الخبراء:

- كارثة محققة تعصف بحياة الأجيال القادمة

- الانقلاب يحاول تثبيت أقدامه ويهمل صحة المصريين

- نسبة العجز بلغت 75% في بعض المحافظات

- ديون "المصل واللقاح" فاقت رأس مالها والانقلاب نائم

- الانقلابيون يستوردون أسلحة بالمليارات.. ويهملون الأمصال

- الحكومة "خيبتها تقيلة" في مجال إنتاج الطعوم والأمصال

 

تحقيق: محمد إبراهيم

 

أزمة حقيقية تعيشها مصر في ظل الانقلاب العسكري الدموي الإرهابي من نقص أمصال وتطعيمات الأطفال بنسبة بلغت 75% في بعض المحافظات، وهو ما ينذر بكارثة صحية محققة، وهو الأمر الذي كشفت عنه نقابة الخدمات الصحية في تقريرها الذي رفعته إلى إبراهيم محلب رئيس حكومة الانقلاب.

 

وحذرت النقابة العامة للعاملين بالخدمات الصحية- في مذكرتها- من أن الخطر أصبح يهدد الصحة الوقائية للمواطنين؛ بسبب نقص إنتاج الأمصال واللقاحات والطعوم والدم ومشتقاته، إلى جانب نقص إنتاج المستحضرات البيطرية التي تهدد الثروة الحيوانية والداجنة.

 

وطالبت المذكرة التي بعث بها محمد نبيه، رئيس النقابة العامة وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، إلى رئيس مجلس الوزراء، بالتدخل العاجل لإسقاط ديون الشركة القابضة وشركاتها التابعة لها لتتمكن من توفير إنتاج هذه الأنواع من العقاقير.

 

أوضح نبيه، في بيان صحفي، أن الشركة القابضة والمملوكة بالكامل للدولة أنشئت بقرار جمهوري فى عام 2002، بعد أن تم تحويل الهيئة إلى شركة قابضة بموجب قانون قطاع الأعمال العام برأس مال 79 مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه أصبح لزامًا عليها استرداد القروض التي حصلت عليها الهيئة من البنوك بقيمة 88 مليون جنيه، والتي بلغت بإجمالي الفوائد المتراكمة 250 مليون جنيه حاليًّا.

 

أشار نبيه إلى أن الشركة أصبحت عاجزة عن استكمال خطتها الإنتاجية ومشروعاتها أو سداد القروض وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه التأمينات والضرائب والكهرباء.

 

كما طالب رئيس النقابة العامة للخدمات الصحية بضرورة تحويل ديون بنك الاستثمار القومي التي تقدر بنسبة 90% من إجمالي القروض إلى وزارة المالية، وسرعة ضخ استثمارات لا تقل عن 300 مليون جنيه أو منح الشركة قروض مساندة بدون فوائد لتوفير أجور العاملين التي تقدر بـ3.6 ملايين جنيه شهريًّا وسداد الديون البالغة 99.5 مليون جنيه للجهات الأخرى.

 

ولفت إلى تعطيل العمل بمشروع إنتاج لقاح الحمى القلاعية لعلاج الماشية الذي يحتاج لنحو 40 مليون جنيه ومشروع لقاح إنفلونزا الطيور ويحتاج إلى 50 مليون.

 

وذكر الدكتور رائد شكري، رئيس الشركة القابضة "فاكسيرا"، عن وجود مشروعات معطلة أهمها إنتاج مشتقات الدم، وإنتاج السرنجات الآمنة، وشراء سيارتين لجمع الدم، وتحديث العيادات والصيدليات، إلى جانب المطالبة بفتح الاعتمادات الخاصة لاستيراد "الألبيومين"، وشرائط السكر، والـ"أنتي آر إتش".

 

وأشار إلى أن الشركة القابضة بدأت في إنشاء مشروع إنتاج لقاح الحمى القلاعية لعلاج الماشية والذي يتطلب نحو 40 مليون جنيه، ومشروع لقاح إنفلونزا الطيور ويحتاج الآخر إلى 50 مليون جنيه، بالإضافة إلى 12 مليون جنيه لإقامة البنية الأساسية لهذه المشروعات على مساحة 25% من الأرض المخصصة لها في مدينة 6 أكتوبر والمهددة بالسحب في سبتمبر القادم.

