- الصداع بين الزوجة والابن والحماة

- على الأسرة توعية البنت بواجباتها تجاه حماتها

- يجب أن تُدرك زوجة اليوم أنها ستكون حَماةً في المستقبل

 

تحقيق- إيمان حسن

مشاكل عديدة ونزاعات لا تنتهي في كثيرٍ من البيوتِ بين زوجاتِ الأبناء والحموات وتعود في مجملها إلى عدمِ الخبرة بشئون الحياة والقدرة على استيعاب المسنين وغياب الوازع الديني، بل كثيرًا ما يقع الزوج في حيرةٍ ما بين إرضاء الزوجة أو إرضاء الأم وغالبًا ما تكون النهاية لصالح الزوجة؛ حيث يستطيع الزوج الضغط على العنصرِ الضعيف في المشكلةِ.

 

ونفتح هذا التحقيق لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء المشاكل التي لا تنتهي بين زوجات الأبناء والحموات، وأين الرحمة والرأفة التي وصَّى بها الله تعالى ووصى بها رسوله الكريم وقد قال الله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ (الإسراء: من الآية 23).

 

في إحدى دور المسنين اقتربتُ من سيدةٍ لم يتجاوز عمرها 70 خريفًا قسمات وجهها تُعطيها أعمارًا فوق عمرها، ويبدو أنَّ الأيامَ رسمت على ملامحِ وجهها ما فعلته بها!!

 

وفي كلماتٍ بسيطةٍ قالت: ابني يداوم على زيارتي مرةً كل أسبوع ومعه أولاده الصغار، أما زوجته فهي امرأةٌ قاسيةُ القلبِ متسلطةٌ، وكثيرًا ما كانت تحدث مشاكل بيني وبينها ويقف ابني عاجزًا فقررتُ الانسحابَ من حياةِ ابني لأنهي هذه الخلافات.

 

الحاجة إسعاد الصاوي (80 عامًا) في صوتٍ حزين قالت رغم إنني بحثتُ عن هذه العروس لابني إلا أنني لم أكن أرى إلا المظهرَ الخارجي فقط وبعد أن وافقت على أن تعيش معنا أنا وابني إلا أن معاملتها تغيرت تمامًا بعد الزواج، فكانت تُهمل في إعطائي الدواء، وكنت أقوم وأنا سيدة مريضة بتحضير الطعام؛ لأنها كانت تعمل وكان ابني لا يأتي إلا في وقتٍ متأخرٍ من الليلِ فطلبتُ من ابني أن أذهب إلى دارِ المسنين القريبة من منزلنا.

 

الوجه الآخر

أمل ممدوح- ربة منزل- كنتُ أسمع الكثيرَ عن حماتي أنها امرأةٌ قاسيةُ القلبِ سليطة اللسان، ولكني حاولتُ استيعابها لأني أحب زوجي فكنتُ أذهب إليها كثيرًا ومعي أولادي بالهدايا البسيطة، واتقيتُ الله فيها لأنها أم زوجي وتحملتُ الكثيرَ من تصرفاتها حتى أحبتني واعتبرتني مثل أبنائها تمامًا.

 

أما راوية محمد- موظفة- كنتُ أسمع الكثيرَ عن المشاكلِ التي تحدث بين الزوجات والحموات، ولكنني قررتُ أن أتعامل مع حماتي مثلما أتعامل مع أمي، فجمعتنا علاقةٌ من الحبِّ والود والرحمة فيما بيننا.

 

ونرصد بعض الحالات التي يهتز لها الرأس شيبًا عن مشاكل بين الحمواتِ وزوجات أبنائهن بجرائم بشعة، ومنها أمل الزوجة التي قضت على حماتها بسبب "فلوس الجمعية"؛ حيث قامت بإشعال النار في حماتها التي تجاوزت الستين من عمرها؛ وذلك بسبب الخلافات المستمرة بينهما، وأخيرًا سرقت الحماة مبلغ 200 جنيه من الزوجة، مما أثار حفيظة الزوجة وقامت بإشعال النار فيها.

 

وبنفس الوسيلة أنهت الزوجة حياة حماتها بسكبِ كميةٍ من الكيروسين وإشعال النار فيها لتنهي مشاكلها المستمرة معها وإن اختلف مكان الحادث.

 

وقام أب بتقديم بلاغ ضد زوجته وأولاده الثلاثة لأنهم قاموا بضربِ أمه وهي امرأة عجوز تجاوزت 80 عامًا؛ حيث أكد الجيران وسكان العمارة لرجال الأمن على الإهانة المستمرة التي توجهها الأم وأولادها لهذه السيدة المسنة انتهت بأن قاموا بضربها ضربًا مبرحًا أُصيبت الأم على أثره في يدها اليسرى بعاهةٍ مستديمةٍ وشللٍ في ذراعها.

