كانت نُظم التعليم في مصر بل ومناهجه، قد وضعها برمتها، أو أسهم فيها إسهامًا كبيرًا أعداء الأمة الإسلامية من المستعمرين الإنجليز وغيرهم كالفرنسيين، تارةً بما كتبه باحثوهم في توجيه التعليم ونظمه في العالم الإسلامي، وتارةً بواسطة ما افتتحوه من مدارس ومعاهد في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وتارة بما لقنوه لبعض المسلمين ممن ذهبوا للدراسات العليا في بلاد الغرب، وعلى ذلك حَمَلَ الإخوانُ المسلمون على عاتقهم مسئوليةَ إصلاح العملية التعليمية لما تُمثله من عمودٍ فقري في بناءِ الأمة.

 

أولاً: جهود الإخوان المسلمين في مجال إصلاح التعليم:

- العمل على إصلاح التعليم الديني في المدارس:

 

 

في مجالِ المطالبة بإصلاح التعليم الديني في المدارس قام الإخوان المسلمون بجهودٍ مختلفة بهدف جعل التعليم الديني مادةً أساسيةً يتوقف عليها نجاح ورسوب الطلاب، وقد تمثلت جهود الإخوان في الآتي:

أ- قامت لجنة من الإخوان بإعداد تقرير مُفصل قدَّمته إلى وزير المعارف وأعضاء لجنة المناهج بينت فيه قيمة مناهج التعليم في حياة الأمة والأدوار التي تقلبت فيها المناهج المصرية، بينت حرمان المدارس من التعليم الديني وأثره على المجتمع والأشخاص، ثم قامت برد الشبهات التي يظن البعض أنها تَحُولُ دون دراسة الدين في المدارس. (جريدة الإخوان الأسبوعية- سنة 3- عدد  7).

ب- أقنع الأستاذ البنا زملاءه من المدرسين بقضيةِ إصلاح التعليم الديني في المدارس، وقام هؤلاء المدرسون برفع مذكرةٍ إلى وزيرِ المعارف يطالبون فيها بإصلاح التعليم الديني. (جريدة الإخوان  الأسبوعية- سنة 3- عدد  11).

 

ج- وقام الإخوان بتشكيل وفد من أعيان البلاد، قام بمقابلة كل من سمو الأمير عمر طوسون ومعالي كبير الأمناء ودولة رئيس الوزراء ودولة رئيس الوفد المصرى وفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر وسعادة وزير المعارف وعرضوا عليهم مطالبهم في إصلاح التعليم الديني في المدارس ورفعوا إلى حضراتهم عريضة بمطالبهم. (جريدة الإخوان  الأسبوعية- سنة 3- عدد  22).

 

د- تكريم النواب المطالبين بإصلاح التعليم الديني:

وبعد ذلك تقدمت لجنة المعارف مجلس النواب بتقرير تناصر فيه فكرة جعل الدين مادة أساسية، فرأى الإخوان توريطها وتوريط النواب والشيوخ في هذا الشأن، ووجهوا إليهم الدعوة لحفل تكريمي جامع.

هـ- حملة برقيات لتأييد قانون جعل الدين الإسلامي مادة أساسية بالمدارس:

"وأرسلت شعب الإخوان المسلمين برقيات إلى كُلٍّ من رفعة رئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الشيوخ والنواب مؤيدين مشروع القانون بجعل الدين الإسلامي مادة أساسية في المدارس". (مجلة النذير- سنة 2- عدد 22).

 

- وكان من نتاج تلك الأعمال والجهود المتتالية أن قامت وزارة المعارف بتعديل برنامج التعليم الديني في المكاتب العامة والمدارس الأولية. (جريدة الإخوان الأسبوعية- سنة 5- عدد 1).

 

- المطالبة بإصلاح التعليم الأزهري (1935):

قام الإمام البنا بتقديم مذكرة رفعها إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر حول إصلاح التعليم الأزهري، وأعقبها بمذكرة تفسيرية تُوضح الاقتراحات الإدارية والفنية التي قدَّمها في مذكرته. (جريدة الإخوان الأسبوعية- سنة 3- عدد 13).

