- تنفيذ مخططات محو الهوية من خلال المناهج

- فرض الاختلاط واللغة الإنجليزية مقابل المنح

 

تحقيق: هاني صلاح الدين

منذ اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني والتعليم المصري يعيش في ظل التوجيهاتِ الأجنبيةِ وبخاصةٍ الأمريكية منها، حيث استطاعت مؤسسات أمريكيةٌ مانحةٌ عقد مجموعةٍ من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون سواءٌ في التعليم ما قبل الجامعي أو الجامعي نجحوا من خلالها في السيطرةِ على التعليم وتوجيهه إلى تحقيقِ أهدافِهم ومن خلال السطور التالية سنتعرض لذلك بالتفصيل في مراحل التعليم ما قبل الجامعي.

 

فقد توغَّل الخبراء الأمريكان في التعليم المصري تحت غطاء تبادل الخبرات بين الدول الموقِّعة على الاتفاقية، وذلك من أجلِ تدعيم قِيم التطبيعِ مع الكيانِ الصهيوني ثُمَّ تسريب منظومة القيم الغربية للمناهج المصرية، وبدأت بعدها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الخاصة بالتعليم الأساسي في التسرب إلى التعليم المصري من خلال مجموعةٍ من الاتفاقيات مع وزارةِ التربيةِ في مطلع الثمانينيات؛ حيث عقدت المنظمة أول اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم في عام 1981م ثم طرأ تعديلٌ عليها في عام 1986م؛ وذلك من أجل تمديد المشروع إلى عام 1991م وكان مشروع الوكالة من عام 81 إلى عام 91 يستهدف تغييرَ التعليمِ المصري في مرحلةِ التعليم الأساسي إلى النموذجِ الأمريكي، وقد وضح ذلك في المادةِ 35 من بروتوكول التعاون، وذلك مقابل منحة أمريكية تُقدَّر بـ190 مليون دولار، وقد حرصت الوكالة منذ مطلع التسعينيات حتى بداية القرن الحادِي والعشرين على إيجادِ مشروعاتٍ تربوية وتعليمية تستطيع من خلالها التأثير السريع في التعليم المصري من أجل تغيير مساره إلى المسارِ الذي تخطط له أمريكا؛ وذلك ما حدث بالفعل في عهدِ الوزير الأسبق حسين كامل بهاء الدين والذي في عهده شهدت وزارة التربية والتعليم انفتاحًا كبيرًا على المشروعاتِ الأمريكية التعليمية، فقد ظهرت على يديه ثلاث مؤسسات تعليمية استطاع الأمريكان من خلالها تنفيذَ مخططاتهم في اختراق التعليم المصري، وهي مركز تطوبر المناهج، ومركز التخطيط التربوي، ومؤسسة الأبنية التعليمية، وقد كان لهذه المؤسساتِ الثلاثةِ مفعول السحر في تحويل دفة التعليم المصري نحو التعليم الأمريكي.

 

المركز المشبوه

وقد قام مركز تطوير المناهج بلعب دور خطير في تغيير المناهج المصرية لتحتذي بالمناهج الأمريكية خاصةً بعد اعتماده بصورة كاملة على الخبراء الأمريكان، والذين وصل عددهم في بعض الأحيان إلى 350 خبيرًا في مختلفِ المواد منها التاريخ واللغة العربية والتربية الدينية!!

 

وقد أسهمت وكالة التنمية الأمريكية في تمويل هذا المركز بنسبة 85% مقابل 15% من التمويل المصري في أول الأمر ثم ازداد تمويلُ الجانب المصري إلى20%، ومن خلال ذلك أصبحت وزارة التربية والتعليم مُنفِّذةً للمخططات الأمريكية، وذلك في مقابل التمويل الأمريكي، وقد قام المركز بتجفيف منابع التديُّن في المناهج المصرية وتدعيم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد اجتهدت رئيسة المركز الدكتورة كوثر كوجك في تنفيذِ المقترحاتِ الأمريكية؛ فقد قامت في الفترة ما بين 1992م، و2003م بأكبر عملية حذف للآياتِ التي تحث على الجهادِ وكل الآيات التي تتعرض لليهود، كما قام المركز من خلالِ التطوير المزعوم للمناهج بحذفِ معظم أحداث التاريخ الإسلامي.

 

