"أيام سوداء" يعيشها المصريون منذ انقلاب الثالث من يونيو العام الماضي.. ركود وكساد اقتصادي.. فقر.. ديون.. أزمات وكوارث حلَّت فوق رءوس الشعب المصري ببركات الانقلاب وحكومته.

 

"الشحاتة هي الحل" كان هو الشعار المسيطر على المشهد المصري منذ الانقلاب وحتى الآن، فلم نرَ من قبل حكومة تعيش وتنفق على شعبها من "الشحاتة" من الإمارات والسعودية والكويت.

 

مصر منذ الانقلاب تعيش على المنح والقروض؛ حيث استدانت ما يزيد على 15 مليار دولار من دول الخليج في 3 أشهر لسد عجز الموازنة، بالإضافة إلى فك وديعة حرب الخليج، والتي تصل إلى 9 مليارات دولار.

 

شبح الإفلاس لم يعد يهدد مصر فقط بعد الانقلاب، ولكنه أصبح واقعًا حاضر؛ حيث اعترف منير فخري عبد النور، وزير التجارة والصناعة، إن الدولة تواجه أزمةً اقتصاديةً طاحنةً تبدو مظاهرها بكثرة، ولكن الجزء الأكبر من المشكلات هو عجز الموازنة العامة التي تتمثل في إيرادات الدولة ونفقاتها، موضحًا أن حجم مصروفاتنا أكبر بكثير من حجم إيراداتنا، وبالتالي سيزداد حجم مديوناتنا.. قائلاً: "هذا هو وضع الحكومة".

 

وأوضح أن عجز الموازنة وصل إلى 13.3 من الدخل القومي، ونحن وصلنا لكثير من هذا وتراكمت ديون أكثر من ذلك بتتابع السنوات، وأصبح الدين العام يساوي تقريبًا 100% من الناتج القومي.

 

وأضاف أن الأسعار ترتفع والدخل ليس مساويًا لارتفاع الأسعار، موضحًًا أنه للخروج من الأزمة لابد من أن نتصارح ونشرح الوضع الحقيقي، مطالبًا الشعب بـ"شد الحزام"، موضحًا أننا لنخرج من الأزمة لا بد علينا أن نعمل من أجل هذه البلد التي "أفلست" فعلاً ولا بد أن نعمل بجهد، وأوضح أننا لا بد أن نعي ذلك للخروج من الأزمة. وأوضح أن ثلث الإنفاق يخرج لدعم الطاقة والثلث الثاني لسداد الديون وثلث للأجور لدفع أجور 6 ملايين موظف، والربع الأخير يُصرف على النقل والمواصلات والصحة والتعليم والمياه والكهرباء وكل المرافق العامة، موضحًا أنه في إطار هذه الموازنة الضعيفة لن تستطيع حكومة الانقلاب أن تستمر.

 

ليس هذا فحسب.. ولكن الجرائم البشعة التي ترتكبها حكومة "البيه بلاوي" في التعامل مع الملف الاقتصادي لم تقف عند هذا الحد بل اتخذت إجراءات تخريبية للاقتصاد، بالتوسع في الاستدانة من الخارج إلى جانب المعونات، والاستدانة الداخلية ونهب أموال المودعين في البنوك المحلية، ثم كانت الكارثة الكبرى بطبع 22 مليار جنيه لمواجهة العجز، وسداد مرتبات الموظفين وهو ما يعد تخريبًا للاقتصاد الذي دخل إلى غرفة الانعاش في انتظار صدور شهادة وفاته، وهو ما يُبشِّر بتهاوي الانقلاب وسقوطه قريبًا.

 

هذا إلى جانب إعلان وزارة المالية الانقلابية، أن إجمالي الدَّين العام المحلي، بلغ في ديسمبر الماضي، نحو 1.488 تريليون جنيه (215 مليار دولار)، مقارنة ً بنحو 1.458 تريليون جنيه، في سبتمبر، بنسبة زيادة مقدارها 2.05%.

 

وأضافت الوزارة في تقريرها المالي أن إجمالي الدين العام المحلي، بلغت نسبته 72.6% من الناتج المحلي الإجمالي في ديسمبر الماضي، وبحسب التقرير الرسمي نفسه، فقد بلغ إجمالي الدين الخارجي حتى سبتمبر الماضي 47.01 مليار دولار.

 

وأشار التقرير إلى أن الحكومة الانقلابية الحالية أصدرت أذون وسندات خزانة خلال الفترة من يوليو، وحتى ديسمبر  872.3 مليار جنيه.

 

وبالرغم من أن الأرقام التي يعلنها الانقلابيون مشكوك في مصداقيتها، إلا أن تدهور الاقتصاد بهذا الشكل المرعب عقب 6 شهر من عمر الانقلاب يعني أن مولود السفاح الصغير أصبح يترنح قاب قوسين من الموت والسقوط.

 

تخريب الاقتصاد

قال د. علي لطفي، رئيس الوزراء الأسبق، الذي كشف عن أن البنك المركزي ارتكب جريمةً بشعةً في حقِّ الاقتصاد، بطباعته 22 مليار جنيه، واعتبر الأمر تخريبًا للاقتصاد القومي، يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

 

وأضاف أنه طلب من هشام رامز محافظ البنك المركزي إيضاح الأسباب التي دعته إلى ذلك فتجاهل الرد عليه.

 

وأشار خلال اجتماع مجلس الأعمال المصري الأوربي إلى أن نسبة الفقر تزداد أضعاف قيمة الدعم الموجود بالموازنة، موضحًا أن نسبة الفقر زادت بنسبة 25%، فيما اعترفت وزارة مالية الانقلاب باقتراضها نحو 486.7 مليار جنيه (70 مليار دولار)  كدين محلي، خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2013م.