 

- إصدار دراسة حول السياسة العامة للتربية والتعليم عام 1953م:

أصدر فرع المعلمين بقسم المهن بالمركز العام للإخوان المسلمين كتيبًا عن السياسة العامة للتربية والتعليم عالج الفرع فيه الأهداف الأساسية للتربية والتعليم والمبادئ العامة في نظم التربية والتعليم، وتنظيم مراحل التعليم والمناهج ونظم الامتحانات وإعداد المعلم الصالح وإزالة المركزية، وقد وعد الفرع بتقديم المناهج المفصلة لهذه السياسة العامة". (مجلة الدعوة- عدد 110).

 

- تكوين لجان فنية للمناهج عام 1953م:

"تكونت بقسم المعلمين بالمركز العام لجان فنية للمناهج الآتية:

اللغة العربية - التاريخ- دراسة المجتمع المصري- علم الاجتماع وعلوم الفلسفة النشاط الرياضي- النشاط المدرسي ". (مجلة الدعوة- عدد 135).

 

ثانيًا: الجهود العملية للإخوان في التعليم ومحو الأمية:

1- جهود الإخوان المسلمين لمحو الأمية:

 

- إنشاء المدارس الليلية لمحو الأمية في جميع شعب الإخوان:

أقام الإخوان في كل شعبة مدرسة ليلية هدفها الأساسي محو الأمية الدينية والتعليمية؛ حيث تتجمع الفئات المختلفة من العمال والفلاحين في تلك المدارس الليلية، وكانت أول مدرسة في ذلك السبيل هي مدرسة التهذيب التي أقامها الإمام الشهيد في الإسماعيلية، وقد أُقيمت مدارس ليلية؛ لتعليم الكبار في أغلب شُعب الإخوان في فترة الثلاثينيات، كان منها شعب أبو صوير والسويس وميت مرجا سلسيل والمنزلة بالدقهلية وشبراخيت والمحمودية بالبحيرة والمنصورة والمرج، وتبعتهم في أوائل الأربعينيات شعب كوم النور  ودمنهور وطنطا ومليج وفرشوط وششتا ورأس غارب وغيرها، وتتابعت حتى شملت كل شعب الإخوان  في أنحاء البلاد.

 

- الإخوان ومشروع محاربة الأمية بطريقة المعلم الجوال (1941):

"قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين الأخذ بهذا المشروع واعتماد تنفيذه ابتداءً من أول إجازة هذا العام الصيفية، وهذه كلمة موجزة عن المشروع:

 

الغاية من هذا المشروع: هي القضاء على الأمية بتجنيد أكبر عددٍ ممكن من الإخوانِ المسلمين؛ لتعليم أكبر عددٍ ممكن من الأميين القراءة والكتابة مع العمل على رفع مستواهم الروحي والثقافي.

 

أماكن التدريس: هي المحال العامة بمختلف أنواعها، ومن ذلك المساجد والمقاهي والمنتزهات والحدائق إلخ.

 

الطريقة العامة: يقصد المعلم ومعه مساعد له إلى المكان المختار ومعهما الأدوات اللازمة لتعليم عشرين شخصًا وهي عبارة عن سبورة خفيفة تُطوى وتُنشر وعشرين لوحًا من الأردواز وعشرين كتابًا من كتب المطالعة الأولية ثم يحصر المعلم الراغبين ويسجل أسماءهم في دفتر عنده ويحدد لهم الوقت والمكان ويتردد عليهم ثلاث مرات أسبوعيًّا على الأقل.

 

التكاليف: تشتري هذه الأدوات من مال شعب الإخوان المسلمين التي تباشر تنفيذ هذا المشروع ولا يُحصَّل شيء من المتعلمين أبدًا". (مجلة التعارف- عدد 13).

