رحبت بعض الصحف الناطقة باسم الانقلاب العسكري في مصر، بالخطوة التي قامت بها سلطات الانقلاب بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا من مستوى سفير إلى مستوى قائم بالأعمال، ودعمت ترحيبها بتصريحات لبعض رجال الأعمال المصريين الذين ذكروا أن تركيا هي المستفيدة في تجارتها مع مصر، وأنها تتخذ من مصر معبرًا لتصدير تجارتها إلى الدول الإفريقية والولايات المتحدة والدول العربية .

 

وطالب هؤلاء وزير التجارة المصري بإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، في ضوء ما ذكروه من تضرر الصناعة المصرية من السلع التركية الواردة إلى مصر، في حين دعا آخرون من رجال الأعمال إلى إبعاد السياسة عن الاقتصاد، في ضوء تنامي العلاقات التجارية بين البلدين، ووجود استثمارات تركية في مصر تقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار، يعمل بها نحو خمسين ألف مصري .

 

وفي هذا الصدد لا بد أولاً من تناول التجارة السلعية التركية الخارجية، والتي بلغ حجمها خلال عام 2012 نحو 390 مليار دولار، ما بين صادرات سلعية بلغت 153 مليار دولار، وواردات سلعية بلغت 237 مليار دولار؛ حيث يشير التوزيع النسبي للتجارة التركية الخارجية، إلى تصدر ألمانيا كشريك تجارى بنسبة 9% من إجمالي التجارة التركية، تليها روسيا بنسبة مشابهة، ثم الصين بنسبة 6% وإيران بنسبة مشابهة، والولايات المتحدة بنسبة 5% تليها إيطاليا بنسبة مشابهة، وفي المركز السابع فرنسا بنسبة 4% ثم إنجلترا بنسبة مشابهة، تليها دولة الإمارات العربية بنسبة 3% ثم العراق بالمركز العاشر بنسبة مشابهة .

 

وهكذا لم ترد دول عربية ضمن الشركاء التجاريين العشر الأوائل لتركيا سوى الإمارات العربية والعراق بالمركزين التاسع والعاشر، وتضمنت قائمة الشركاء العشر التالية دول: إسبانيا بالمركز الحادي عشر تليها هولندا ثم الهند فسويسرا، فأوكرانيا فكوريا الجنوبية فبلجيكا ثم السعودية بالمركز الثامن عشر، تليها رومانيا وفي المركز العشرين مصر بنسبة 3ر1% فقط من إجمالي التجارة الخارجية التركية .

 

وهكذا لم تضم قائمة العشرين الكبار في التجارة التركية سوى أربع دول عربية هي: الإمارات والعراق والسعودية ومصر، ليصل نصيب الدول العربية الأربع أقل من 9% من إجمالي التجارة التركية .

 

بل إن إجمالي التجارة التركية مع كل الدول العربية كان نصيبه النسبي 12% من التجارة التركية، ببلوغ حجم تلك التجارة التركية العربية 7ر46 مليار دولار، توزعت ما بين 2ر36 مليار دولار للصادرات التركية للدول العربية، و5ر10 مليارات دولار للواردات التركية من الأقطار العربية، لتحقق تركيا فائضًا تجاريًّا مع العرب بلغ 6ر25 مليار دولار؛ حيث حققت تركيا فائضًا تجاريًّا مع كل الدول العربية، فيما عدا عجزًا محدودًا مع قطر وحدها، وكان أكبر فائض لتركيا مع العراق بنحو 7ر10 مليارات دولار، ثم مع الإمارات بنحو 6ر4 مليارات دولار ثم فائض مع مصر بنحو 3ر2 مليار دولار، ثم مع ليبيا بنحو 7ر1 مليار دولار، ومع السعودية بنحو 5ر1 مليار دولار تليها الجزائر بنحو 888 مليون دولار .