 

فيما تظهر الأزمة بقوة في محافظات الصعيد في التطعيمات الخاصة بشلل الأطفال؛ حيث اختفت من الوحدات الصحية والطبية، ويعاني الأطفال وأولياء أمورهم حاليًّا معاناة شديدة في الحصول على مصل التطعيم، خوفًا على أطفالهم من أن يصيبهم مكروه.

 

وقال بعض المواطنين: إنهم ينتظرون طويلاً من أجل الحصول على المصل إن وجد، مشيرين إلى أن هناك من يحصل عليه عن طريق الوساطة والمحسوبية، في حين أن البعض الآخر لا يستطيع الحصول على شيء.

 

ومن جانبه، أكد الدكتور ممدوح وشاحي، وكيل وزارة الصحة بأسيوط، أن هناك أزمة في التطعيمات، ولكنها تعم جمهورية مصر العربية، والجميع يعاني منها، لافتًا إلى أنها في طريقها للحل، خاصة بعد وصول جرعة كبيرة من التطعيمات سوف يتم توزيعها على المراكز الصحية لسد العجز بجميع أنحاء المحافظة.

 

"خيبة ثقيلة"

ويقول محمد أحمد "ممرض بإحدى الوحدات الصحية" إن هناك أزمة كبيرة في طعوم الاطفال منذ حوالي 7 أشهر؛ أي بعد الانقلاب العسكري مباشرة.

 

ويضيف لـ(إخوان أون لاين) أن هناك تشديدًا على عدم إعدام الطعوم الباقية من الاستخدام، موضحًا أنه مثلاً عندما تكون زجاجة الطعم تكفي لتطعيم 10 أطفال وتم تطعيم 8 أطفال فقط منها، فكان لزامًا فيما سبق إعدام بقية الزجاجة بمحضر إعدام وبشكل سريع.

 

ويتابع: "أما الآن فلا يجوز إعدام أي طعوم متبقية"، مشيرًا إلى أنهم الآن يحاولون تنظيم عملية التطعيم؛ بحيث إذا لم يتواجد الـ10 أطفال معًا في الوحدة الصحية يتم تأجيل جلسة التطعيم لحين اكتمال العدد المطلوب حتى لا تتبقى أي جرعات يكونون مضطرين لإعدامها.

 

ويوضح أن عدد الجرعات التطعيمة المتوفرة بوحدات الرعاية الأساسية عادة لا يكفي الأطفال المستهدفين بالتطعيم، مشيرًا إلى أنه عندما تكون حصة الوحدة من التطعيمات 4 زجاجات في الشهر، تقلص الكيمة إلى زجاجة واحدة؛ بما يعني أنه تم تخفيض كمية الطعوم 75%..

 

وحول طريقة تعاملهم مع المشكلة لحلها، يقول: "الطفل المولود في يناير الماضي يحق له التطعيم في شهر مارس، ويتم تقسيم عدد الأطفال المولودين بالقرية التي تخدمها الوحدة الصحية على جلسات تطعيم مثلًا (10 أطفال) كل أسبوع وإذا زاد عدد المواليد عن 40 مولودًا في الشهر مثلاً يتم عمل جلسة تطعيم زيادة، يدخل فيها معهم مواليد الشهر الذي يليه لاستكمال العدد المطلوب للجلس التطعيمة، وحتى لا تتبقى أي طعوم تكون معرضة للإعدام".

 

ويوضح أن الوحدات الصحية في الريف على مستوى الجمهورية لا تقدم خدمات للمواطنين سوى التطعيمات للأطفال، ومتابعة تنظيم الأسرة، مشيرًا إلى أن مجال الطعوم هو المجال الوحيد الذي نجحت في تقديمة الوحدات الصحية ولو فشل تنتهي المنظومة الصحية المتهالكة في مصر.

 

ويستنكر استيراد مصر الدائم للأمصال والطعوم من الخارج ومن دول مثل الهند والبرازيل، وعدم اتجاهها لإنتاج طعوم وأمصال تغنينا عن الاستيراد من الخارج، وترشد النفقات، وتواجه أي عجز محتمل، مضيفًا: الحكومة "خيبتها تقيلة" في مجال إنتاج الطعوم والأمصال، لافتًا على سبيل المثال إلى أن الطعم الخماسي مستورد من الهند.