 

- الإخوان المسلمون وحملة لمحو الأمية عام 1943م:

"في منتصف هذا الشهر (يوليو) سيبدأ المتطوعون حملتهم لمحق الجهالة وتخريب أوكارها، وسوف يشددون الهجوم على مظاهر الأمية، حتى يقضى على هذا المرض الذي توطن أجيالاً طوالاً رغم أن الإسلام دين يستنكر الأمية ويجافيها"، ولعل الإخوان- بتوفيق الله- يستطيعون تحقيق هذه الأمنية ببرنامجهم الذي وضعوه والذي تألفت لتنفيذه لجنة عاملة سينضم إليها آلاف الشباب المتلهف على خدمةِ بلاده ورفع مستواها". (مجلة الإخوان  نصف الشهرية- عدد 19- يوليو 1943).

 

- الإخوان والتعاون مع وزارة الشئون الاجتماعية في مكافحة الأمية 1944م:

 

 

في شهر يونيه سنة 1944م وفي نشرة إدارية عامة وجهت من المركز العام إلى شعبِ الإخوان، جاء فيها: "نشطت وزارة الشئون الاجتماعية في الاستعدادِ لإنفاذ مشروع محاربة الأمية، وبعثت إلى المديريات والمراكز تطالبها بإحصاء عدد الأميين وعدد الأماكن الخالية وهكذا، ونظرًا لأن الإخوان  المسلمين هم أولى الناس بالمساهمة في هذا المشروع الجليل فإن المركز العام يود أن تحصر كل شعبة عدد الأميين من أعضائها وعدد مَن يمكنهم التطوع بصفة دائمة للقيام بمهمة التعليم، وبيان عدد الحجرات الصالحة في الدار لتكون فصولاً دراسية ليلية.

 

وفي نية المركز العام بعد هذا أن يعرض على وزارة الشئون استعداده لمعاونتها في هذه الخدمة الوطنية متى أرادت ذلك وسهلت له السبيل إليه".

 

- ونشرت جريدة الإخوان اليومية أن الإخوان قد جربوا في مدارسهم طريقة "وست" الإنجليزية في محو الأمية، وأشادوا بما حققته هذه الطريقة من نجاح". (مجلة الإخوان  نصف الشهرية- 10/11/1945).

 

- وزارة المعارف تستعين بالإخوان المسلمين في مكافحة الأمية 1946م:

"وحين وضعت الحكومة منهاجًا لمكافحة الأمية أثناء تولى العشماوي (باشا) وزارة المعارف سنة 1946م طلب من الإخوان أن يساعدوا الوزارة في تنفيذ خطتها اعترافًا منها بنفوذهم". (الإخوان والمجتمع المصري- محمد شوقي زكي- ص 195).

 

"وقد بعث محمد حسن العشماوي وزير المعارف عام 1946م خطابًا رسميًّا إلى الجماعةِ يسجل فيه تقبله لمعونة الجمعية ولجهازها التعليمي في تحقيق مشروع قامت به الحكومة آنذاك لمحاربة الأمية". (الإخوان المسلمون- ريتشارد ميتشيل- ص 450).

 

2- النشاط والخدمات التعليمية للإخوان المسلمين:

- إقامة المدارس الأولية والإبتدائية:

أقام الإخوان منذ فجر الدعوة المدارس الأولية للبنين والبنات؛ لتربية النشء وتعليمهم وتعريفهم بمبادئ دينهم ومن تلك المدارس:

 

معهد حراء: هو أول مدرسة بناها الإخوان المسلمون بالإسماعيلية، ثم أنشأ الإخوان مدرسة للفتيات سميت مدرسة أمهات المؤمنين، وكذلك في (شبراخيت) و(منشأة جويد) و(أبو صوير) و(المحمودية) و(المنزلة). (مجلة جريدة الإخوان- س 1- عدد 16- 1/11/1933).
وفي بداية الأربعينيات استمر إنشاء المدارس في مختلف شعب الإخوان على سبيل المثال: "مدرسة الإخوان  المسلمون بفاقوس"، وافتتح الإخوان بالإسماعيلية مدرستهم في موقع مناسب ومبنى صحي بميدان عباس ملك أبي السعود (روضة- ابتدائي- بنين وبنات)، واعتمدت مدرسة شعبة أبي كبير بوزارة المعارف العمومية". (مجلة الإخوان- نصف الشهرية- عدد 9، 12، 63).

