إعداد- وحدة الدراسات والبحوث

عناصر الدراسة

- الخطوات المنهجية للبحث

- أهمية البحث وأهدافه

- فروض الدراسة

- الدراسات السابقة المعتمد عليها (مراجعة الأدبيات السابقة)

- النتيجة النهائية

 

أهمية البحث وأهدافه

تنطلق أهمية هذا البحث في وصفِ المهمشين في المجتمعِ المصري والتأثير الذي يتبادلونه مع المجتمعِ وإظهار قيم هذه الشريحة الطبقية ودورها في المجتمعِ المصري المعاصر على الصعيدِ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك برفع الواقع الحالي لهذه الطبقة.

 

كما تهدف هذه الدراسة إلى تحليلِ صورةِ المهمشين في المجتمعِ المصري وتأثيرهم المتبادل مع المجتمعِ مع الوقوفِ على القيمِ الثقافيةِ الاجتماعية والسياسية التي يتبناها طبقة المهمشين في المجتمع المصري.

 

وتنبع أهمية مثل هذا البحث من أهميةِ هذه المجموعة من الناسِ في المجتمعِ المصري؛ حيث يشكلون نحو ما بين 75% و80% من تعدادِ السكان في مصر ويشملون الفئات الدنيا في الطبقة الوسطى في المجتمع المصري كذلك الطبقة الأدنى من هذا المجتمع بمختلف فئاتها وشرائحها وهي "الأغلبية الصامتة" بحسب التعبير السياسي السائد والتي تسعى الدولة إلى تحييدها بشكل كامل على أهميتها في عملية التغيير الشعبي على النحو الذي جرت به ثورة 1919م على سبيل المثال؛ حيث كان الناس من هذه الشرائح والفئات هم الوقود الرئيسي والمحرك الأساسي للثورة التي لم تكن مجرَّد فورة حماسة للمثقفين أو تحرك "فوقي" للارستقراطية العسكرية على سبيل المثال كما في حالة حركة 23 يوليو 1952م.

 

وفي السياقِ العام تطرح مجموعة من التساؤلاتِ حول هذا الملف المهم سياسيًّا واجتماعيًّا والتي سوف تتم محاولة الإجابة عنها في هذا المجال وعلى رأسها بطبيعة الحال مَن هم المهمشون؟، وما نسبة المهمشين في المجتمع المصري؟، وما المشكلات التي تواجه المهمشين؟، وأيضا هل التهميش نتاج للسياسات العامة للدولة؟ أم نتاج الخصائص الثقافية النابع من الفقراء أنفسهم؟، وما أبرز القيم الثقافية التي يتبناها المهمشون في المجتمع المصري؟ وأخيرًا- وهو تساؤل مهم بالفعل- هل للمهمشين دور في المشاركة الفاعلة على الساحة السياسية المصرية؟.

 

فروض وتعريفات مبدئية

تنطلق هذه الدراسة من فرضيتين رئيسيتين أولاهما أنه توجد علاقة طردية بين السلبية السياسية والاجتماعية ومعدلات الدخل المنخفضة في غير وقتِ الأزمات، أما الفرضية الثانية فهي تلك المتعلقة بأنه كلما ارتفع مستوى الدخل وزاد التعليم أمكن تقويض مكمن الخطر في دائرة المهمشين في المجتمع.

 

أولاً: مَن هم المهمشون؟

المهمشون هم كما يعرفهم البعض بالذين يعملون على هامش الاقتصاد المجتمع، أو يتواجدون على هامش الحياة العامة في أيةِ دولة، ولا يُعلم لهم دخل محدد، ولا تعترف لهم الدولة بوضعٍ قانوني؛ ومن ثَمَّ لا تمنحهم أي تأمين اجتماعي أو صحي.

 

ومن بينهم الباعة الجائلون في الشوارع والأسواق، وعمال التراحيل، والعمال في القطاع العائلي، وعمال اليومية والمواسم، والعمالة غير الماهرة، وخدم المنازل ومَن في حُكمهم من العمالةِ المعاونة، والعمال غير الثابتين في المنشآت الكبيرة، والعمال الأطفال، فضلاً عن الذين يحترفون حرفًا ومهنًا خدميةً أو إنتاجيةً مختلفةً، ولكنهم في نفس الوقتِ لا يملكون منشآت يمارسون عبرها حرفهم ومهنهم، وقد يملكون بعض أدوات عملهم أو لا يمتلكونها، فهم يعملون بالقطعة أو اليومية أو بالساعة أو بالمهمة، أو حتى في المواسم، وقد يعملون في منازلهم أو في المنشآت الصغيرة.

 

ويضاف إلى كل هؤلاء المتعطلون عن العمل، وباختصار فإن المهمشين هو ذلك القطاع من الطبقة العاملة غير المنظم ولا المستقر، والذي يعمل غالبًا في القطاع غير الرسمي من الاقتصاد، وقد ينحدر بعضهم لعالم التسول والاعتماد على إحسانات الخيرين من الناس، أو التشرد، أو ارتكاب بعض الجرائم.

 

ويمكن اعتبار العمال "الأرزقية" من أهم مكونات وشرائح المهمشين في المجتمع المصري مع كونهم أولاً الأكبر عددًا والأوسع انتشارًا في المدن أو الحضر وفي الريف- الوجهين القبلي والبحري- وفي السياق يمكن أيضًا تصنيف الأرزقية إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي:

 

تجار الشوارع: ولهم أصناف فرعية ثلاثة؛ الأولى هي طائفة "السًّرِّيحة" وهم من "يسرحون" في الشوارع والمواصلات العامة و(يحملون بضائعهم في أيديهم)، ثم الباعة الجائلون وهم الذين "يتجولون" في الشوارع (دافعين أمامهم عربات تحمل بضائعهم) وأخيرًا صغار الباعة في الأسواق العشوائية وغير العشوائية.

