فرض النجاح الأسطوري للشعب في معركة اللجان الخاوية على مدار الأيام الثلاثة في الداخل والخارج ، نفسه على المشهد المصري الثوري ، وبعث برسائل  مهمة إلى جميع القوي الثورية والوطنية المخلصة ، وأفرز العديد من الدروس الملهمة.

لقد أظهرت التجربة الشعبية الناجحة قوة المقاطعة كأحد وسائل العصيان المدني في دحر الانقلاب ، في رسالة ذات دلالة قوية بأهمية الاهتمام الثوري بتجارب العصيان الجزئي المتصاعد كجهد موزاي للحشد في الميادين والشوراع  ، وصولا الي عصيان مدني شامل في مراحل ثورية متقدمة تستنفذ جميع الأسباب المنطقية للوصول الي هذه الحالة القاصمة.

كما قدمت التجربة وسيلة جديدة لتجميع الفرقاء عن بعد ودون اجتماعات تنسقية علي مطلب واحد خلف الشعب المصري الذكي الواعي ، وهو ما يطرح ضرورة تركيز كل القوي الثورية على حراك المطلب الثوري الواحد والاهتمام المكثف بحشد الشعب أكثر من الانشغال بحشد النخب ، والانخراط في معارك الشعب والتوقف عن جدليات الشاشات ، والنزول على مطالب الشارع .

وسلطت التجربة أيضا الضوء على دور حزب الكنبة المشهور بسلبيته ، الذي قاطع لاسباب متعددة أهمها -برأينا - الخوف من الدماء وشعوره العميق بأن مشاركته تفويض في اراقة مزيد من الدماء المصرية البرئية ، وهو ما يفرض أهمية الاهتمام بهذا الحزب الخامل من جميع الثوار وتخصيص رسائل خاصة به تعزز انضمامه للحراك الثوري.

لقد أسقطت معركة اللجان الخاوية كذلك جميع المحاولات المسمومة لشرعنة الانقلاب وخارطته الدموية ، وأكسبت قضية الشرعية الدستورية نقاط جديدة تعززها مشاهد الاصرار الشعبي الواسع والواضح على رفع صور الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي والهتاف للشرعية الدستورية في رسالة جديدة تواجه مناكفات بعض أبناء النخبة اليسارية والليبرالية المعارضة لمرسي الذين يصرون على تحويل الشرعية لفوبيا جديدة دون مبرر وهو ما يحتاج لمراجعات فكرية وثورية فورا .

وبرزت الحاجة ملحة للاصطفاف الثوري خلف الشعب الثائر بعد اصطفاف المقاطعة الملهم ، والغريب ان الجميع بمختلف الاتجاهات الرافضة للانقلاب – سواء داعمة للشرعية أو متحفظة عليها- استجاب لرسالة الشعب ودعا الي اصطفاف دون تقديم خارطة تفعيل بل لم يلتزم بعض المتحدثين بلم اللسان فسدد بقصد أو بدون قصد  طعنة لمحاولات لم الشمل، رغم أن لم الشمل لن يحدث قبل لم اللسان.

إن استنفاذ رصد الاسباب المادية في هذا المشهد لا يجب أن ينسينا قدرة مسبب الأسباب وناصر المظلومين وهو درس عميق يجب أن نتوقف عنده كثيراً  فالثورة ايمان بالله في النصر وايمان بالحق انه منتصر وايمان بأن الباطل لن يطول ومشهد المقاطعة برمته يكمن نجاحه في ارادة أعلى من البشر وأكبر من أي جهد وذلك غير بعيد عن هتاف الثوار بعد رحيل مبارك : الله وحده اسقط النظام.

إن فوز ثورة 25 يناير على الثورة المضادة في جولة اللجان الخاوية وسقوط السيسي المبكر ، يجب أن يترتب عليه قراءة واعية ووطنية من الجميع للمشهد ، وانتاج تحركات جديدة تتفق على رحيل الانقلاب وترك المستقبل للمبادرات المبدعة والحوارات المنتجة دون تجاهل للثوابت أو لصوت الشارع المقاوم فهو الجمعية العمومية للثورة وبها ولها الحراك.