- جبهة العلماء طرحت مشروعًا يقوم على تطبيقِ الإسلام وتعدد الانتماءات

- المقاومة العنيفة والشرسة أجبرت الاحتلال على تغيير خطته في العراق

- ما حدث من إشعالِ النزاعات العرقية الوسيلة الوحيدة لبقاء المحتل

 

حوار- ياسر هادي

دخلت القضية العراقية منحى جديدًا بعد تصاعد الاشتباكات في المناطق السنية والشيعية ولأول مرة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق يشهد العراق هذا القتل والتدمير، وهو ما دعا كل القوى الداخلية والخارجية إلى توجيه النداءاتِ للشعبِ العراقي لوقفِ نزيفِ الدمِ والبحث عن المستفيدِ من وجودِ فتنةٍ وفرقةٍ بين السنة والشيعة في العراق.

 

ولعلَّ ما يجري الآن يطرح أيضًا تساؤلات عن عملياتِ القتل والتدمير، وهل المراد بها تضييق الخناق على المقاومة العراقية؟ وهل أدَّت هذه المقاومة دورها؟ وما الذي يمكن أن تُحققه في المستقبل؟ وما مستقبل الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين؟ وما معالم المشروع الذي طرحته هيئة علماء المسلمين لإنهاء الاحتلال؟ وما دور الشعوب والحكومات العربية في دعم العراق؟

 

هذه التساؤلات وغيرها طرحها (إخوان أون لاين) على الدكتور مثنى حارث الضاري- المتحدث الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين بالعراق- والذي كان في زيارةٍ للقاهرة تزامنت مع الأحداثِ الدامية في سامراء وغيرها من المدن العراقية.

 

والذي بدأ حديثه معنا بالتأكيد أنَّ المقاومة الإسلامية غيرت من تكتيكاتها في مواجهة قوات الاحتلال، وأكد أنَّ هناك تحسنًا في مواقفِ الدول العربية من القضية العراقية فبعد أن كان البعض يُصدِّق الادعاءات الأمريكية بأنَّ قواتها جاءت لنشرِ الديمقراطية والحرية في بلادِ الرافدين تيقن الجميعُ من الأهدافِ الاستعمارية للحملة الأمريكية على العراق.

 

"الضاري" أشار أيضًا إلى أنَّ الاضطرابات التي ثارت بين الشيعةِ والسنةِ مؤخرًا تأتي ضمن مخطط محدد لإشعال حرب أهلية بالعراق، إلا أنه يستطرد بأنَّ العقلاء في الطرفين سوف يتمكنون من احتواءِ الموقفِ وتفويت الفرصة لتفجير الأوضاع الداخلية بالعراق لصالح الاحتلال، وعلَّق على محاولة الاعتداء على والده الشيخ حارث الضاري- رئيس هيئة علماء المسلمين- أنَّ تلك هي المحاولة السابعة للاعتداء على رئيس الهيئة وباقي العلماء الرافضين لبقاء الاحتلال الأمريكي في العراق، لافتًا إلى أنَّ الهيئةَ قدمت 20 شهيدًا على أيدي المحتلين بالإضافةِ إلى 2 من قياداتها في سجون أبو غريب وواحد غير معلوم مكانه حتى الآن، فضلاً عن 100 معتقل في سجون الاحتلال.

 

شباب المجاهدين

وعندما سألته عن نوعيةِ رجال المقاومة التي أدَّت إلى تغيير سيناريو قوات الاحتلال في العراق، قال إنَّ الشبابَ هو العنصر الأهم بين المقاومين بالإضافةِ إلى عددٍ آخر من رجالِ العشائر وبعض الخبرات من الجيشِ العراقي، لافتًا إلى أنَّ أبناءَ المساجد هم الذين يقودون الجهاد في العراق حاليًا نتيجةَ تربيتهم الجهادية قبل الاحتلال.