 

عمال التراحيل الجدد ("الأرزقية" القُّح): وهم العمال غير المهرة (أي الذين لا يحترفون حرفة معينة، وليس لديهم ما يقدمونه إلا قوتهم البدنية)، وتجدهم جالسين على الأرصفة في الميادين والشوارع ينتظرون من يطلبهم لعمل يتطلب قوة بدنية (كأعمال الهدم، وتنزيل البضائع الثقيلة، ومواد البناء، ورفع مواد البناء للأدوار العليا.. وغير ذلك).

 

الفنيون أو "الصنايعية": وهم مَن يحترفون حرفة معينة (كالنقاشين ومحترفي ميكانيكا السيارات وفنيي الكهرباء والسباكين وغيرهم)، وفيهم من يمتلكون الورش أو المحالّ التي يقدمون من خلالها أعمالهم، ومنهم مَن لا يمتلك.

 

وهناك أيضًا فئات خاصة ضمن "الأرزقية"، مثل: النساء العاملات في القطاع غير الرسمي (وهن في العادة من النساء اللائي يَعُلْن أسرًا أو يساهمن في إعالتها)، وعمالة الأطفال ولهم وضع اجتماعي وقانوني خاص باعتبارهم أطفالاً، وأطفال الشوارع وهم إما تطورًا سيئًا للأطفال العاملين، وإما أنهم أطفال للأسر التي يعولها صنف من الأصناف الأخرى السابقة الذكر، وأخيرًا هناك العاملون في الأرضِ الزراعية دون أن يكون لهم سند ملكية أو عقود إيجار فقط يعملون بالأجرة بشكلٍ غير مستقرٍ ولفتراتٍ غير دائمة.

 

ثانيًا: ما نسبة المهمشين؟

أولاً وكما سبق الإشارة يقصد بفجوة الفقر الهبوط تحت خط الفقر، وهو ما يعكس عمق الفقر وشدة تأثيره، وهذه هي بيانات البنك الدولي وبيانات الحكومة والأمم المتحدة أيضًا (راجع الحلقة الأولى من الدراسة لمزيدٍ من التفاصيل).

 

وفي مصر يوجد تفاوت كبير في توزيع الدخل بين الطبقات مما أدى إلى ازدياد وطأة ظاهرة المهمشين وتنامي عددهم داخل المجتمع المصري؛ حيث أوضح تقرير التنمية البشرية، مصر- 2005م، الصادر عن برنامجِ الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومعهد التخطيط القومي مؤخرًا أن أغنى 20% من السكان يحصلون على 43.6% من الدخل القومي، بينما أفقر 20% لا يتحصلون سوى على 8.6% من الدخل القومي بما يعكس التفاوت الطبقي وسوء توزيع الدخل وتركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر.

 

وقال التقرير: إنَّ الملامحَ الأساسية لما يُمكن تسميته بـ"الحرمان البشري" في مصر تتمثل في الفجوة الكبيرة بين الريف والحضر، خاصةً ومن بين هذه الملامح أيضًا أن السكان الذين لم تصلهم مياه نظيفة في العام فقط بلغوا نحو 6.1 ملايين نسمة وأن 4.4 مليون يعيشون دون صرفٍ صحي وأن حجم الأمية يصل إلى 21 مليونًا بالإضافة إلى أنَّ الفقراء في مصر يبلغون نحو 14.15 مليون نسمة في العام 2005م مقارنةً مع 11.1 مليون فقط في العامِ السابق عليه؛ 2004م ووصل عدد السكان الأشد فقرًا إلى 3.3 مليون في العام المنصرم، 2005م، أما بالنسبةِ لحجم العمالة، فقد ارتفعت البطالة إلى 11% قابلة للزيادة بسبب ضعف الهجرة إلى الخارج.

 

كما أشار تقرير للأمم المتحدة حول التنمية الإدارية إلى وجود 5.2 مليون مصري يعيشون في "فقرٍ مدقع"، وانخفض دخل 3.1% من المصريين عن 100 جنيه شهريًّا، وقالت التقارير أيضًا: إن 30% من أطفال الفقراء يعانون مرض "التقزم" خاصةً في الريف و54% يُعانون الأنيميا.

 

وكشف تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنَّ 12 مليون مصري يعيشون في العراءِ بلا مأوى، وأوضح التقرير أن هؤلاء يعيشون في المقابر والعشش والجراجاتِ والمساجد وتحت السلالم، وأشار التقرير إلى أن 1.5 مليون مصري يعيشون بالقاهرة في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر الجديدة.

 

كما أكد التقرير أنَّ الخارجين على القانون يتخذون المقابر مسرحًا لتنفيذ جرائمهم، كما أنه توجد في مصر 1.032 منطقة عشوائية في جميعِ المحافظات، وأشار التقرير إلى أنَّ معظم المقيمين هناك مصابون بأمراضِ الصدر والحساسية والأنيميا والأمراض الجلدية.