 

فالأردن 675 مليون دولار ولبنان 670 مليونًا، وتونس 601 مليون والمغرب 585 مليونًا واليمن 486 مليونًا، فسوريا 431 مليونًا فالسودان 268 مليون دولار، ومبالغ أقل للفائض التجاري مع سلطنة عمان موريتانيا وفلسطين والبحرين والكويت، بينما كان العجز التجاري مع قطر 209 ملايين دولار فقط.

 

وفيما يخص مصر وحسب البيانات التركية فقد بلغت قيمة الصادرات التركية لها 3 مليارات و679 مليون دولار، مقابل واردات منها 1 مليار و342 مليون دولار، ليصل حجم التجارة بين البلدين 5 مليارات و21 مليون دولار.

 

 ولم تختلف البيانات التركية عن البيانات الصادرة من جهاز الإحصاء المصري، الذي أشار إلى بلوغ قيمة الصادرات المصرية لتركيا خلال نفس العام 1 مليار و562 مليون دولار، مقابل 3 مليارات و511 مليون دولار للواردات المصرية منها، ليصل إجمالي التجارة بين البلدين 5 مليارات و73 مليون دولار، تمثل نسبة 5% من إجمالي التجارة الخارجية المصرية البالغة مائة مليار دولار .

 

وهكذا كانت تركيا تمثل الشريك التجاري الخامس لمصر، بعد الصين والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا، وفي قائمة الصادرات السلعية المصرية جاءت تركيا بالمركز الخامس بنسبة 6ر5% من إجمالي الصادرات المصرية، وذلك بعد إيطاليا والهند والولايات المتحدة والسعودية.

 

أما على قائمة الواردات المصرية فقد جاءت تركيا بالمركز السابع بنسبة 5%، وذلك بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وروسيا وأوكرانيا وإيطاليا، وهكذا فإن الوزن النسبي لمصر في تجارة تركيا الخارجية، أقل من الوزن النسبي لتركيا في التجارة الخارجية المصرية .

 

وفيما يخص تحقيق مصر عجزًا تجاريًّا في تجارتها مع تركيا فإن ذلك العجز متكرر مع غالبية شركائها التجاريين، بسبب العجز المزمن بالميزان التجاري المصري وقلة الصادرات المصرية، حيث كان هناك عجز تجاري لمصر مع جميع الشركاء التجاريين الخمسة عشر الأوائل فيما عدا ليبيا فقط .

 

وهكذا جاء العجز التجاري المصري مع تركيا والبالغ 9ر1 مليار دولار حسب البيانات المصرية، في المرتبة الثامنة لقيمة العجز التجاري مع شركائها التجاريين، أي بعد: الصين البالغ العجز معها نحو 6 مليارات دولار، تليها ألمانيا بعجز 1ر4 مليارات وأوكرانيا 9ر3 مليارات، وروسيا بعجز 8ر3 مليارات والولايات المتحدة بعجز 7ر3 مليارات، والبرازيل بعجز 7ر2 مليار والكويت بعجز 5ر2 مليار دولار .

 

وفيما يخص أثر اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين مصر وتركيا على وجود عجز تجاري لصالح تركيا في تجارتها مع مصر، فإن نفاذ السلع بلا جمارك حسب الاتفاقية يتم على كلا الجانبين، بحيث يتيح لمصر النفاذ بصادراتها إلى السوق التركي بلا جمارك .

 

وإذا كان بعض رجال الأعمال المصريين خاصة من منتجي الملابس الجاهزة والحديد يتضررون من الواردات التركية من السلعتين ويستغلون خفض التمثيل الدبلوماسي للتشهير بالواردات التركية؛ فان اتفاقية المنطقة الحرة بين مصر وتركيا تتيح في المادة 23 منها، أنه إذا وجد أحد الطرفين أن الدعم الممنوح يؤثر على التجارة الثنائية، فيحق لهذا الطرف اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقًا لاتفاقيات الجات ومنظمة التجارة العالمية الخاصة بالدعم والإجراءات التعويضية .

 

كما نصت المادة 193 من الاتفاقية، أنه إذا وجد أحد الطرفين صعوبات جسيمة تتعلق بميزان المدفوعات يجوز للطرف المعني اتخاذ إجراءات تقييدية .

