تحقيق- مي محمود

زوجة أب عذبت ابن زوجها حتى فارق الحياة وأخرى تعامله كخادم في بيتها وثالثة تجعله ينام على البلاط.. هذه هي الصورة التي ترسمها وسائل الإعلام وأحاديث الجيران عن زوجةِ الأب التي لا يرون فيها إنسانًا بل وحشًا كاسرًا يمارس السادية ضد مَن يقع تحت يديه.

 

نماذج مشرفة

على الجانبِ الآخر هناك نماذج لزوجةِ الأب التي تراعي ضميرها وربها في معاملة أبناء زوجها مثل نعمات علي- زوجة أب- تعتبر أولاد زوجها مثل أولادها تمامًا، وهانم محمد فهمي تزوَّجت وكان لزوجها طفلة عمرها أشهر فاحتضنتها مثل ابنتها البكر، وهي ما زالت تحسن معاملتها وتقدمها على أولادها؛ حتى لا تشعر بفقد أمها إلى أن تزوجت.

 

وكذلك حالة نجاة مصطفى التي تزوَّجت ولدَى زوجها ستةُ أولاد، وحرصت على معاملتهم مثل أولادها، فهم ينادونها: "أمي"، ولا أحد منهم يشعر بأنها زوجة أبيهم.

 

أما صفية عبد الرحمن فقد تزوجت وعند زوجها ولدان، فكانت تعاملهما مثل أبنائها، وتقدمهما على أبنائها؛ حتى لا يشعرا بالتمييز.. والسؤال: أين الحقيقة في كل ذلك؟ هل زوجة الأب جانيةٌ أم مجني عليها؟

 

ثقافة خاطئة

تقول الدكتورة علية أبو دومة- مدرس الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس-: إن ثقافة أي مجتمع تلعب دورًا في تشكيل بعض الصور الذهنية والنماذج التي تغرسها في عقل أفرادها، فهم يتوارثون اجتماعيًّا ثقافةَ المجتمع، ويتشكَّلون بالصورة التي ترسمها لهم تنشئتهم الاجتماعية وثقافتهم، التي ساهمت في تكوين انطباعاتهم وتصوراتهم على بعض النماذج، ومن أبرزها زوجة الأب؛ حيث لعبت العادات والتراث الثقافي لمجتمعنا في تصويرها على أنها إنسانة شريرة، جاءت لخطف الأب، وتعذيب الأطفال وتشريدهم، وتشجيع الأب على معاملة أبنائه بالعنف؛ حتى يصل إلى حد كرهه لهم أو طردهم.

 

ومما لا شك فيه أنَّ هناك بعض المؤسسات والهيئات التي تلعب دورًا محوريًّا في تعزيز هذه الصورة؛ ولعلنا نتذكر العديد من الأفلام التي صوَّرت زوجة الأب وكأنها شيطانةٌ، وهناك بعض النماذج السيئة لأمهات يتميزن بالقسوة والعنف؛ وذلك يرجع إلى طبيعة الشخصية بأخلاقياتها الثقافية والدينية، سواء كانت زوجة الأب أو الأم.. قد تكون الزوجة إنسانة صالحة أو غير صالحة طبقًا لمحددات اختيار الزوج.

 

وسائل الإعلام

وتضيف الدكتورة إجلال إسماعيل- أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس- أنَّ التاريخَ أعطى صورةً سيئةً لزوجة الأب؛ لأن المشكلة عندنا أننا نعظِّم السَّيئ وفي المقابل لا نبرز النماذج الطيبة، وقد لعبت وسائل الإعلام، سواء المقروءة أو المرئية دورًا في التضخّيِم من هذه الصورة من خلال الدراما التليفزيونية وغيرها.

 

العرف والمعتقدات

أما الدكتور إلهامي عبد العزيز- أستاذ علم النفس بمعهد دراسات الطفولة- فيؤكد: أنَّ المجتمعَ يتقبل أن تقسوَ الأم على ابنها ولكنه يستنكر أن تقسوَ زوجة الأب على ابن زوجها، وكأنما ذلك نتاجٌ للمثل الشعبي (حبيبك يبلع لك الزلط)، فالأم حينما تضرب ابنها لا يستطيع الإنسان أن يذكر أنها لا تحبه؛ لأنها أمه، والكل يعلم أنه لو وُجد إنسان يحب هذا الطفل فسيكون هذه الأم.. لذلك يخجل المجتمع أن يُعاقب الأم عند الضرب، أما إذا كانت المرأة زوجة للأب حتى لو كانت درجة القسوة أقل من ضربِ الأم لابنها، فالأمر أشد وأبشع في حالة زوجة الأب؛ لأنَّ المجتمع يرفض هذ القسوة ويتعامل مع زوجة الأب كأنها نمرة متوحشة تريد أن تأكل هؤلاء الأطفال، وذلك ناتج من النظرة الأولية، ففي كل الأحوال ينظر إليها على أنها تقسو على الأبناء، وهذه نظرة المجتمع.

