- صعود الإخوان ليس مشكلةً وهناك أصوات ترفض حوارنا معهم

- حساسية منصب البابا منعته من الاعتذار عن مسرحية الإسكندرية

- اتصالاتنا بأقباط المهجر محسوبة ونرفض الاستقواء بأمريكا

 

حوار: علي عبد العال

تزامن مع الفوز التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين بالانتخابات البرلمانية في مصر ظهور أصوات قبطية تحذِّر من الصعود السياسي للإسلاميين؛ باعتبارهم على حد زعمهم فئةً استئصاليةً لا قبول للآخر في أجندتهم.

 

قد تزعَّم هذا الموقف المفكر القبطي ميلاد حنا، الذي نَشر مقالاتٍ في هذا الشأن، ذهب فيها إلى أن الإخوان إذا حكموا مصر فإنه سيسودُ منهج "التقية"، وسيسود إسلام "ثقافي"- حسب وصفه- سيؤدي لأن يكون الأقباط مواطنين من مرتبةٍ ثانيةٍ أو ثالثةٍ، قال ذلك رغم اعترافه بأنه "لو كانت الانتخابات قد أجريت بنزاهةٍ وشفافية لفاز الإخوان بأغلبية المقاعد"، ورأى أنه "في اليوم الذي يفوز فيه الإخوان المسلمون بأكثر من 50% فإن الأقباط سيغادرون البلاد، وربما يغيِّر بعضهم دينه".

 

ورغم ما قاله حنا ونفخ فيه كثيرٌ من المتصيِّدين، إلا أن هناك في المقابل أصواتًا أخرى ترى خلاف ذلك، خاصةً أن الملف القبطي دخل منحنًى آخر بعد الحديث عن انتخابات المجلس الملِّي، ودعوة أقباط المهجر إلى تداوُل منصب الباباوية، وقضايا أخرى مثارة داخل الملف القبطي طرحناها على يوسف سيدهم- رئيس تحرير جريدة (وطني) لسان حال الأقباط في مصر- في لقاء لـ(إخوان أون لاين)، وإلى نص الحوار:

 

* نبدأ بالموضوع الأكثر جدلاً، وهو علاقتكم بالإخوان، خاصةً أن هناك لقاءاتٍ عديدةً جمعتكم بقيادات من الجماعة، فهل اختلف موقف الإخوان منكم بعد حصولهم على خُمس البرلمان؟

** أنا أعرف الإخوان من قبل الاجتماعات التي حدثت، وعلى علاقة جيدة بهم، ولي صداقاتٌ قويةٌ في صفوفهم، كالأستاذ محمد عبد القدوس والدكتور عصام العريان، وقد وجدنا أنه من الجدير بنا البحث في مناطق الاتفاق وتنحية الخلاف فيما بيننا، ووجدنا كذلك أنه ينبغي أن يشغلنا جميعًا البحث في كيفية تطوير مصر وتحديثها في ظل الظروف الراهنة، والحوار لا يزال متواصلاً بيننا وبين الإخوان، وهناك برنامج للعمل المشترك، وأنا شخصيًّا لديَّ قناعةٌ بأن أيَّ مخاطر قد تنشأ عن التواصل والحوار تتضاءل كثيرًا أمام نتائج العداء والقطيعة، ولا أرى هناك اختلافًا لدى الجماعة في ملف العلاقة معنا، سواءٌ قبل فوزهم بهذه النسبة أو بعدها!!

 

* ولكنَّ هناك كلامًا كثيرًا تردَّد عن وجود مخاوف لديكم كأقباط من الصعود السياسي للإخوان المسلمين!!

** أنا شخصيًّا لا توجد لديَّ أية مخاوف من الصعود السياسي للإخوان المسلمين، وأرى أن دخولَهم بقوة إلى البرلمان شيءٌ إيجابيٌّ، وليس لديَّ أي تحفظ على ذلك.

 

أما على المستوى العام للأقباط فالمخاوف لديهم أزليةٌ، ولم تَزِدْ أو تقلّ بصعود الإخوان في مجلس الشعب، وهذه المخاوف متعلقة بميراث المظالم التي تعرَّض لها الأقباط على خلفية تدين السياسة والمجتمع في مصر.