 

ثالثًا: ما المشكلات التي تواجه المهمشين؟

جاء في تقريرٍ للبنكِ الدولي نُشر أخيرًا على شبكةِ المعلومات العالمية "الإنترنت" أنَّ المشاكلَ المتفشية في المجتمع المصري والتي تلاحق طبقة المهمشين هي:

 

أولاً: الفقر

خلال العقود الثلاثة الماضية كانت مصر قد حسنت بدرجة كبيرة من رفاهية الناس، وبالذات من حيث المؤشرات الاجتماعية، حيث تحسَّن مستوى تقديم خدمات التعليم والصحة للسكان بدرجة جوهرية من أوائل السبعينيات وحتى عام 2002م ارتفع متوسط العمر المتوقع للمواطن من الجنسين من 53 إلى 69 سنة، ونقص عدد الأطفال الذين يموتون قبل أن يبلغوا السنة الأولى من العمر من 110 إلى 33 (لكل 1000 من المواليد الأحياء) وزاد معدل الالتحاق الصافي بالمدارس الابتدائية من 63 إلى 92% وخلال نفس الفترة، زاد تعداد سكان مصر من 36 إلى 68 مليونًا غير أن معدل الخصوبة بين عام 1980م وعام 2002م نقص من 5.1 إلى 3 من الأطفال لكل امرأة، وبالتالي انخفض معدل النمو السكاني من 2.5 إلى 1.98%.

 

والمتتبع لمسيرة الاقتصاد المصري في الفترة الماضية يجد أن نمو مصر السريع بين عامي 1979م و 1986م قد انتهى بسبب انهيار أسعار البترول كما تعرضت البلاد لبطء اقتصادي أثر على المنطقة كلها وليس على مصر فحسب وبدأت فترة من السياسات التي اهتمت بالوضع الداخلي واقتراض كبير الحجم والمدى.

 

ومن خلال ما سبق ذكره من مؤشرات فلا تزال عملية تخفيف حدة الفقر هي أشد التحديات إلحاحًا؛ حيث إنه وفي غيبة تقييم دقيق ومنظم للفقر لا يمكن وضع أساس متين لمزيد من الجهود المستهدفة لتخفيف حدة الفقر كما أن بطء حركة الاقتصاد منذ العام 1999م/2000م يثير بعض القلق حول احتمال زيادة حدوث الفقر في مصر كما طالعتنا الأرقام السالفة الذكر حول معدلات الفقر في مصر بين عامي 2004م و2005م.

 

كما يمثل الفقر في مصر- كما يقاس بمؤشرات لا تتعلق بالدخل مثل الصحة والتعليم أيضًا- تحديًا كبيرًا، فعلى الرغم من أن معدل الالتحاق الصافي بالمدارس الابتدائية يبلغ 88%، إلا أن أمية البالغين لا تزال عالية؛ حيث تبلغ حوالي 35% في المتوسط وحتى مع إمكانية حصول الشعب بصفة شاملة على الرعاية الصحية، إلا أن عدد الأطفال الذين يموتون قبل بلوغهم من العمر خمس سنوات يبلغ 39 (لكل ألف من المواليد الأحياء)، وهو لا يزال أعلى من الدول التي يمكن المقارنة معها مثل بلدان الخليج العربي وبلاد الشام.

 

وفيما تحسنت بعض المؤشرات المتعلقة بالنوع من عامي 1993م إلى 2002م مثل الإلمام بالقراءة والكتابة بين النساء، الذي زاد من 34 إلى 54%، ونصيب البنات من الالتحاق بالمدارس الابتدائية، الذي زاد من 46.6 إلى 48.6%؛ فإنَّ الصورةَ الشاملةَ لا تزال تمثل انعدام مساواة شديد بين الجنسين.

 

كما تبين الإحصاءات الرسمية للبطالة أنَّ البطالةَ بين الإناث تبلغ حوالي ثلاث مرات نسبة البطالة بين الرجال وعلى الرغم من أنَّ اشتراك المرأةِ في قوةِ العمل قد زادت خمس مرات أسرع من الرجل خلال الفترة من 1980م إلى 1996م، إلا أن معدل الاشتراك في عام 1996م كان 25 في المائة بالنسبة للنساء بالمقارنة بـ 73 في المائة بين الرجال.

 

أيضًا ستظل ندرة المياه تمثل تحديًا بالغ الأهمية بالنسبة لتخفيف حدة الفقر في مصر فتبلغ المياه المتاحة لكل فرد نحو 950 مترًا مكعبًا في السنة، وهو مقدار يقل حتى عن المتوسط الإقليمي البالغ 1200 متر مكعب سنويًّا، ومما يعقد مشكلة كمية المياه قضايا ترتبط بنوعيتها نتيجة تشبع الأرضِ بالمياه، وارتفاع نسبة الملوحة وتدهور النوعية بسبب التلوث.

 

ونمو مصر الاقتصادي حتمي لتخفيف حدة الفقر كما أنَّ معالجةَ البطالة عن طريق توفير الوظائف لسكان مصر المتزايدين في سنِّ العمل، حيوي بنفس القدر، ليس فقط بالنسبة للنمو، ولكن بالنسبة لتحقيقِ الاستقرار الاجتماعي أيضًا.

 

ثانيًا: البطالة وأسبابها

يعرِّف البعض البطالة بأنها بوجهٍ عامٍ هي تعبير عن قصور في تحقيقِ الغاياتِ من العمل في المجتمعاتِ البشرية، وحيث الغايات من العمل متعددة، تتعدد مفاهيم البطالة فيقصد بالبطالة السافرة وجود أفراد قادرين على العمل وراغبين فيه، ولكنهم لا يجدون عملاً، وللأسف يقتصر الاهتمام بالبطالة، في حالاتٍ كثيرة، على البطالة السافرة فقط.

