بقلم: د. سحر محمد

خطبها منذ عدة أشهر، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت المشاكل فيما بينهما، والغوص في تفاصيل المشاكل الحادثة بينهما يوضِّح مدى الخلل الحادث في فهمهما لطبيعة العلاقة بين الزوجين، كما يوضح غياب النضج وافتقاد المهارات اللازمة لإدارة علاقة زوجية مستقرة.

 

في الحلقات السابقة من هذه السلسلة اتفقنا على أن الخلل الحادث في بيوتنا بحجمه الحالي يهدد حياتنا ومجتمعاتنا ويعصف باستقرارنا الفردي والجماعي، كما اتفقنا على أن التغيير ممكن وِفْقَ سنن الله الضابطة لهذا الكون، وأن بداية تغيير السلوكيات والممارسات تكون بتغيير الأفكار الكامنة خلفَ هذه السلوكيات والممارسات، وبما أن الوقاية دائمًا خيرٌ من العلاج، وبما أن البناء على أساس سليم منذ البداية خيرٌ من الترميم والتصليح وخيرٌ من الهدم ورفع الأنقاض وإعادة البناء، فإننا نركِّز في هذا الملف على إعداد المقبلين للزواج ليتمكنوا من بناء علاقة زوجية على أسس سليمة.

 

وسنحاول أن نتناول هذا الأمر من خلال المحاور التالية:

* النضج الإنساني وكيفية تحقيقه وآليات قياسه: كلنا نحفظ حديث حبيبنا الرسول الكريم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، فالقدرة على الباءة شرطٌ لإتمام الزواج، فما هي القدرة على الباءة؟! وما هي مواصفاتها؟! وكيف يمكننا التأكد من توافر القدرة على الباءة في أنفسنا وفيمن نرتبط بهم؟! مع الأخذ في الاعتبار أن الباءة لا تعني فقط المقدرة المادية ولا تتعلق بالرجال فقط،.

 

ما نفهمه من حديث الرسول هو أن القدرة على الباءة تشمل فيما تشمل النضجَ الوجدانيَّ والعقليَّ والنفسيَّ، وتشمل اكتساب المهارات اللازمة لإدارة الحياة الأسرية في ظل الظروف والتحديات المختلفة.

 

وما يعنينا في هذا العمل هو أن نبحر معًا باحثين عن وسائل تمكننا من قياس النضج الإنساني بجوانبه المختلفة، وكذلك البحث عن السبل والوسائل التي تمكننا من اكتساب المهارات اللازمة لإدارة حياة أسرية مستقرة، ومن هذه المهارات الاتصال الفعَّال بين الزوجين، والتفاوض وحل المشكلات، وإدارة الخلافات والنزاعات والاختلافات، والتعامل مع متغيرات ومستجدات الحياة الزوجية، وكذلك التعرف على وتغيير الأفكار والممارسات التي تنخر في أساس العلاقة بين الزوجين.

 

* ضبط وإعادة التوازن لمنظومة القيم الإسلامية المنظِّمة للعلاقات داخل الأسرة، بما يناسب معطيات العصر ويتوافق مع فهمنا لروح ومقاصد التشريع الرباني الذي أراد للعلاقات الأسرية أن تتم تحت مظلة من المودة والرحمة بما يحقق السكن لأطراف العلاقة، ومن الضروري في هذا الصدد أن نوضِّح أن التشريع الإسلامي تشريعٌ منضبطٌ بقيمة "الوسطية" بلا إفراط أو تفريط ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُوْنُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة: 143).

     
والوسطية في الإسلام لا تعني إمساك العصا من الوسط، ولا تعني انعدام الموقف الواضح والمحدد أمام المشكلات؛ لأنها هي الموقف الأصعب، والوسطية الإسلامية تعني العدل؛ لهذا كان قوله- صلى الله عليه وسلم-: "الوسطية: العدل.. جعلناكم أمة