 

* باعتبارك أحد الأطراف الرئيسة في الحوار الذي دار مع الإخوان.. هل قوبلَتْ مساعيك هذه بأية معارضة من داخل الأقباط؟!

** لا بد أن تعرف أنني لا أمثِّل الأقباط ولا الكنيسة، ولا أحمل تفويضًا من أحد، وإنما أعمل وأتحدث على مسئوليتي الشخصية، وبصفتي مواطنًا مصريًّا، ومن خلال موقعي على رأس أسرة تحرير صحيفة (وطني).

 

* هل هذا معناه أن الأقباط ليسوا كتلةً واحدةً وأنهم مجتمعٌ تتنازعه آراءٌ واتجاهاتٌ؟

** الأقباط مثلهم مثل أي تجمع أو فئة في الوطن، فهم ليسوا وحدةً واحدةً، بل هناك أصواتٌ عديدةٌ تتنازعهم، إلا أن غالبية الأقباط ينتمون إلى رأي عام لديهم، يقول بفصل الدين عن الدولة في شئون الحكم والسياسة مثلاً، ورغم ذلك أيضًا أستطيع أن أقول إن هناك آراءً أخرى داخل الأقباط تصرِّح بأنها ستشعر بالاطمئنان في ظل الحكم بالشريعة الإسلامية في مصر، لكنني شخصيًّا أعتبرها آراءً شاذةً؛ لأن جموع الأقباط ترفع أجندة الدولة المدنية، وفصل الدين عن الدولة كأساس؛ حيث لا نرى أن يطبق على المواطن قوانين نابعة من خارج معتقده، وهذا هو الخلاف بيننا وبين الإخوان إن صح التعبير؛ حيث إنهم يجهرون بشعارات مثل (الإسلام هو الحل) و(الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع) في مصر.

 

* هل أنت بذلك تؤكد علمنة الأقباط؟

** الأقباط يتمنون فصل الدين عن الدولة، وقد عانوا كثيرًا من تدين الدولة، وأنا مثلاً علماني قلبًا وقالبًا بالمفهوم الصحيح، وأعني بالمفهوم الصحيح أن الشارع المصري يواجه معنى مغلوطًا يرى أن العلماني يعني المُلحد، ولكنني أعني بالعلماني فصل الدين عن الدولة، أما إيماني فهو موجود، وعلاقتي الروحية بالمؤسسة الدينية (الكنيسة) وطيدة، لكنني أفصلها عن علاقتي بالمجتمع.

 

* معنى ذلك أنك ترى حق المواطن في اعتقاد ما يشاء؟

** أراه حقًّا مطلقًا ويجب أن يكون مطلقًا.

 

* من فترة لأخرى تحدث مشكلات من الأقباط بدعوى الفتنة الطائفية، فهل هذا من الممكن أن يؤثر على شكل العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر؟!

** بالعكس أنا متفائل بوجود علاقة جيدة بين طرفي الأمة، بشرط أن يكون هناك سعيٌ جادٌّ نحو تفعيل التعايش المشترك، وتجاوزنا عدم الثقة الموجودة في القلوب، وأعتقد أن الخطوة الأولى في ذلك هي إلغاء خانة الديانة من جميع الأوراق الرسمية في مصر؛ حتى لا يحس الأقباط بأي تفرقة، وأتساءل إذا كانت الدولة رفعت الهوية الدينية من جواز السفر فلماذا لا تطبِّق الأمر نفسه في بطاقة الرقم القومي؟!

 

* فيما يتعلق بغياب الثقة.. ألا ترى أن رفض البابا شنودة الاعتذار على خلفية شريط الفيديو الذي ظهر في الإسكندرية فيه تزكية للصراع بين الجانبين؟!

** أنا شخصيًّا اعتذرت للمسلمين من خلال صحيفة (وطني)، أما البابا فكونه في منصب رسمي ديني ربما منعه ذلك من الاعتذار، وللمنصب حساباته التي عليه أن يراعيها، ويجب أن تتوافر معايير معينة تستوجب اعتذار شخصية كالبابا، ولقد صرَّح البابا بأن الكنيسة لا تقبل إيذاءَ مشاعر المسلمين وأن التحقيق في الأمر جارٍ.