فيما توسَّعت مناهج المرحلة الإعدادية والثانوية في دراسةِ التاريخ الأوروبي والثورات الغربية مثل الثورة الفرنسية، كما قام المركز من خلال الخبراء الأمريكان بزرع القيم الغربية في المناهج التعليمية خاصةً في المواد الفلسفية والعلوم الاجتماعية، كما تعمَّدت المناهج المطوَّرة تشويهَ صورةِ التَّحَشًّم والتديُّن ووصفها بالتخلف (كما هو موجودٌ حتى الآن في كثيرٍ من كتبِ الصفوف الأولى بالمرحلة الابتدائية) وقد دفع ذلك الكثيرَ من الباحثين والتربويين المصريين الوطنيين إلى التحذيرِ من (المركز المشبوه) الذي بسط نفوذَ الأمريكان على المناهجِ المصرية، فقد أكد الباحث سماح رافع محمد رئيس قسم التدريب بمركز البحوث التربوية المصري- من خلال تقريرٍ رفعه لوزير التعليم المصري في ذلك الوقت الدكتور حسين بهاء الدين- أنَّ التعليمَ المصري يتعرض لأكبر عملية سطو من جانب الخبراء الأمريكان، وذلك عن طريق مركز تطوير المناهج، وأكد في تقريره أنَّ التعليمَ فَقَدَ على يد هذا المركز المشبوه ثقافتَه وهويتَه الإسلامية والعربية، كما قام الدكتور أحمد حجي عميد كلية تربية حلوان والدكتور على إسماعيل الخبير التعليمي المعروف بخوضِ معركة ضد هذا المركز المشبوه، وكشفا مخططاتِه الأمريكيةَ، كما ندَّدا باستمراره عن طريقِ مجموعةٍ من الإصداراتِ التي فضحت هذه المخططات، ورغم ذلك ما زال هذا المركز المشبوه مستمرًا حتى الآن، وما زالت الولايات المتحدة تدعمه بكل الوسائل؛ من أجل مواصلة مسيرته في تخريب التعليم المصري، وذلك مقابل تدفق المنح على المركز.

 

الأبنية التعليمية والدور المشبوه

 لم يكن دور هيئةِ الأبنية التعليمية أقلَّ خطورةً من مركزِ تطوير المناهج؛ حيث تحكَّمت هذه الهيئة في الترخيص لإنشاءِ مدارسَ جديدةٍ، وبذلك تقلَّص دور الإدارةِ المصرية في ذلك، وقد فرضت هذه الهيئة شروطًا تعجيزيةً على المدارسِ الإسلامية، ومن هذه الشروط فرض توفير أربعة أمتار لكل تلميذ، في حين أنَّ هذه الشروط لا تشترطها على المدارس التابعة لها أو الحكومية، كما أنَّ هذه الهيئةَ أصبحت تفرض نماذجَ لمدارسَ تخلو من (المصليات) أو المساجد، وقد اعترف وزير التعليم الدكتور يسري الجمل بذلك في تصريحات صحفية خلال الشهر الماضي.

 

من الجدير بالذكر أنَّ المنحَ الأجنبيةَ ستسهم في إنشاءِ أكثر من ثلث المدارس التي من المفترض إنشاؤها ضمن البرنامج الانتخابي للرئيس، وستكون جميعها خاليةً من (المصليات)!!

 

الاختلاط شرط المنح

لم يقف دور المنح الأمريكية عند التلاعب بالمناهج؛ بل حاولت فرض الاختلاط على مدارس التعليم الأساسي؛ حيث اشترطت الوكالة الأمريكية في مِنَحِها لتحسين التعليم الأساسي تعميمَ الاختلاط، وخير دليل على ذلك الاتفاقية التي عقدتها وزارة التربية والتعليم مع الوكالةِ الأمريكية في يونيو 2003م؛ حيث فرضت هذه الاتفاقيةُ على الجانبِ المصري الاختلاطَ في مدارسِ التعليم الأساسي، وتدريس الموضوعات الصحية الحرجة (يُقصد بها تدريس الجنس)، كما اشترطت تدريس اللغة الإنجليزية من الصف الثاني، وكان الوزير بهاء الدين أمريكيًّا أكثر من الأمريكان حيث نفَّذ تدريس اللغة الإنجليزية من الصف الأول، ولكنه طالب هيئة المعونة الأمريكية بمنحه بعضَ الوقت لتنفيذ تدريس الموضوعات الجنسية مؤكدًا لهم أنَّ المجتمعَ المصري لن يقبلَ ذلك، وأنَّ الأمرَ يحتاج إلى التدرُّج.

 

اغتيال الطفولة المبكرة

لم تقف مخططات اختراق التعليم المصري وتغريبه عند مراحلِ التعليم الأساسي والثانوي؛ بل تعدَّى الأمر إلى مرحلةِ رياض الأطفال؛ حيث تبنَّت وزارة التربية والتعليم مع بدايةِ العام الحالي 2006م مشروعًا تعليميًّا وتربويًّا لمرحلةِ الطفولة المبكرة والمتمثِّلة في مرحلة رياض الأطفال واستهدفت منه استيعاب أكثر من 60% من الأطفال الذين هم في هذه المرحلة العمرية؛ حيث إنَّ المستوعبَ من هذه الشريحة العمرية حتى الآن لم يتجاوز 10% فقط، وقد رحَّب الجميعُ بهذا المشروع الطموح الذي سيُساعد في تجويدِ العمليةِ التعليمية، ولكن المنظمات الأجنبية التي تستهدف السيطرة الكاملة على التعليم المصري بكل مراحله لم تترك مجالاً لتطبيق هذا المشروع ومن أمثلتها الوكالة الكندية والأمريكية للتربية والبنك الدولي أن يمر هذا المشروع دون وضع أصابعهم فيه، حيث عرضت الجهات سالفة الذكر تمويل هذا المشروع مقابل المشاركة في تنفيذه من خلال أجندة خاصة بهم تستهدف غرس قيم وعادات تتماشى مع قيمهم وقد شارك البنك الدولي في تمويل المشروع بـ20 مليون دولار والوكالة الكندية والأمريكية للتربية بـ15مليون دولار، وكما شاركَ برنامج الغذاء العالمي بمبلغ 16 مليونًا ونصف المليون دولار وتأتي جهود هذه الدول المانحة في إطارِ تجفيفِ منابع التدين في المراحل التعليمية المختلفة بالدول العربية.

