لم نعد نسمع له صوتًا.. ولم  يعد يطل علينا مساء كل خميس ليواصل مذبحته الناعمة ضد الرئيس الشرعي المنتخب.. فقد شارك بنصيب وافر في هندسة الانقلاب ورسم خارطته ووضع مشروعه المتكامل، وما أن وقعت الفأس بالرأس ولم يتحقق ما بشر به وانقلب السحر على الساحر.. اختفى الرجل تمامًا "فص ملح وداب" بالمصري البسيط!

 

لا ينكر واحد أن الله قد حبى الكاتب الأشهر محمد حسنين  "هيكل" بهبات كثيرة ومن يتفحص تقاسيم وجه الرجل اليوم يجد خطوطه تحوي بينها تجربة فريدة وخبرة عميقة ودهاء بلا حدود ولكن الرجل سخر كل ما حباه من ملكات وقدرات وخبرات في الحيلولة دون وصول المشروع الإسلامي  لموقع الحكم.. هكذا يعتقد وقد سمعته خلال زيارة لي في بيته  ضمن وفد من الزملاء الصحفيين  المصريين  قبل ما يقرب من عشرين عامًا.. سمعته يعبر عن رفضه لوجود أحزاب ذات مرجعية إسلامية وكان له في  ذلك منطقه.

 

وخلال وبعد نجاح ثورة 25 يناير كنت أتابعه جيدًا وأزعم أنني لم  أفوت كلمة يقولها أو يكتبها وقد بدا أنه يسعي للقيام  بنفس الدور الذي قام مع عبد الناصر من قبل.. بعد ظهور نتائج أول استفتاء في مصر بعد الثورة (الدستور أم الانتخابات) ظهرت مطالباته للمجلس العسكري بالبقاء في الحكم سنتين قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمان وبالطبع فقد كانت تلك دعوة هادئة للمجلس العسكري لقطع الطريق على حكم الإسلاميين لمصر، فقد  حظي الاستفتاء بموافقة الغالبية العظمي من الشعب المصري، على أن تكون الانتخابات أولاً وفقًا لما دعا  إليه الإسلاميون.. وكانت تلك النتيجة مؤشرًا على أن هوى الشعب واتجاهه إسلامي بامتياز، وهو ما أخاف كثيرين بأن الإسلاميين قادمون لحكم مصر.. لكن دعوة هيكل ذهبت أدراج الرياح أمام هدير الثورة.

 

لم ييأس الرجل وقاد من وراء ستار التيار العلماني المتطرف لرفض وشيطنة الإسلاميين، فعند ظهور نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية وحصول الدكتور مرسي على المركز الأول قال لليوم السابع بالحرف الواحد: "لا أقبل أن يحكم إسلامي مصر حتى ولو كان عبد المنعم أبو الفتوح".. وتمت الإعادة وأصبح الدكتور مرسي رئيسًا لمصر فقاد– ما يبدو– غرفة عمليات ضخمة لإسقاط الرجل ولم يترك شاردة ولا واردة تحقق ذلك إلا وتمكن من استثمارها، بدءًا من تبني محمود (بانجو) وفرقة تمرد حتى اللقاءات والاتصالات المتتالية بالبرادعي ووزير الدفاع.. وتحقق ما أراد هيكل بسطو قادة الجيش بالقوة على موقع الرئاسة وسجن الرئيس المنتخب والمجيء بحكومة معظمها من تلامذة وتيار هيكل.. وجاء خطاب التيار الليبرالي الناصر العلماني الانقلابي حافلاً بنفس خطاب الخمسينيات  والستينيات الذي امتلأ عداء لكل ما هو إسلامي وحفل بمجازر شهيرة ضد الإخوان لا شك أن هيكل صديق عبد الناصر هو أحد مهندسيها إن لم يكن مهندسها الأكبر، ومهما أنكر فإنه متورط في مذابح الأمس على يد ناصر ومذابح اليوم على يد الانقلابيين.. لكن الزمان غير الزمان والشعب غير الشعب.. فشل الانقلاب حتى الآن واختفى هيكل، لا ندري لماذا وإلى أين.. لكن المؤكد أن اختفاءه ليس اعتباطًا!

 

-------------------------------------------------

(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية

[email protected]

twitter: @shabanpress