهرة إلى اتفاقية 1929، التي تحدد نصيب مصر من مياه النيل بـ55.5 مليار مترٍ مكعَـبٍ، وألزمت دول منابِـع النيل وبحيرة فيكتوريا بعدم تنفيذ أي مشاريع مِـياه بدون موافقة مصر، ومنحت مصر حق النقض "الفيتو" على أي مشروع تنفِّذه دول أعالي النيل على النهر، من شأنه التأثير في كميات المياه التي تصِـل إلى مصر، باعتبارها دولة المصب.

 

وتضيف أن كمية الطاقة التي ستنتجها السدود الإثيوبية تفوق عشرات أضعاف قدرة المجتمع الإثيوبي على استيعابها، وأن نقل هذه الطاقة إلى الجنوب والداخل الإفريقي يحتاج إلى خطوط وشبكات تعجز الحكومة عن الوفاء بتكاليفها.

 

وتطالب دول حوض النيل بالترابط ليلبي بعضها احتياجات بعض والتكامل لتوفير المياه والكهرباء، وحماية أمنها المـشترك.

 

وتقول إن الضرر الذي تتحسب له مصر يتمثل في العجز المائي الذي من المحتمل أن يحدث خلال فترة ملء الخزانات الإثيوبية إذا كانت هذه الفترة قصيرة من 3 - 5 سنوات. أما إذا كانت هذه الفترة متوسطة من 12-17 سنة فربما كان الأثر أقل احتمالاً.

 

وتحدثت عن تاريخ نهر النيل الذي يعد أطول أنهار العالم؛ إذ يمتد إلى نحو 5 آلاف و584 كيلومترا من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط ليغطي مساحة ثلاثة ملايين و349 ألف كيلومتر مربع على الأقل، وبمتوسط تدفّـق يصل إلى نحو 300 مليون متر مكعب يوميًّا.

 

ويجري النيل الأبيض شمالاً من بحيرة فيكتوريا ليمر عبر أوغندا إلى السودان؛ حيث يلتقي "النيل الأزرق" عند الخرطوم، ثم يواصل بعد ذلك جريـانه شمالاً إلى مصر, مرورًا بدول حوض النيل العشر: "بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر وإريتريا، وإثيوبيا وكينيا، والسودان ورواندا، وتنزانيا وأوغندا".

 

وتضيف أن 87% من حاجة مصر المائية ترتكز على مياه النهر؛ إذ يكاد ينعدِم سقوط الأمطار عليها ما عدا على امتداد ساحل البحر المتوسط وبعض مناطق شِـبه جزيرة سيناء.

 

حلول وعوائد اقتصادية

ويطرح الدكتور عبد العال حسن نائب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية، 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية تسمح بزيادة إيراد نهر النيل عن طريق نقل فواقد المياه المهدرة من نهر الكونغو في المحيط الهادي إلى حوض نهر النيل، دون التعارض مع اتفاقيات الأنهار الدولية.

 

ويقترح باستغلال جزء من فاقد نهر الكونغو الذي يصل إلى 1000 مليار متر مكعب سنويًّا يُلقى في المحيط الهادي، بإنشاء قناة حاملة بطول 600 كيلو متر لنقل المياه إلى حوض نهر النيل عبر جنوب السودان إلى شمالها ومنها إلى بحيرة ناصر.

 

تقوم فكرة مشروع "نهر الكونغو" على تماس حوضي نهر النيل ونهر الكونغو؛ إذ سيُستعان بكافة البيانات المتاحة من خلال البيانات التي رصدتها الأقمار الصناعية المرئية والرادارية والخرائط الطبوغرافية والخرائط الجيولوجية لدراسة أنسب مسار لتوصيل المياه من نهر الكونغو إلى نهر النيل عبر خط تقسيم المياه وصولا إلى جنوب جوبا (جنوب السودان).

 

وعدَّد المكاسب الاقتصادية الأولية للمشروع- ومنها توفير المياه المهدرة- من نهر الكونغو إلى مصر عبر جنوب وشمال السودان، واستخدامها في خطط التنمية لخدمة الدول الثلاثة، وتوفير الطاقة الكهربائية التي تحتاجها الكونغو ومصر ودول البحيرات الاستوائية وغرب إفريقيا.

 

ويقول إن المدى الزمني لتنفيذ المشروع قد يستغرق 24 شهرًا بتكلفة 8 مليارات جنيه، وهي تكلفة محطات الرفع الأربعة لنقل المياه من حوض نهر الكونغو إلى حوض نهر النيل.

 

ويضيف أن المشروع يوفر لمصر 95 مليار متر مكعب من المياه سنويًّا توفر زراعة 80 مليون فدان تزداد بالتدرج بعد 10 سنوات إلى 112 مليار متر مكعب؛ ما يصل بمصر إلى زراعة نصف مساحة الصحراء الغربية، بالإضافة إلى أن المشروع يوفر لمصر والسودان والكونغو طاقة كهربائية تكفي أكثر من ثلثي قارة إفريقيا بمقدار 18 ألف ميجاوات أي عشرة أضعاف ما يولده السد العالي، أي ما قيمته إذا صُدِّر إلى دول إفريقيا نحو 3.2 تريليونات دولار.