 

لكن مفهوم البطالة، أو نقص التشغيل، يمتد إلى الحالات التي يمارس فيها فرد عملاً ولكن لوقتٍ أقل من وقتِ العمل المعتاد، أو المرغوب، وتُسمَّى هذه الظاهرة البطالة الجزئية الظاهرة أو نقص التشغيل الظاهر، ويمكن اعتبار نقص التشغيل الظاهر تنويعة على البطالةِ السافرة.

 

ويحدث في بعض المجتمعات أن يُعاني بعض من أفرادها، في الوقت نفسه، زيادةً في التشغيل، بمعنى عملهم وقتًا أطول من معيار معتاد لكي يتمكنوا من الوفاء باحتياجاتهم، وهو وجه آخر من أوجه اختلال التشغيل في المجتمع.

 

كذلك يمكن أن يُعاني الأشخاص المشتغلون، ولو كل الوقت المعتاد، نقصَ التشغيل المستتر أو البطالة المقنعة، عندما تكون إنتاجيتهم، أو كسبهم، أو استغلال مهاراتهم وقدراتهم، متدنيةً حسب معيار ما، وهذه "أخبث" أنواع البطالة، خاصةً في المجتمعاتِ النامية؛ حيث نقص التشغيل المستتر هو الوجه الآخر لتدني الإنتاجية الاجتماعية للعمل المبذول؛ أو لقصور الدخل من العمل عن الوفاء بالحاجات الأساسية، ومن ثَمَّ انخفاض مستوى الرفاه الاجتماعي الكلي، أي "الإفقار"؛ أو لإهدار الطاقات البشرية والاستثمار في التعليم نتيجة قلة التوافق بين نظم التعليم واحتياجات سوق العمل؛ أو لتحمل شروط عمل غير آدمية مثل وقت عمل بالغ الطول أو بيئة عمل مضرة؛ وكلها قسمات جوهرية للتخلف.

 

ومن أسفٍ، أن نقص التشغيل المستتر لا يَلقى العنايةَ الواجبةَ في مناقشة البطالة ويعود هذا، أساسًا، إلى الصعوبات الكبيرة التي تحيط بهذه الظاهرة، في الفهم والقياس والتشخيص والعلاج.

 

ويتأثر تقدير حجم البطالة في مصر بالمشاكل المفاهيمية والعجز الإحصائي بالشكل الذي ظهر فيما سبق، حيث إنَّ أول ما يواجهنا من عقبات عند التصدي لقضية البطالة هو قلة البيانات وعدم دقتها بشكلٍ يقود إلى تصور إجراءات التصحيح والعلاج.

 

ويمكننا تتبع تطور حجم مشكلة البطالة في مصر من خلال بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول تقدير حجم البطالة؛ حيث نجد أنه في عام 1960م كان معدل البطالة 2.5% من إجمالي حجم القوى العاملة، وفي تعداد 1976م قفز الرقم إلى 7.7% ثم إلى 14.7% من تعداد 1986م، ولكنه وصل في 1996م إلى 8.8%.

 

على أنه من المهم هنا أن تشير إلى أن تلك الأرقام تتعلق فقط بالبطالة السافرة فهي لا تشمل البطالة المقنعة الإنتاجية كما لا تشمل البطالة الموسمية أي هؤلاء الذي يعملون في موسم معين- مثل القطاع السياحي في أسوان في فصل الشتاء أو شرم الشيخ صيفًا- ثم يتعطلون باقي العام كما لا تشمل أولئك الذين يعملون في حرف وقطاعات هامشية لا استقرار فيها تتسم بضعف الدخل للدرجة التي لا توفر الحياة اللائقة.

 

أما بالنسبة لرقم ومعدل البطالة الحقيقية في الوقت الراهن فهناك اختلاف فيها، فبيانات الحكومة متمثلة في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن عدد العاطلين في مصر قد بلغ نحو 1.78 مليون عاطل في بداية عام 2002م بما يعني أن معدل البطالة قد بلغ نحو 9.1 % من إجمالي تعداد القوى العاملة في مصر وبالمقابل تشير بيانات البنك المركزي المصري في نشرته الإحصائية والشهرية الصادرة في أبريل 2002م، إلى أن عدد العاطلين في مصر ثابت عند 1.5 مليون عاطل من العام المالي 69/97م وحتى العام المالي 2000م/2001م حيث بلغ 7.6% من إجمالي قوة العمل البالغ نحو 19.5 مليون نسمة.

 

وتشير تقديرات المسئولين في العام 2004م/2005م إلى أن البطالة تبلغ 9.9% (على الرغم من أن المعتقد على نطاق واسع أنها أعلى وتصل إلى 11%)، ونمو قوة العمل نحو 5.5- 6% سنويًّا، أو نحو 550 ألف شخص جديد يدخل قوة العمل كل سنة، وسوف تحتاج مصر إلى تحقيق معدل نمو حقيقي مستدام لإجمالي الناتج المحلي يبلغ على الأقل 7% سنويًّا حتى تنخفض البطالة إلى مستويات يمكن التحكم فيها بدرجة أكبر.

 

ومن أجل تحقيق هذه المستويات من النمو الاقتصادي واستدامتها، يجب على البلاد أن تحفز مزيدًا من المدخرات المحلية والاستثمار المحلي، وأن ترفع مستوى الكفاءة تزيد من المنافسة؛ لأنه من الضروري بالنسبة للبلاد أن تحسن أداء التصدير وأن تعتمد بدرجة أقل على الموارد الخارجية المعرضة للصدمات، ولا سيما السياحة وكذلك إذا استطاعت مصر أن تجذب مستويات أكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإن ذلك سيسهل دمج البلاد في نماذج تجارية عالمية ونقل التكنولوجيا.