 

- الإخوان وإنشاء شركات مساهمة لإنشاء المدارس 1946م:

وفي مايو سنة 1946م أنشأ الإخوان المسلمون  لجنة "تأسيس المدارس الابتدائية والثانوية للبنين والبنات" وأثمرت خطوات عملية فتأسست:

"شركة مساهمة غير محدودة بالقاهرة عام 1946م؛ للمساعدة في تمويل بناء المدارس، وكان رأس المال المقدر وهو 8000 جنيه (2000 سهم قيمة كل منها 4 جنيهات).
كما أنشئت شركة شبيهة بالإسكندريةِ عام 1948م برأس مال قدره 4000 جنيه، وكان هدفها إنشاء مدارس تقدم لطلبتها البرنامج الموضوع من وزارة المعارف مضافًا إليه التوجيهات الإسلامية التي حرمتها المدارس المدنية الأخرى". (جريدة الإخوان- عدد خاص بمناسبة مرور عشرين عامًا).

 

وبدأ التنفيذ العملي بقوة في الإسكندرية: وبدئ بإنشاء روضة عمر الفاروق للأطفال ثم مدرسة أبي بكر الصديق الابتدائية ثم المدرسة المحمدية الثانوية.

 

- وبعد عودة الجماعة عام 1951م واستئناف نشاطها من جديد، حصر الباحث محمد شوقي زكي مؤسسات الإخوان التعليمية بالقاهرة عام 1951م فوجدها "إحدى وثلاثين مدرسة معظمها لرياض الأطفال ومدارس ليلية يؤمها 3500 طالب".

 

ثم ما لبثت أن زادت وتطورت كمًّا وكيفًا خلال الأعوام (1952- 1954م)، ومن نماذجها:
في شعبة العباسية: "المدرسة الخاصة للإخوان المسلمين: وبها قسم للحضانة وقسم لرياض الأطفال وقسم ابتدائي للبنات، وبالمدرسة نحو 1000 طفل من الجنسين بأقسامها الثلاثة".
مدرسة البنين الخاصة: "وهي على مقربة من المدرسة الأولى وبها نحو مائتي تلميذ.. ولها ناظر مستقل".

 

الدراسات الليلية: افتتح إخوان العباسية المعهد الليلي ويعد تلاميذه لنيل شهادات الدراسة الابتدائية والإعدادية والثقافة والتوجيهية، وبالمعهد معمل للطبيعة والكيمياء كامل المعدات.. ويعتبر هذا المعهد أكبر معاهد القاهرة على الإطلاق، ويضم أكثر من خمسمائة طالب ويمنح المجانية للفقراء والمتفوقين.. وكانت نتائجه في الامتحانات العامة في السنة الماضية أولى النتائج في منطقة القاهرة الشمالية". (مجلة الدعوة- عدد 144).

 

وكذلك تطورت المدارس في شعب الأقاليم ومن نماذجها:

في شعبة طنطا: المعهد الإسلامي للدراسات الليلية: "وفيه رياض الأطفال وقسم ابتدائي ثم القسم الثانوي وقد اتجهت نية المسئولين بالمعهد لفتح معهد تجاري وآخر صناعي.

 

وتقدَّم للابتدائية حوالي مائة طالب والثقافة حوالي 35 والتوجيهية 18، وبالمعهد قسم خاص بالبنات، ويقوم على المعهد حوالي 35 مدرسًا في كافة الأقسام". (مجلة الدعوة- عدد 78).