 

ووصف خبراء اقتصاديون ومراقبون سياسيون قيام البنك المركزي بطبع 22 مليار جنيه بالكارثة الاقتصادية بكل المقاييس؛ فسوف تتسبب في أزمات متصاعدة تدفع ثمنها الأسر المصرية بشكل مباشر؛ لأنها ستؤدي لارتفاع معدلات التضخم والأسعار والفقر والبطالة، وانخفاض قيمة العملة وقوتها الشرائية، معتبرين ذلك مؤشرًا على عجز حكومة الانقلاب عن توفير المرتبات وسد عجز الموازنة، وخطورة أن يكون الطبع بلا غطاء حقيقي بل وهمي متمثلاً بأموال الخليج.

 

فشل الانقلاب

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي د. سرحان سليمان أن أبسط قواعد الاقتصاد أن يتناسب طبع البنكنوت الجديدة مع معدلات النمو بالناتج المحلي الإجمالي، موضحًا أن زيادة الكميات المطبوعة يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في صورة ارتفاع للأسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للعملة.

 

ويوضح أن حالات طبع البنكنوت تتمثل في الاحتياج إلى زيادة السيولة أو إحلال وتجديد العملة التالفة أو مقابل الأموال التي تم تهريبها، أو مجموع للبنود السابقة، لافتًا إلى أن طبع نحو 22 مليار جنيه خلال الشهور الماضية له انعكاسات سلبية على الاقتصاد، مشككًا في مصداقية الأرقام المعلنة من قبل حكومة الانقلاب عن الكميات الحقيقية للعملات المطبوعة وغيرها؛ حيث يختلف ما ينشر من الحكومة عما ينشره البنك الدولي من أرقام.

 

ويؤكد "سليمان" أن استمرار هذه السياسة يعكس فشل حكومة الانقلاب اقتصاديًّا ويكشف أنها تقدم على سياسيات وقتية لن تفيد سوى مزيد من تراجع قيمة الجنيه، ومزيد من الركود الاقتصادي وتراجع في الإنتاج، وانخفاض في الصادرات، وتزايد نسبة الفقراء، وانتشار البطالة، ومشاكل اقتصادية جمّة، ومشكلات مجتمعية ستكون نتيجة لذلك، ولا يوجد حلول سوى زيادة الاستثمار الذي انخفض لدرجات تكاد تكون لا تذكر، ورجوع السياحة، وفتح أسواق تصديرية جديدة، وكل ذلك يحتاج لزيادة الإنتاج بمعدلات أسرع، والمحدد والقيد لكل ما سبق يبقى في الاستقرار السياسي ووجود سلطة منتخبة تعبر عن الشعب، ومزيد من الشفافية ومحاربة الفساد، وهذا لن يحدث في ظل الانقلاب.

 

ويرى أحمد خلف الباحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية أن تقدير حجم النقد الورقي الذي تصدره الدولة يجب أن يكون متناسبًا بدرجة كبيرة مع ما لديها من ذهب وموارد وثروات عينية وخدمات وعملات أجنبية؛ حتى يمكنها أن تحافظ على استقرار سعر العملة وقيمتها بالنسبة لغيرها من العملات الرئيسية مثل الدولار، فإذا زادت كميات العملة الورقية على ما يقابلها من موارد وسبائك ذهبية وخدمات فإن هذا يؤدي إلى هبوط قيمة هذه العملة وقوتها الشرائية فيحصل التضخم النقدي.

 

موضحًا أن ما قام به البنك المركزي من طباعة 22 مليار جنيه مؤخرًا يعدُّ كارثةً اقتصاديةً بكل المقاييس، حيث سيؤدي هذا إلى زيادة معدلات التضخم المرتفعة أصلاً؛ ما سيضاعف من معاناة الأسر المصرية التي تئنُّ تحت وطأة انخفاض قدرتها على تلبية الاحتياجات الخاصة بها، في ظلِّ ما تمر به مصر من ركود اقتصادي وانخفاض أو انعدام الاستثمار الأجنبي والمحلي؛ نظرًا للأوضاع السياسية المضطربة، والتي وفَّرت مناخًا طاردًا للاستثمارات، كان آخرها خروج شركات التنقيب عن البترول الأجنبية من مصر، بل وتوقف شركة الحفر المصرية نتيجة إضراب العمال عن العمل بعد توقف بعض الحوافز والمرتبات وفصل بعض العاملين؛ ما يُنذر بخطرٍ شديدٍ يتعلق باحتياجات مصر من البترول ومشتقاته في الفترة القادمة، فضلاً عن الأزمة التي تعانيها حاليًّا، ولا يكاد يعالجها سوى بعض الدعم من شركاء الانقلاب من دول الخليج.

 

وقال "خلف" ومن الواضح أن هذه المليارات تمت طباعتها دون غطاء من ذهب أو موارد عينية أو عملة أجنبية، وإنما بناءً على غطاء وهمي من القروض التي تلقتها سلطة الانقلاب مؤخرًا من الإمارات والكويت، والسعودية التي تحاول مؤخرًا إعطاء جرعة أمل جديدة لإبقاء الانقلاب على قيد الحياة بخمسة مليارات دولار أخرى؛ وبالتالي هذه المليارات المطبوعة تعد استهلاكًا للقروض التي تلقتها سلطة الانقلاب مؤخرًا، ولا يقابلها إنتاج محلي، بل على العكس، يقابلها توقف في إنتاج المصانع وإغلاقها، وفقًا للأنباء الواردة من حكومة الببلاوي ذاتها، وتراجع حاد في معدلات السياحة، وانخفاض في الاحتياطي النقدي لا يقلل من أثره مؤقتًا سوى تلك الأموال التي تضعها بعض دول الخليج، وهي في معظمها قروض ذات فوائد.