 

ولكن في الواقع هناك من النماذج التي أعطت لزوجة الأب الأم المثالية؛ حيث إنها الأم التي قامت بالتربية وليست التي ولدت، وفي هذه الحالةِ تُعامِل زوجة الأب أولاد زوجها كأنهم أولادها، وتدرك أنهم يحتاجون إلى الحب والحنان والتفاهم في إطارٍ من الحزمِ (الثواب والعقاب)، وهي ما تسمى بزوجة الأب الناضجة.. أما زوجة الأب التي تعامل أولاد زوجها كأنهم غرباء عنها وكأنها تجني من خلالهم كل الإحباطات التي واجهتها فهذه مرفوضة ومنبوذة وتعطي صورةً سلبيةً عمَّا تراه بمفهوم مرتبط بزوجة الأب، بالإضافةِ إلى المعتقد الشعبي الذي يقول إن (طفل من غير أم حالته تغم).

 

وفي هذه الحالة لا نستطيع إطلاق تعميمٍ عامًّ بأنه ليس كل زوجة أب سيئة، ولكن يرتبط ذلك بسمات وخصائص شخصية هذه الزوجة، منها دينها وإدراكها للموقف، وإدراك الأبناء لصورتها، وقدرة الأب على المواءمة على متطلبات الأبناء والزوجية؛ لأن هذه العلاقة بينها وبين أولاد زوجها ومدى تفاعلهم معها، كما أنَّ هناك العديدَ من المتغيرات التي لها تأثير في هذا الجانب إذا كانت تنجب أم لا.. بالإضافةِ إلى طبيعة شخصيتها إذا كانت على خلقٍ ودين تكون شخصيةً إيجابيةً قد يكون ذلك في صالح الأبناء وعكس ذلك تكون شخصيةً سلبيةً.

 

دور الإعلام السلبي

ويتفق الدكتور محيي الدين عبد الحليم- أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر- مع الرأي السابق؛ مؤكدًا أنَّ الإعلام عادةً ما يضخًِّم الأمر ويبالغ كثيرًا عندما يعرض مشاهد سلبية؛ لأن المفروض أن زوجة الأب أم بديلة، سواء الأم التي تُوفيت أو تلك التى انفصلت، فزوجة الأب في هذه الحالة تُمثِّل دور الأم، والذي يحكم أخلاقيات زوجة الأب وسلوكياتها مع الأبناء المنظومة الأخلاقية؛ لأنه لا يمكن أن تكون صالحة ومؤمنة تؤدي فرائض ربها، وتعامل أولاد زوجها معاملةً سيئةً، وقد شاهدنا نماذج كثيرة للأم البديلة التي نجحت في تربية الأبناء بدلاً من الأم الحقيقية؛ لأنها هي التي ربَّت ولكن للأسف الإعلام يُركِّز على النماذج السلبية؛ لأن فيه مذهبًا في الدراما يسمَّى الغرابة؛ لذلك يركزون على السلوكيات الغريبة حتى يلفت انتباه الناس؛ لذلك يقدم لنا صورةً غير حقيقية لزوجة الأب كنوعٍ من الغرابة في أنه صنفٌ شاذ، هدمت البيت وخطفت الرجل من أولاده.

 

شخصية غير سوية

وترى الدكتورة منى صبحي- الأستاذة بكلية التربية جامعة عين شمس- أن القصور في دور زوجة الأب يرجع إلى كون شخصيتها غير سوية؛ لأن الشخصية السوية بالفطرة تستطيع زوجة الأب أن تحل مكان الأم، أما النماذج السيئة لزوجة الأب التي تعذب الأطفال فهي في الغالب تعاني أمراضًا نفسيةً، بالإضافة إلى دور المجتمع في ذلك في نظرة زوجة الأب، وبالتالي لا يتقبلها الآخرون؛ لذلك حتى يتغير هذا الوضع لا بد من تغيير نظرة المجتمع لها ومعاملتها على أنها أم وليست زوجةَ أب فقط.

 

الوازع الديني

ويختتم الدكتور جاد مخلوف جاد- الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- التحقيق بقوله: إن المرأة التي تربت تربيةً إسلاميةً في بيت يسوده المناخ الإسلامي الواعي تستطيع أن تقوم بواجبها نحو الأطفال، سواء بنين أو بنات، سواء أمًّا أو زوجةً لأبيهم؛ لأنها تعلم علم اليقين أنها مسئولة أمام الله- عز وجل- فهي ترعاهم صحيًّا وتربويًّا.

 

وزوجة الأب التي تعلم أن لها ربًّا يراها تتعامل مع أولاد زوجها كما تتعامل مع أولادها، وذلك من منطلق إسلامي، فهي تنشئهم على الدين والخلق منذ نعومة أظفارهم، فيشب الأولاد على الخلق الفاضل والحياة الكريمة الطاهرة النظيفة، فالمرأة المؤمنة تكون ذات أثر فعَّال في تربية أولادها أو أولاد زوجها، وكم من زوجة لأب قامت بواجبها خير قيام نحو أولاد زوجها حتى إنَّ أولاد الزوج ينادونها بقولهم أمي؛ وذلك لحبها وعطفها وحنانها وسهرها على راحتهم.

 

وفي المقابل هناك أولاد مشرَّدون يعيشون بين أبويهم؛ لأن الأب مشغول عن الأولاد لسعيه في الحياة والأم تخلَّت عن واجبها نحوهم.