حد فاصل كبير ينبغي أن يضعه الثوار بين ما هو (كلام ثورة )، وكلام (أكل العيش) من نوعية التحليل السياسي، والمظلومية، والشعب المغيب والحكومة الفاشلة و... إلخ.
والفوارق واضحة في الآتي:

 

أولاً: بين خطاب المظلومية وتعمد الفضح:

 

- فإذا أعلى الثوار أصواتهم بما يحدث من تنكيل بالمعتقلين وقتل للمتظاهرين ومطاردة للأبرياء، فليس ذلك استجداء من سلطة الانقلاب أن ترحمهم، أو أن تلتزم بمعايير حقوق الإنسان، ولكنه فضح لسلوكهم العدواني الوحشي، وتعرية لمسلكهم الذي يؤكد حقيقة اغتصابهم للسلطة وكذبهم على الشعب.

 

- والثوار أعظم وأرقى من أن يطلبوا الرحمة من ظالم، لكنهم سيضطرونه إلى (الرحيل)، ولو كان طلبهم مجرد تخفيف أهوال التنكيل لجلسوا يتفاوضون فهو أقرب وصولاً للدنية في الدين والكرامة، وصفح الانقلابيين!!

 

ثانيًا: بين الاعتراض على النظام وإسقاطه:

 

فالثوار إذا فضحوا تاريخ رئيس الحكومة الجديد، فليس لأنهم يرشحون من هو خير منه، فالمقياس ليس بالأشخاص ولكن بالموقف من إرادة الشعب، فقد يكون الشخص ذا تاريخ ناصع، ولكن تماشيه مع الانقلاب وتعاونه معه يسقطه ويلطخ ما كان حسنًا من تاريخه، فالفيصل بيننا وبينه هو: (هل يقف مع إرادة الشعب أم مع سارقي إرادته ؟).

 

- فوزير الكهرباء بحكومة محلب هو أحد أعضاء مجلس نقابة المهندسين الشرعي ومشهود له بالنزاهة، فهذا لا يمنح الحكومة شهادة بالنزاهة ولكنه يسقط الاعتبار عن الوزير لأنه خان تاريخه، بصرف النظر عن كون من رجال الأعمال وهل سيتناقض مصالحة مع الوزارة أم لا، فهذه مسألة ثانوية لأنه ليس بعد الانقلاب ذنب.

 

_ والمعنى أن الانقلاب سيبذل جهده لتجميل صورته، ونحن سنجاهد لإسقاطه، فكل من ساهم في تجميل صورته سقط معه ولا حساب لتاريخه، وكل من جاهد لإسقاطه يصنع تاريخه الحقيقي.

 

ثالثًا: بين حل المشكلات والإفشال:

 

والثوار يشجعون الإضرابات، وينشرون فضائح الفساد الاقتصادي، ويظهرون عوار الظلم الطبقي، وكل هذا لا يستهدف حلولاً من الانقلاب، فهو لا يملك حلولاً، ولكننا نحشد كل هذا الزخم لشل فاعلية الانقلابيين، وإفقادهم القدرة على قيادة سفينة الوطن، لئلا يتمكنوا فيكرسون فسادهم ويُسوِّدون رجالهم.

 

- ونحن- مثلا- نعلم أن هنالك مشكلات لا يمكن حلها إلا في مدد زمنية طويلة، لكننا نضعها كعراقيل، ونفجرها كقنابل في طريق الانقلاب، حتى يزهق ويرحل ويعلم أن التركة ليست غنيمة، وأن يكتفي بما سرقه ونهبه هو وأتباعه، وأن يترك لأبناء الشعب المخلصين النظر في كيفية حل معضلاتهم، فهم قادرون عليها مهما حُرقت الأرض، فالأوطان المحررة من حكم العسكر تشابه تمامًا المحررة من احتلال أجنبي، هذا يسرق ويخرب، وهذا يسرق ويخرب.

 

ولا خوف على أبناء الوطن من حمل التركة مهما كانت مثقلة، فيومها سيعرف الشعب الحقائق، وبعد كشف الملفات، سيتضح الصادق من الكاذب، ويبدأ الجميع في رحلة الإصلاح.

 

رابعًا: بين النقد والتطوير:

 

وعلى الثوار ألا يشغلهم فضح الانقلاب والسعي لإسقاطه، عن النظرة الناقدة الدائمة لحراكهم، بحيث تُخلَق مساحة واسعة للأفكار، وتداولها وتبنيها، مع توحد الفكر على (قاعدة: إزاحة الانقلاب).

 

- ومع الحذر من النقد المُثبِّط، أو اليأس، أو الانحراف عن منهج المقاومة، فكل الأفكار ينبغي تقديرها وتداولها.

 

- وهنا أيضًا تتحدد المواقف؛ فالطريق طويلة، وقد ييأس بعضنا فيعبر عن يأسه بأفكار مثبطة، فعلى موازين المقاومة أن تكون حساسة للغاية ضد أي فكر انهزامي، أو أي محاولة لكسر الإرادة من الداخل، فأهلاً وسهلاً بكل تقدم دَفَّاع للأمام ولا مرحبًا بأي تخذيل.

 

- إن قرار مقاومة الانقلاب لم تقرره قيادة جماعة من جماعات التحالف ولا حزب من أحزابه، ولكنه قرار اتخذه كل فرد من رافضي الانقلاب على حدة، ونحن قررنا معركة مصيرية، إما أن يظهر الحق وأما أن نهلك دونه، ومن غابت عنه صحة الفهم وقع في التخليط ومن استبطن التهاون استصعب طول الطريق.

 

_ إنها مواقف مفصلية، وطريقة للحياة فى ظل منهج يميز بين الحق والباطل، ولا يشغله زركشة الباطل ولا إغراءاته بحلول وسط...... فإما حق وإما باطل.

 

- وقد نجح الثوار في توصيل الرسالة للجميع، وأربكوا صفوف الفسدة.

 

مكملين...

لا رجوع...

[email protected]