 

ثالثًا: أسباب مشكلة البطالة

ترجع أسباب مشكلة البطالة في الجزء الأكبر منها إلى أسباب هيكلية تعود إلى طبيعة نمو الاقتصاد المصري كاقتصاد نامٍ يعاني اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين كل من الادخار والاستثمار وبالتالي الإنتاج والاستهلاك.

 

ولا شك أنَّ البحثَ في أسباب مشكلة البطالة لا بد من ربطه بنمط عملية التنمية السائدة فقد شهد الاقتصاد المصري تقلب في أكثر من نمط من أنماط التنمية، فمن نمط الاقتصاد الحر الرأسمالي قبل ثورة يوليو 52، إلى نمط الاقتصاد الاشتراكي الموجه مع ما صاحبه من التزام الدولة باستيعاب الجزء الأكبر من العمالة في دولاب العمل الحكومي بشقيه الإنتاجي والخدمي؛ حيث أدى ذلك إلى خفض معدلات البطالة في تلك الفترة فرغم ما مرَّ به الاقتصاد المصري في الفترة من 1968م إلى 1973م من صعوبات نتيجة لتوجيه وتعبئة الجزء الأكبر من موارده لصالح الاتفاق العسكري إلى جانب ما صاحبه ذلك من تدهور معدل الاستثمار المحلي إلا أنَّ معدلات البطالة في تلك الفترة كانت تدور حول معدلات منخفضة إذا ما قُورنت بالوقت الراهن (2.2 % من حجم قوة العمل)؛ الأمر الذي قد يرجع إلى استيعاب القوات المسلحة لجزء كبير من قوة العمل مع زيادة سنوات الخدمة العسكرية.

 

ومع بداية تحول الاقتصاد المصري من نمط التنمية المعتمد على الاقتصاد الاشتراكي الموجه إلى تنفيذ ما سمي بسياسات الانفتاح الاقتصادي في النصف الثاني من السبعينيات اتجهت معدلات البطالة نحو الارتفاع النسبي إلا أنَّ هذا الارتفاع ظل في الحدودِ المقبولة فقد تراوح معدل البطالة ما بين 2.3% و5.6% طوال هذه الفترة؛ حيث مكَّنت زيادة حجم الإنفاق الحكومي في ذلك الوقت من إعادةِ الإعمار وزيادة موارد مصر من النقد الأجنبي سواء كان ذلك من البترول أو تحويلات العاملين بالخارج أو حصيلة السياحة، إضافةً إلى القروضِ الضخمة التي حصلت عليها مصر آنذاك، كما ساهم استيعاب أسواق العمالة بالخليج العربي لأعدادِ كبيرة من العمالِ والفنيين المصريين في تأجيلِ انفجار مشكلة البطالة إلى عقدي الثمانينيات والتسعينيات؛ حيث شهدت فترة الثمانينيات العديد من العوامل التي أدَّت إلى تفاقمِ مشكلةِ البطالة.

 

رابعًا: البنك الدولي وقضيتا الفقر والبطالة في مصر (ملامح عامة)

من خلال تقارير البنك الدولي فإنَّ الهدفَ المحوري لإستراتيجية مجموعة البنك الدولي بالنسبة لمصر هو تخفيف حدة الفقر والبطالة وتوفر الإستراتيجية الإطار للعمل التحليلي، وعمليات الإقراض، والحوار مع مجموعات أخرى حول أهداف التنمية في مصر، ويركز البنك الدولي، بالتعاون الوثيق مع السلطات، على ثلاثة تدخلات رئيسية:

 

تدخلات مستهدفة لتخفيف حدة الفقر: تحقيقًا لهدف مكافحة الفقر، يوجه معظم تركيز البنك الدولي إلى النشاطات في هذه الفئة، وهذا أيضًا هو المجال الذي يمتلك فيه البنك الدولي خبرةً قويةً في مصر كما يمتلك الدعم التحليلي لتعميق اشتراكه وتشمل المجالات المحددة للعمل: التعليم الأساسي، الحماية الاجتماعية، وتعزيز شبكة الأمن الاجتماعي؛ إصلاح القطاع الصحي، بما في ذلك تدعيم نظام التأمين وإدخال تحسينات في مجال الإدارة والتحول اللا مركزي؛ ومشروعات مكثفة في المناطق الريفية والوجه القبلي في كل جوانب تحسينات المؤشرات البشرية؛ وإستراتيجيات جديدة لمعالجة القيود التي تخضع لها خدمات المياه وتصريف مياه الفضلات.

 

تدخلات ذات أثر غير مباشر على تخفيف حدة الفقر: تدعم مساعدة البنك الدولي في هذا المجالِ التدخلات التي قد تكون لها منافع رئيسية غير مباشرة بالنسبة للفقراءِ من حيث تعزيز نمو ذي قاعدة عريضة، أو تنمية المناطق الفقيرة، أو بناء مؤسسات فعالة، وتركز عمليات محددة تحسينات في التعليم العالي، وتنمية المهارات، وعلى الري والتصريف.

 

تدخلات تدعم النمو الأكبر والمستدام: وتشمل هذه التدخلات دعم استقرار الاقتصاد الكلي، وإعادة الهيكلة المرحلية لقطاعي البنوك والشركات، وتحسين البنية الأساسية لتحقيق تنافس أكبر. كما تشمل دمج مصر تدريجيًّا في الأسواق العالمية، ولا سيما في نطاقِ اتفاق الارتباط بالاتحاد الأوروبي.

 

نماذج من بعض الدراسات الميدانية حول واقع المهمشين

الدراسة الأولى: سكان المناطق العشوائية بين الثقافة والفقر وإستراتيجيات البقاء

معد الدراسة: "الدكتورة ضحى عبد الغفار".