 

انهيار الطب الوقائي

وتحذر إيمان محمد "أخصائية تمريض" من انهيار منظومة الطب الوقائي في مصر؛ بسبب العجز الشديد في الأمصال والتطعيمات، مشيرة إلى أن تجاهل الحكومة الانقلابية لهذه المشكلة يعني تدمير صحة الأجيال القادمة.

 

وتكشف عن أن العجز الحقيقي في الأمصال والطعوم هو في محافظات الصعيد والأماكن النائية التي لا يصل صوتها إلى الإعلام، ولا يعلم أحد عنها شيئًا، قائلة: "لك أن تتخيل إذا كان ريف الدلتا والقاهرة الكبرى يعاني من عجز في التطعيمات تتراوح نسبته ما بين 50 إلى 75%، فما بالنا بمحافظات الصعيد والمناطق النائية، التى يعيش أطفالها مأساة حقيقية.

 

وتؤكد ضرورة أن تهتم الدولة بانتاج الأمصال واللقاحات وعدم الارتكان إلى الاستيراد من الخارج، مشيرة إلى أن مصر بإمكانها إنتاج أمصال وطعوم أفضل من التي يتم استيرادها من الخارج، بل ويمكنها تحقيق أرباح من تصدير اللقاحات والأمصال إلى الدول العربية والإفريقية.

 

وتطالب بضخ أموال في الشركة القابضة "المصل واللقاح" وإنقاذها من عثرتها، مشيرةً إلى أن ديون الشركة فاقت رأس مالها؛ بسبب الفساد المستشري في كافة قطاعات الدولة؟

 

وتنتقد إنفاق الحكومة الانقلابية مليارات الجنيهات على شراء أسلحة لقمع المتظاهرين في حين تتجاهل صحة المصريين.

 

وقالت طبيبة أطفال- رفضت ذكر اسمها- أن هناك أزمة حقيقية في طعوم الأطفال ولكن الحكومة الانقلابية مصرة على أن تنفي وجود أزمة، مشيرة إلى أنها عندما ذهبت لتطعيم طفلها الصغير بمصل "الحصبة" عند بلوغه 6 أشهر لم يكن التطعيم موجودًا واضطرت لتأجيل التطعيم عدة أيام بسبب العجز.

 

واضافت لـ(إخوان أون لاين) أن جميع الطعوم والأمصال بها عجز، حتى إن "حقن" عقار "التاميفلو" المخصص لإنفلونزا الخنازير غير موجود بمستشفيات القليوبية، كاشفة عن أن الأطباء والتمريض الذين هم معرضون للإصابة بالأمراض لم يتم تطعيمهم ضد المرض، كما أن المرضى أنفسهم لا يجدون حقن "التاميفلو"، ويتم إعطاؤهم (كبسولات، شراب) وهي أدوية وقائية وليست علاجية.

 

وأوضحت أن هذه الجرعات الوقائية ليست علاجًا للمرضى المصابين بالفيروس بالفعل، وإنما هي علاجات وهمية تقدم إليهم حتى يأتيهم الموت.

 

كارثة

"دي تبقى كارثة".. هكذا عبر الدكتور محمد محمود أستاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس عن أزمة عجز الطعوم التي تعاني منها مصر، منتقدًا تغافل الحكومة الانقلابية عن هذا الأمر الذي يهدد منظومة الطب الوقائي في البلاد.

 

وانتقد الحرب الضروس التي يشنها الانقلاب ضد أبناء شعبه، وإنفاق المليارات لتسليح ضباط الشرطة، وشراء السيارات لقادة الجيش، وإهمال حياة الأجيال القادمة المعرضة للموت بسبب نقص التطعيمات.

 

وأضاف: "لا أطالب الدولة بتصنيع الأمصال والطعوم هنا في مصر الآن مثل الدول المحترمة؛ لأنني أدرك أن هذا الأمر يتطلب خطة دولة، في ظل عدم وجود دولة، مستدركًا: ولكنني أطالب بتوفير الطعوم والأمصال للأطفال بأي طريقة، واعتماد الميزانيات المطلوبة لذلك.

 

وأشار إلى أن حكومة الانقلاب لا ترى سوى المظاهرات التي تقض مضاجعها، ولا تعبأ بأي شيء سوى وأدها، من أجل تثبيت الانقلاب على الأرض، مؤكدًا أن هذا المسلك سيدمر أجيالاً قادمة.