 

* ولكن أليس هذا نوعًا من التناقضِ بأن تكون هذه الفئة التي تقوم بهذه المقاومة هي نتاج لفترة من أشد عهود العراق ظلامًا وقمعًا للحرياتِ؟

** أبناء العراق الذين استجابوا لنداءِ المقاومة كانوا نتاجًا لعددٍ من العواملِ أهمها استثمار السنوات الأخيرة في عمرِ النظام الفائت من جانبِ الخطباء والدعاة الذين استغلوا بعض الحرية التي أوجدها الضغط على العراقِ حينئذٍ في تنظيمِ دوراتٍ لتحفيظِ القران التي كان يتخللها الأناشيد الجهادية، ومتابعة أخبار المجاهدين في فلسطين والشيشان وغيرهما، فضلاً عن انتشار الإعلامِ الإسلامي، وساهمت الفتوى التي أطلقها الدكتور عبد الكريم زيدان أحد قادة الإخوان المسلمين العراقيين بوجوب الجهاد على أبناءِ العراق في أعقابِ الاحتلال الأمريكي في تذكية روح الجهاد لدى شباب العراق الذي بدأ في تنظيمِ صفوفه ولقَّن قوات الاحتلال دروسًا من الصعبِ عليها نسيانها؛ ولذلك فإنَّ هذه الروحَ نشأتْ مع قدومِ الاحتلال ولعلها تعد الإيجابية الوحيدة للغزو الأجنبي للعراق إن كان يمكن أن يكون له إيجابيات.

 

* ألا ترى أنَّ هناك لبسًا لدى المواطن العربي عن جدوى هذه المقاومة وبرامجها وأهدافها، أو بمعنى آخر هل من المقاومةِ ما حدث مع طاقمِ "قناة العربية" أو ما سبق وحدث مع القائم بالأعمال المصري منذ ما يقرب من عامٍ وغير ذلك من أحداث؟!

** من قال إن هذا مقاومة يجب أن يعلم أن هناك فصائلَ أو قوى تعمل لصالح أجهزة استخباراتية، وليس خافيًا على أحد أنَّ العراقَ بات الآن أرضًا خصبةً لمثل هذه الأجهزة، أما المقاومة نفسها فلك أن تعرف أنها طيفٌ واسعٌ يضم تقريبًا كل الاتجاهاتِ العراقية إلا أن الاتجاه الإسلامي له النسبة الأكبر؛ حيث يصل عدد تلك الفصائل إلى 20 فصيلاً تتنوع وفقًا لأهميتها وقوة تأثيرها ومنها مَن لها قنوات فضائية وملصقات في الشوارع ومواقع على الإنترنت.

 

* بهذا الشكل ممكن أن يكون هناك تصنيفٌ معينٌ لهذه الفصائل؟

** تلك الفصائل يمكن أن تنقسم إلى عدةِ مجموعاتٍ أهمها المجموعة التي تضم أربعة من الفصائل الإسلامية المعتدلة وهي التي تُشكِّل فيما بينها إطارًا للتنسيقِ وهي الجيش الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية وجيش المجاهدين بالإضافةِ إلى جبهةِ المقاومةِ الإسلامية "جامع".

 

أما المجموعة الثانية فيقودها مجلس شورى المجاهدين الأقرب إلى تنظيمِ القاعدة والذي لُوحظ مؤخرًا رشادًا في خطابه، في حين تضم المجموعة الثالثة عددًا من الفصائلِ القريبةِ من بعضها مثل الحركة الإسلامية لمجاهدي العراق، وعصائب أهل العراق، وجيش الراشدين، إلى جانبِ عددٍ آخر من الفصائلِ المتفرقة.

 

وفي هذا الإطار يجب أن أؤكد أن تلك الفصائل تتولى مهاجمة قوات الاحتلال ولا تستهدف المدنيين؛ لأنها مقاومة اندلعت فور بدء الاحتلال ولا تتلقى دعمًا من أي طرفٍ خارجي، وأعتقد أنَّ المقاومةَ لو التزمتْ بالثوابتِ الوطنية التي لا تتناقض مع المنطلقاتِ الشرعيةِ في هذه المرحلة، وأن تعملَ على التركيزِ على المحتل، وأرى أن ذلك سيُعجِّل بخروجِ الاحتلال من العراق ويجب أن نعلم أنَّ المقاومةَ العنيفةَ أفشلت المشروع الاستعماري لقوات الاحتلال وأجبرته على تغيير خطته أكثر من مرة.