جهة الإعداد: "كلية البنات- جامعة عين شمس".

موجز عام: "تعتبر العشوائيات وأحوالها السكانية تحديًّا للنظام الاجتماعي في مصر وعقبة أساسية من عقبات التنمية الاجتماعية والثقافية وتضم مصر 434 منطقة عشوائية تختص مدينة القاهرة وحدها بـ88 منطقة يسكنها حوالي 50% من سكان القاهرة البالغ تعدادهم نحو ما بين 17 إلى 19 مليون نسمة بحسب الإحصائيات الخاصة لعام 2004م/2005م، وتقول الحكومة المصرية إن هذه المناطق تحتاج إلى 3.485 مليار جنيه مصري لإدخال المرافق الأساسية بها فقط، وقد لوحظ أن هذه المناطق تعتبر أداة مهمة لتفريخ الجريمة والإرهاب كما أنها تحتوي على بعض الظواهر مثل "عمالة الأطفال، وانتشار المخدرات، وغياب الوعي الصحي والثقافي".

 

أهم أنواع هذه المناطق وخصائص سكانها: "مناطق واضعي اليد مثل منشية ناصر والدويقة، والمناطق التلقائية مثل عرب المحمدي"، أما بخصوص ساكني هذه المناطق فمن أهم خصائصهم "عدم التنظيم الاجتماعي"؛ حيث إنها تعتبر حضانات لجميع أنواع الأمراض الاجتماعية حيث يسود الفقر والجرائم والأمية والبطالة وعدم القدرة على الاندماج في حياة المدينة وعدم وجود التماسك الاجتماعي أو التعاون بين هؤلاء السكان، كما أنهم يوصفون في بعض الدراسات بأنهم "الهامشيون الحضريون"- كما يقول الدكتور جلال معوض أستاذ العلوم السياسية الكبير الراحل- وهم طبيعيًّا محرومون من الخدمات العامة وهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا بعيدين تمامًا عن الحياة الحضارية".

 

العلاقة بين ثقافة الفقر والمجتمع: "وتشمل هذه الفئة علاقة الفقراء بالمجتمع فهم لا يشاركون مشاركة فعالة وكاملة في المجتمع وذلك لاتسامهم بالعزلة والخوف والشك واللامبالاة من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث إنهم من منخفضي الأجور ومن مستخدمي الأشياء المستعملة ويعيشون في إسكان غير مناسب ومزدحم مع قلة تطور الخدمات".

 

الصفات السيئة: "تتوافر في سكان العشوائيات في مصر من المهمشين مجموعة من السمات السلبية مثل هجر الأزواج للأسر والعنف وتمركز الأسرة حول الأم كما أن لديهم شعورًا بـ"القدرية" و"الاتكائية" و"عدم احترام الذات والإحباط".

 

أهداف الدراسة: "تركز هذه الدراسة على الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تشكل مجتمع العشوائيات بمدينة القاهرة، وتساؤلات الدراسة هي: ما هي الأنماط الأساسية للنشاط السكاني لهذه المنطقة للمحافظة على استمرارية بقائها؟، ما هو النشاط الذي تكون له الأولوية لديهم؟، هل هذه النشاطات فردية أم جماعية؟".

 

المجال الزمني للدراسة: "من يوليو 1993م حتى مارس 1994م".

المجال الجغرافي: "عزبة الهجانة بشرق القاهرة".

التشكيل السكاني: "عدد الأسر: 2632، عدد السكان: 6813 ذكور و6331 نساء".

مشاهدات الدراسة: "عدم وجود مرافق أساسية وبنية تحتية: من (مياه ومدارس ومستشفيات وطرق مرصوفة ومساجد وغيرها).

أنماط الأسرة في هذه المنطقة: أغلب هذه الأسر مهاجرون من مناطق ريفية ويرتبطون مع بعضهم بعلاقات نسب ومصاهرة ويمتهن معظم أفرادها مهنًا حرفية (ورش إصلاح سيارات ودوكو وكهربائية ونقاشين.. إلخ)".

 

من نتائج البحث

"أ- على الصعيد الاقتصادي:

تبين أن معظمهم يستخدم مسكنه مصدرًا مباشرًا للدخل مثل تحويل جزء من السكن إلى (محل تجاري أو ورشة تصليح أو حجرة للإيجار.. إلخ) كما يوجد دخل عيني يكون المسكن مصدرًا له ألا وهو تربية الطيور والماعز والخراف فوق الأسطح وهذا يعتبر جزءًا أساسيًّا لعمل المرأة المنزلي وهذا يدل على الأصول الريفية لهؤلاء السكان ويتضح أيضًا وجود مصادر دخل تتم بشكل جماعي حيث إن الأسرة جميعها تكون مصدرًا للدخل، ومثالاً على ذلك عمالة الأطفال عن طريق تدريب الأطفال على (أعمال السباكة والسمكرة والبياض.. إلخ) لكي يكونوا مصدرًا للدخل المستقبلي.

 

ب- على الصعيد السياسي:

تضم هذه المناطق المعزولة سياسيًّا فبنظرة واحدة لمحاولات السكان للحصول على خدمات ومجهودات والمبالغ المادية التي تقدم إليهم من مصادر القوة والسلطة السياسية مثل كبار المسئولين والمجهودات التي يبذلونها لتملك الأراضي العشوائية أو توضيح وضعهم القانوني تقدم دليلاً آخر على علاقتهم السياسية بالسلطة وعلاقاتهم مع كبار واضعي اليد والتي تظهر بها علاقات المتبوع بالتابع كما تظهر أيضًا علاقات التوحد أمام قرارات الإزالة لهذه المناطق التي غالبًا لا تتم وذلك لعدم وجود الثقة بين السكان وأجهزة الحكم وذلك ينم عن وعي سياسي بسيط لأفراد هذه الطبقة، وأخيرا: فإن السمة العامة لسكان العشوائيات في علاقاتهم السياسية أنها ليست فرديةً وإنما جماعيةٌ وهذا يمثل خطورةً سياسيةً من وجهة نظر الدولة".