 

أما ما يردده بعض رجال الأعمال المصريين من قيادات منتجي الملابس أن الرئيس محمد مرسي هو الذي سهل لتركيا عقد اتفاقية التجارة الحرة معها، فإن التوقيع على تلك الاتفاقية كان في ديسمبر 2005 ودخلت حيز النفاذ في مارس 2007.

 

كما أن هناك ست اتفاقيات تجارية أخرى لمصر تمت قبل تولي الرئيس محمد مرسي، تتيح لأطراف تلك الاتفاقيات دخول بضائعهم لمصر بلا جمارك، ونفس الإتاحة للبضائع المصرية في الدول أطراف الاتفاقيات، وهي: اتفاقية الشراكة مع دول الاتحاد الأوربي منذ عام 2004 مع دول الاتحاد والتي بلغ عددها حاليًّا 28 دولة.

 

ومع دول الكوميسا التسع عشرة منذ 1998، ومع إسرائيل في إطار الكويز التي عقدت بنهاية 2004، لتسهيل نفاذ السلع المصرية للسوق الأمريكية بشرط وجود مكون إسرائيلي بها، ومع 18 دولة عربية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية منذ عام 2005، ومع دول الأردن وتونس والمغرب في إطار اتفاقية أغادير منذ مارس 2007 .

 

ومع دولتي الإفتا الأربع منذ يناير 2007، لكن الصادرات المصرية لم تستطع الإفادة من تلك الاتفاقيات بشكل كبير لرفع قيمة صادراتها، لأسباب تتعلق بكم السلع المتاحة للتصدير وتنافسيتها من حيث السعر والجودة وخدمات ما بعد البيع .

 

وهكذا كان رأي رجال الأعمال غير المسيسين إبعاد الاقتصاد عن السياسة، حفاظًا على الاستثمارات التركية في مصر وفرص العمل التي وفرتها، خاصة مع وجود جمعية لرجال الأعمال الأتراك تضم 693 عضوًا من البلدين، ومجلس الأعمال المصري التركي الذي دعا بعد الثلاثين من يونيو من العام الحالي للفصل بين الملفين السياسي والاقتصادي، وعدم امتداد الخلافات السياسية للعلاقات الاقتصادية .

 

إلا أن الواقع يشير إلى توقف أعمال اللجان المشتركة بين المستثمرين، والإحجام عن إبرام صفقات جديدة وتوقع توقف البنوك عن التمويل للتجارة بين البلدين، وفتح اعتمادات مستندية لأي صفقة جديدة في ضوء زيادة معدل المخاطر، وهو ما يشير لتعطل الوعد التركي بزيادة حجم الاستثمارات في مصر إلى خمسة مليارات دولار، كما عدل الجانب التركي عن التسهيل الائتماني البالغ قيمته مليار دولار والذي كانت تركيا قد خصصته لمصر؛ بل أصبح هناك شك في استمرار الوديعة التركية البالغ قيمتها مليار دولار رغم أنها تستحق في عام 2017، كذلك سوف تتأثر حركة الطيران والسياحة بين البلدين، وأيضًا السعي لربط بورصتي القاهرة واسطنبول، والاتفاقات الصحية وغيرها التي تم عقدها مع تركيا مثل التعاون في مجال الطاقة المتجددة وإنتاج الكهرباء .

 

وبما يشير إلى تضرر قطاعات اقتصادية متعددة، نتيجة قرار حكومة الانقلاب بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بشكل متعمد لإهانة الطرف الآخر، دون اكتراث بالآثار الاقتصادية السلبية لذلك القرار المتسرع، خاصة أن هناك دولاً إفريقية وأوربية أعلنت رفضها الاعتراف بالانقلاب العسكري، ولم يتم التعامل معها بالشكل الذي تم مع تركيا، القوة الإقليمية والعسكرية التي تمثل دعمًا لمصر بالمنطقة .

 

[email protected]