 

الأم أولاً

الدكتورة زينب حسن- أستاذ أصول التربية بكلية البنات- ترى أنَّ الحماةَ عليها دورٌ كبيرٌ في كسبِ زوجة ابنها إلى صفِّها لأنَّ الكبيرَ هو الذي يحتضن الصغير ويحنو عليه، ومن ثَمَّ تُمارس أمومتها على زوجةِ الابن، وبالتالي عليها أن تُحسن معاملتها وتعتبرها فردًا جديدًا في الأسرةِ لتشعر البنتَ بهذا العطفِ والمودة، ومن ثَمَّ تشعر أنَّ حماتها هي أمها الثانية.

 

وعن دورِ الزوجِ تقول الدكتورة زينب: لا يجب أن يحتار الزوج كثيرًا في الاختيارِ بين زوجته وأمه؛ لأنَّ لا أحدَ ينافس الأم في حسنِ المعاشرة، وعندما سأل رجل النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- عن أحقِّ الناس بحسن صحابته فقال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أمك، ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"، وبالتالي فإنَّ أحقيةَ مصاحبة الابن لأمه جاءت على جميع الناس بمن فيهم الأب والأولاد والزوجة، وبالتالي يكون الزوج مُلامًا إذا تهاون مع زوجته على حسابِ أمه وإن فعل ذلك فيكون تقصير في التربية وتقصير من هذه الأم نفسها لأنها لم تُعلمه ما معنى الأمومة.

 

وتؤكد الدكتورة زينب على ضرورةِ توعية أم الزوجة لابنتها وتوضح لها أن حماتها مثل أمها تمامًا ويجب أن تُعاملها مثلها ولا تقتصر في هذا خاصةً أن هذا الجيل قد أخذته النعرات الكاذبة والكبرياء والزيف والتعالي على غيره دون احترام وتقدير لكبير السن.

 

الدراما والمجتمع

وتختلف الدكتورة سامية خضر- أستاذ علم الاجتماع مع الرأي السابق؛ حيث ترى أنَّ التقاربَ بين زوجةِ الابن والحماة يقع على عاتقِ الزوجة خاصةً مع خروجِ المرأة للعمل، ومن ثَمَّ احتياجها الشديد للحماةِ، ولهذا تشير إلى وجود ثمة ألفة وحب الآن مع بعض النماذج.

 

وتقول الدكتورة سامية: إنَّ الدراما لعبت دورًا كبيرًا لصالحِ الصراعِ بين الزوجةِ والحماة، ولهذا يجب أن تتغيرَ هذه الصورة التي رسمتها الدراما وأيضًا يجب أن يلعب المجتمع دوره في هذا للإعلاءِ من شأنِ الأم والحماة واعتبارهما في منزلةٍ ومعزةٍ واحدة.

 

وفي نفس الوقت الذي تتعامل فيه الزوجة بقدرٍ من الذكاءِ مع حماتها واستيعابها؛ لأنها تدرك أنها ستشرب من نفس الكأس، ولكن من جانبِ آخر يجب ألا تتدخل الأمهات في حياةِ أبنائهن الخاصة بل ينأون بأنفسهم عن المشاكل حتى لا تزداد الخلافات ومن ثَمَّ يزداد العداء.

 

التربية الإسلامية

ومن أهم الأسباب التي أدَّت إلى وجود مثل هذه المشاكل بين الحماةِ وزوجةِ الابن في رأي الدكتور صلاح الدين زيدان- أستاذ الفقه بكلية الشريعة- ابتعاد الفتاة عن التربيةِ الإسلامية الصحيحةِ سواء في البيتِ أو المدرسةِ أو الجامعة وفقًا لشرع الله، موضحًا ضرورة أن تعامل الزوجة حماتها معاملة حسنة، وبكل احترامٍ وتقديرٍ ورحمةٍ فهي الأم التي أنجبت زوجها، وبالتالي يجب ألا تقابل الإحسان بالإساءة وإن فعلت فالحسابُ عند الله شديد.

 

ويضيف الدكتور صلاح أنَّ الابن مأمورٌ بالإحسانِ لأمه لدرجة التذلل في طلبِ الرحمةِ؛ لأنَّ المعروفَ الذي قدَّمته الأم لهذا الابن لا يُردُّ.

 

ومن جانب آخر فإنَّ الزوجةَ العاقلةَ هي التي تُقيم قدرًا لمراقبةِ الله وتنظر إلى المستقبل الذي يأتي فيه اليوم وتُصبح في موقفِ حماتها، وبالتالي يجب أن تعامل حماتها برقةٍ تتناسب مع سنِّها الكبير.