 

الدراسة الثانية: ظاهرة ساكني المقابر بالقاهرة

معد الدراسة: "الدكتور محمود الجوهري".

جهة الإعداد: "كلية الآداب- جامعة عين شمس".

الدوافع الرئيسية لساكني المقابر: "بحثهم عن مأوى بعد الهجرة من الريف فلا تجد هذه الفئة سوى المقابر تضمهم وتشجعهم على ذلك وأحيانًا لوجود أقارب لهم هناك ولعل أهم الأسباب فعليًّا هو (الاكتظاظ السكاني لمدينة القاهرة مع ما يشمله من مشكلات المساكن الآيلة للسقوط والانهيارات الفعلية أما البطالة فتشكل هي الأخرى حافزًا للبحث عن العمل في أي مكان ولو كان هذا المكان هو المقابر) وهذا يمثل الفقر بمعناه الواسع".

 

نمط الحياة الفعلي لسكان المقابر ومن الذي يسمح بسكن المقابر: "تتشكل القوة في هذا المجتمع في محورين رئيسيين يتجسدان في شخصيتين هما أولاً صاحب "الحوش" الذي يقوم بتأجير حوش مباشرة لبعض أقاربه أو معارفه أو رفيق الحال دون مقابل مادي وذلك بدون توقيع عقود لأن هذه الأماكن غير مخصصة للسكن، والثاني هو "التربي" وهو يمثل الشخصية القائدة لمجتمع المقابر وهو الذي يسيطر سيطرة شبه كاملة على كل ما يقع بالمنطقة من دفن وإسكان وجريمة وتأدية خدمات واتصال بالمسئولين، ويتضح من هذا أن "التربي" بهذا المعنى ليس إلا رمزًا لمجموعة من الأشخاص ذوي السلطة والهيمنة على منطقة المقابر فلكل مجموعة من التربية "معلم" يقود حركتهم وينظم عملهم ويحدد لكل منهم منطقة نفوذ لا يتعداها ويعد هذا الواقع بمثابة التنظيم الرسمي لهذه المنطقة فهناك شخصية أخرى أقل سطوة من الشخصيتين السابقتين وهي تمثل السواد الأعظم من ساكني هذه المناطق ألا وهو خفير المقابر والذي يتم تعيينه من قبل التربي أو المعلم ولا تكون له أدنى درجة من حرية التصرف دون الرجوع إليهما".

 

التركيبة التعليمية للسكان: "نسبة الأميين بين أفراد هذه المنطقة يصل إلى حوالي 64.4%، أما الذين لا يرتفع مستواهم التعليمي عن حد القراءة والكتابة نسبتهم 23.3%، والحاصلون على شهادات أقل من المتوسطة فنسبتهم 6.1%، وأصحاب الشهادات المتوسطة وأعلى من المتوسطة نسبتهم حوالي 6%، أصحاب الشهادات الجامعية وتتضاءل نسبتهم حتى تصل إلى حوالي 0.6%".

 

المهنة ومستويات الدخول: "ينقسم سكان المقابر في هذا الإطار إلى فريقين الأول فريق "يعمل" والثاني "لا يعمل"، والذي يعمل ينقسم إلى نطاقين الأول داخل المقابر والثاني خارجها، أما التقسيم المهني لساكني المقابر فهناك أولاً الحرفيون وهذه الفئة تمثل أبرز المهن حيث تبلغ نسبتهم 37% من إجمالي السكان العاملين، ثم ثانيًا الموظفون وتنخفض نسبتهم حتى تصل إلى 9.4%، أما نسبة المشاركين في أعمال التجارة فتنخفض نسبتهم كثيرًا لتصل الى1.7%، وأخيرًا أصحاب الأعمال المتصلة بمنطقة المقابر حيث تبلغ نسبة هذه العمالة نحو 5.5%".

 

نمط العلاقة الاجتماعية بين السكان: "تتسم هذه العلاقة بالعزلة الاجتماعية وتعود إلى طبيعة وخصائص سكان المقابر ذاتها بالنسبة لسكان المدينة".

 

المشاكل التي تواجههم: "الخوف من الحياة في منطقة المقابر مثل الخوف من بعض المعتقدات والخيالات مثل "(العفاريت والجن) التي تطرق على الأبواب ليلا" ولكن هذا الخوف ليس هو المشكلة الوحيدة التي يعانيها سكان المقابر فهم يعيشون في خوف مزدوج من الموتى تارةً ومن الأحياء حيث يستغل اللصوص هذا الاعتقاد الخرافي لدى السكان فيطرقون أبوابهم ليلاً لتخويفهم وذلك ليتمكنوا من سرقتهم أو دفعهم لترك المنطقة نتيجة إحساسهم بالخوف وعدم الأمان، وهناك مشكلات أخرى داخل المسكن (ضيق المساحة وعدم وجود مرافق مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والخدمات الصحية والمواد الغذائية مما أدى إلى خلق سوق سوداء يصرفون فيها السلع بأسعار أعلى وقد ساعدت المنطقة على ذلك، عدم وجود خدمات تعليمية فمعظم المدارس ابتدائية فقط إن وجدت، كذلك عدم توافر وسائل المواصلات اللازمة حيث إن معظم وسائل النقل والسيارات هي سيارات نقل بالنفر ولا تصلح للاستخدام الآدمي".