 

منتدى دافوس والتعليم المصري

وفي خطوةٍ جديدةٍ من خطواتِ تغريب التعليم المصري عقدت مصر بروتكول تعاون مع منتدى دافوس العالمي؛ وذلك من أجل تطوير التعليم المصري على النمط الغربي ومن خلال المنظومة التعليمية الغربية وما تتبناه من قيمٍ وأخلاقياتٍ، وقد أعلن كلاوس شواب- رئيس منتدى دافوس العالمي- أنَّ مشاركةَ السيدة سوزان مبارك في منتدى هذا العام تأتي للإعلان عن مبادرةِ شراكة بين المنتدى والحكومة المصرية تهدف إلى تطوير وتحديث نظام التعليم في مصر من خلال دعم الحكومة المصرية في مجال التعليم، وما زالت بنود البروتكول المتفق عليه يُحيطها التعتيم الإعلامي حتى الآن، وأكدت مصادرُ مطلعةٌ أنَّ هذه الاتفاقية ستفتح الأبواب على مصاريعها أمام الدول المشاركة في المنتدى؛ للتوغل في التعليم المصري والعبث في هويته الإسلاميةِ والعربيةِ؛ وذلك عن طريقِ علمنةِ التعليم المصري والتخلص من ازدواجية التعليم المصري ما بين ديني ومدني وستحصل الحكومة في المقابل على منحٍ مالية مغرية.

 

لماذا مصر؟

والسؤال الذي يفرض نفسَه على الجميع لماذا كل هذا الاهتمامِ الأمريكي باختراقِ التعليم المصري، وترد على هذا التساؤل الدكتورة كوديث كوكران الخبيرة التعليمية الأمريكية، حيث تؤكد أنَّ مصر هي (القائد) العربي للمنطقة وتصفها بأنها المخطط في الماضي والحاضر للسلوك الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية والإسلامية وأنَّ معظمَ الجامعاتِ العربية قامت على جهودٍ مصرية، وأشارت إلى أن أكثر من 30 ألف مدرس مصري يعملون في مختلف الجامعات العربية، كما أنَّ هناك أكثرَ من 50 ألف طالب يتلقون عِلمهم الأكاديمي في مصر؛ ولذلك ركَّزت الولايات المتحدة الأمريكية في جهودها على إغراق وإدماج التعليم المصري في التعليم الأمريكي.. فهل ينهض المسئولون عن التعليمِ من غفلتهم؟ وهل يقوم التربويون الوطنيون بدورهم في التصدي لهذه المخططات من جديد؟

 

الخبراء يرفضون المنح

وقد أجمع الخبراء على رفضهم المنحَ الأجنبيةَ؛ حيث يؤكد علي لبن- الخبير في شئون التعليم- عضو مجلس الشعب- أنَّ التعليمَ المصري لن يقوم برسالته الحقيقية إلا بعد أن يتخلص من قيودِ المنح الأجنبية التي بدأت منذ اتفاقيات السلام، كما أشار "لبن" إلى أن قرضًا أمريكيًّا أو غير أمريكي يُمنح للتعليم المصري يستهدف أجندةً تغريبيةً للمناهج وثقافة التعليم، ويكفي أن نعلم أن المعونةَ الأمريكيةَ اشترطت على وزارةِ التربية والتعليم تدريس الموضوعاتِ الجنسيةِ الحرجةِ في الصفوفِ الأولى من التعليم الأساسي؛ وذلك مقابل 30 مليون دولار.. فهل هان على حكومتنا أبناؤنا مقابل ملايين تشترط المعونة صرفَها عن طريقها وعلى أن تشتري منها الوسائلَ التعليمية ذات الصناعة الأمريكية.

 

ويضيف الدكتور عبد الغني عبود- الأستاذ بكلية التربية، جامعة عين شمس- أنَّ المنحَ الأجنبية أفسدت التعليمَ المصري، وأنها فرضت على أولادنا قيمَ الغرب، ويكفي أنَّ اتفاقيات التعاون مع الوكالةِ الأمريكية فرضت علينا تدريسَ اللغة الإنجليزية من الصفوفِ الأولى في التعليم المصري، بالرغمِ من أنَّ أمريكا نفسها لا تسمح بتدريس لغةٍ غير لغتها القومية إلا بعد سن الـ15 عامًا، ويقول في النهاية: إنَّ على وزيرِ التعليم المصري أن يتقي الله في أولادنا ويُخلصنا من رِقِّ المنحِ التي أغرقتنا في شباك الغزو الثقافي والفكري الغربي.