 

إلا أنه يجب التنبيه إلى أن هناك مَن يذكي الصراع بين المسلمين والأقباط حتى يصل أحيانًا الخلاف إلى الاشتباك بالأيدي، وللأسف الثقافة المصرية عامةً تتمحور حول كيفية حسم الخلاف بدلاً من تنحية الخلاف جانبًا أو تجاهله والبحث عن مواطن الاتفاق، ولا يوجد في مصر تعايشٌ في ظل بقاء الاختلاف، وينبغي إزاء هذا الوضع أن ندعو إلى التعقُّل والحكمة.

 

* لكنَّ البعض يرى أن صحيفتكم (وطني) فئويةٌ وتساهم في إذكاء الصراع بين الأقباط والمسلمين!!

** أرى أن المطالبة بحقوق الأقباط والمواطنة في مصر ليست إذكاءً للصراع، ونحن لا نقع في حروب كلامية كالآخرين، وعندنا ضبطٌ للنفس، ولا نرحِّب بالرد على أية مواجهات، رغم أنه تأتيني رسائل كثيرة من الأقباط تلومني على عدم مواجهة ما يُنشَر في بعض الصحف عن الأقباط، فـ(وطني) لا تذكي الصراع وإنما تطالب بحقوق المواطنة للأقباط، ومن القضايا التي تشغلنا في (وطني) هي تفعيل وإحياء أنشطة العيش المشترك مع المسلمين.

 

* تردد مؤخرًا أن ثمةَ اتصالاً أو تنسيقًا بينكم وبين أقباط المهجر!!

** نعم هناك اتصالٌ مباشر بيننا لكن بشروط، وأنا دائمًا أقول (لهم) في كل مجال إنه لا حلَّ لمشاكل الأقباط في مصر إلا بالحوار مع المسلمين، وعلى مائدة الحوار الوطني بعيدًا عن أي استقواء بالخارج، وبغير أي تدخل من جانب الأمريكيين في ذلك.

 

* لكنَّ البعض يرى أن الأقباط حريصون على الاستقواء بالخارج من أجل إملاء شروطهم على المجتمع!!

** لا أنكر أن هناك بالفعل مَن يستقوي من الأقباط بالخارج، وأنا لا أنفي ذلك، لكنني شخصيًّا أرفض ذلك تمامًا، وعندما ذهبت إلى واشنطن أبلغتُهم وجهة نظري، ورفضت التوقيع على وثيقتهم في المهجر؛ لأنه تم تغليفها بالاستقواء بالخارج.

 

* ألا يُعدُّ هذا داعيًا إلى أن يرى المسلمون أن للأقباط أجندةً كنسيةً يسعون لتحقيقها في مصر؟!

** طبعًا هذا غير صحيح، وإلا فكيف لـ10% من السكان أن يطبقوا أجندةً دينيةً على الأغلبية في البلاد؟!

 

* ألا ترى أن هذه الأجندة لها أدبيات موجودة لدى فئات قبطية؟!

** قد يكون هناك بعض الموتورين في الداخل أو في الخارج يصرِّحون بمسميات من عندهم، مثل "حكومة المنفى"، وهؤلاء منهم من زعم أنه أرسل رسالةً إلى شارون يطالبه فيها باحتلال مصر واستنقاذ الأقباط منها، لكن إذا كان هؤلاء موجودين بالفعل فلا ينبغي أن نحاسب جموع الأقباط على هذا الكلام الصادر عن فئة موتورة كما قلت.

 

* هناك من يري أيضًا أن الأقباط يستغلُّون ضعفَ النظام الحالي لفرض مزيدٍ من المطالب الفئوية!!

** أعتقد أن العكس صحيح؛ لأن ضعف النظام مثَّل مشكلةً كبرى أمام الأقباط؛ لأن هذا الضعف هو أحد الأسباب التي ساهمت في تعطيل الإقرار بحقوقهم في المواطنة، والدليل على ذلك الفرق بين حرية بناء المساجد في مصر والعقبات التي تعرقل الكنائس فيها.

 

وحتى القرار الذي أصدره الرئيس مبارك بتفويض المحافظين في إصدار قرارات بناء الكنائس ما هو إلا مجرد خطوة للأمام؛ حيث لا يزال بناء أي كنيسة يُشترط فيه موافقة الجهات الأمنية، ونحن نرى أن المساواة بيننا وبين المسلمين منعدمة في هذا الأمر.