 

الدراسة الثالثة: ظاهرة جامعي القمامة

معد الدراسة: الدكتورة سعاد عثمان- أستاذ في الأنثروبولوجيا الحضرية-.

مكان إجراء الدراسة: عزبة النخل شمال شرق القاهرة.

معالم هذا التنظيم: "مبدئيًّا فإنه لكل جماعة فرعية مؤسس أول للعمل ثم يأتي بعد ذلك أقاربه من المهاجرين الذي استدعاهم ليكون كل منهم على خط في مجال جمع القمامة، أي منطقة عمل محددة تحديدًا دقيقًا بشوارع وبيوت ويكون لكل فرد حق الملكية على الخط الذي يمتلكه مما يعني شراءه أو توريثه أو بيعه.. إلخ وينظم كل هذا العرف السائد بينهم ثم يقوم الفرد ببيع قمامة الخط لـ"الزرائب" وتلتزم هذه "الزرائب" بتوفير العربة التقليدية لجمع القمامة".

 

العامل في الزريبة: "هو الفرد الأساسي في هذا المجتمع ويتطلع إلى امتلاك "زريبة" خاصة به ثم امتلاك أكثر من واحدة للارتقاء إلى رتبة "المعلم" وينقل عنهم الباحث ميشيل شنودة في دراسة إضافية له عن جامعي القمامة قول أحدهم (احرم نفسك يوم تعيش أسبوع، واحرم نفسك شهر تعيش ستة شهور، واحرم نفسك ستة شهور تعيش سنة) ويعكس هذا خوفهم من عدم استمرار ممارسة المهنة".

 

الأنشطة القائمين بها: "تجميع الزبالة من المناطق المجاورة (عين شمس- مصر الجديدة- مدينة نصر) في عزبة النخل على مساحة 28 فدانًا ومن الملاحظ أن هذه القمامة تجمع في مبانٍ مكونة من غرف معيشة ومخازن للمخلفات التي يتم فرزها بالإضافة إلى بعض الورش للحرفيين ودور العبادة (بالذات الكنائس) المقامة بالألواح الصاج القديمة المثبتة بالألواح الخشب".

 

شكل المسكن: "ينقسم إلى الوحدات التالية: غرفة الإيواء وتكون بمساحة 4 × 5 أمتار، وحوش "الزريبة" ويمارسون فيه أنشطتهم اليومية المعتادة، و"الزريبة" ذاتها والتي يوجد بها حيوانات تعيش على المخلفات مثل (الخنازير والطيور الداجنة) ولا يوجد بـ"الزرائب" بطبيعة الحال دورات مياه أو حمامات".

 

شكل الأسرة والزواج: "في معظم الأحيان تهيمن الظروف الاقتصادية في تحديد شكل الأسرة فإذا رغب أحد أفراد الأسرة في الزواج فهناك احتمالان؛ الأول: الإقامة في "زريبة" جديدة مستقلة، والثاني: الإقامة في نفس المكان".

 

الثقافة والصحة العامة: "توضح الدراسة أن نسبة وفيات الأطفال في مجتمع الزبالين مرتفعة جدًا ويرجع السبب في ذلك إلى ظروف نشأتهم وعدم الفصل بين مكان العمل والإقامة نفسها حيث تتراكم فيه كميات ضخمة من القمامة والخنازير وارتفاع نسبة الميكروبات والحشرات ومن الملاحظ أن هذه الأمور الصحية السيئة أصبحت لا تسترعي انتباههم ولا يطالبون بالمزيد بالرعاية الصحية لا من الدولة ولا من المؤسسات الخدمية الاجتماعية".

 

نتائج عامة

من خلال المعلومات والحقائق السابقة يمكن الوصول إلى حزمة النتائج التالية حول موضوع الدراسة وهو "المهمشون في المجتمع المصري" وواقعهم المعاش على النحو التالي:

 

- إن المهمشين يمثلون قطاعًا عريضًا من المجتمع حيث يتواجدون في أكثر من 400 منطقة عشوائية وتعدادهم يفوق سبعة ملايين مواطن.

 

- كثير من هؤلاء المهمشين ليسوا مسجلين في الجهات الحكومية وذلك لانعدام الثقة في الحكومة المصرية والشعور بعدم الجدية من جانبها في حل مشكلاتهم.

 

- واقع المهمشين الآن أنهم لا يسعون إلى المطالبة بحقوقهم من الدولة وذلك لانعدام الثقة في الدولة ولا يشعرون بأن الحكومة ستقوم بتلبية مطالبهم في يوم من الأيام.

 

- هذه الطبقة يواجهها الكثير من المشاكل والصعوبات التي تواجههم والتي إذا افترضنا حلها فإن هذه الطبقة سيكون لديها قدرة عالية من الإنتاج والتأثير والتغيير.

 

وأخيرًا..  فإن هذه الطبقة تعمل في كثير من الأحيان في تنظيمات غير رسمية حيث يكون لهم هيكل إداري يتربع على قمته قائد لهم، ولعل الدافع إلى هذا التنظيم غير الرسمي هو "لقمة العيش" التي يسعون إليها والظاهر حتى الآن أنه ليس لهم دور سياسي ولا اجتماعي ولا اقتصادي في المجتمع ولا يتطلعون إلى ذلك بسبب ثقافة اليأس والإحباط وعدم الطموح والشعور بعدم الاستقرار في الحصول على "لقمة العيش".