 

رحيل الاحتلال

* إذا كان الوضع على هذه الحال الذي أشرت إليها فهل تتوقع مدة زمنية ممكن أن يرحل فيها الاحتلال نتيجةَ اشتدادِ المقاومة؟

** يجب التأكيد على أنَّ خروجَ الاحتلالِ من العراقِ أصبح مسألةَ وقتٍ، وأكاد أُجزم بأنَّ قرارَ الخروج اتخُذ فعلاً ولكن لم يُحدد بعدُ الموعد النهائي لتنفيذه لأنَّ الاحتلالَ أصبحَ على يقينٍ بأنه في موقفٍ حرجٍ، وهو الآن في إطارِ محاولةٍ للخروجِ بشكلٍ يحفظ له ماء وجهه، ولا أستبعد أن تكون الاضطرابات العرقية التي تحدث الآن هي إحدى وسائل نشر الفوضى المنظمة والفتنة الطائفية حتى تكون تلك الفوضى هي السبب في الخروج وليست قسوة المقاومة وصعوبة مواجهتها لفترة أطول من ذلك.

 

وما يدلل على ذلك أنَّ المرقد الذي تمَّ الاعتداء عليه لا يخص الشيعة وحدهم بل إنه لأحد آل البيت وفي مدينة سنية، وهو ما يُبرر هذه المظاهرات التي خرجت عقب تلك التفجيرات من الشيعة واتهام السنة بأنهم وراء التفجير، ولكَ أن تتأكد من ذلك عندما تعلم أنَّ المرقد عليه حراسة كبيرة تتكون من 35 فردًا انسحبت قبل التفجير بفترةٍ مما يُوجه أصابع الاتهام إلى الجهاتِ التي يُمكنها سحب هذه الحراسة.

 

* مع زيادة النبرة الطائفية هل معنى ذلك أنَّ مشروعَ توحُّد الشعبِ العراقي أمرٌ مستحيلٌ؟

** الأمر ليس بهذا التشاؤم؛ فالعراقيون يسعون إلى تيارٍ عراقي واحد يضم الشيعةَ والسنةَ على أرضٍ وسيادةٍ ويتمتع بعلاقةٍ جيدةٍ مع كافةِ الأطراف، وإن كان هذا لا يمنع من وجودِ بعض الأطراف التي لا ترغبُ في هذا التوافقِ لتحقيقِ مصالحَ ضيقةٍ بعيدًا عن المصلحةِ العامة.

 

* هل لهيئة علماء المسلمين دور في عملية التوحيد المستهدفة؟

** هيئة علماء المسلمين طرحت بالفعل مشروعٍ للإصلاح باسم "مشروع الإصلاح والتغيير والحياة الأفضل" وهو يتناول كافة جوانب التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، وهو المشروع الذي يمكن أن يكون وسيلة لإعادةِ الحياة إلى البلادِ عقب زوال الاحتلال وهو يقوم أيضًا على أساسِ أنَّ المجتمعَ العراقي مسلم متعدد، كما أنَّ العراقَ يُمكن أن يكون محطة لاستثماراتٍ كبيرةٍ وهو ما يتطلب إعادة الوحدة والتفاؤل، وهو مشروع يُنظِّم العراق كدولةٍ مدنية، إلا أنَّ الأهمَ الآن هو طرد الاحتلال ثم محاولة تنفيذ مشروع الإصلاح والتغيير.

 

* دائمًا تتهمون الدول العربية والإسلامية بأنها تركت العراق فريسةً للأمريكانِ من جانبٍ وإيران من جانبٍ آخر، ورغم ذلك فهناك جولات عديدة لكم في الدول العربية وتحديدًا مصر فما السبب؟

** أختلفُ معكَ في ذلك، وأرى أنَّ دورَ الأمةِ العربية نحو الأزمة العراقية متميزًا، وما يثبت ذلك هو تفاعل الشعوب العربية مع الأحداث، كما أنَّ الحكوماتِ العربية إذا شعرت بنبضِ الشارع سوف تُغير من سياستها؛ لأنَّ الشعوبَ لديها طاقات كبيرة لا تجد مَن يُوظفها، والدليل على ذلك حملة المقاطعة التي نظَّمتها الشعوب المسلمة ردًّا على الإهانةِ التي وُجهت للنبي- صلى الله عليه وسلم، مما يؤكد أنَّ شعوبنا يمكن أن تفعل الكثيرَ من أجل نُصرةِ قضاياها.