الحمد لله نستعينه ونستهديه، ونتوب إليه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه وسار على سنته إلى يوم الدين أما بعد..

 

فقد احتفل المسلمون بالأمس بمولد النبي- صلى الله عليه وسلم-، وخطب الخطباء، وشعر الشعراء، تجمع المسلمون في المساجد، وهذا خير، وهذا فضلٌ من الله عزَّ وجل، أن يحب المسلمون نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، وأن يحتفلوا بذكرى مولده، وأن يعددوا مناقبه- صلى الله عليه وسلم-، وما جاء به من الخير، لكن الوقوف عند هذا الحد، الوقوف عند حدِّ كلمة الخطباء وشعر الشعراء ومجرَّد الحب هذا لا يكفي، فالإسلام دين العمل، دين التطبيق والتنفيذ، دين الالتزام، دين الاتباع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ (آل عمران: من الآية 31) لدرجة الاتباع ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: 3) والنبي- صلى الله عليه وسلم- جاءنا بمنح، جاءنا بفضائل، جاءنا بما يمددنا، وهو ما يجب أن نهتم به، فقربنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمقدار تطبيقنا لهذا المنهج ولهذا الدين والتزامنا بهذا الدين يكون القرب من الله عز وجل، وبمقدار التهاون في هذا المنهج، وفي هذا الدين، يكون البُعد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

 

من الأشياء التي جاءنا بها وهي كثيرة، أول فضل جاءنا به المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وللبشرية جميعًا هو العقيدة الصافية السهلة السمحة التي لها رصيد في داخل كل نفس، وهي فطرة الله- عز وجل- فعقيدة لا إله إلا الله، وعقيدة التوحيد، مركوزة في داخل كل إنسان ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ (الأعراف: من الآية 172) فهو العهد، الذي أخذه الله عز وجل على بني آدم جميعًا، ليكون حجةً عليهم يوم القيامة، ليكون حجة واضحة عليهم يوم القيامة، العقيدة السهلة الواضحة السمحة الصافية النقية، جاءنا بها المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، وكان الناسُ في حيرةٍ من أمرهم قبل هذه العقيدة، كانوا في ضياع، وكان التساؤل: من أين جئنا؟ وإلى أين المصير؟ وما دورنا على ظهرِ الأرض؟ ولماذا خُلقنا؟ فإذا بالإسلام يُجيب عن تساؤلات الإنسان.. لماذا جاء؟ ومن أين جاء؟ وما مصيره؟ وما غايته؟ وما مهمته على ظهر الأرض؟ قليلٌ من الناس فكَّروا فيما هم عليه قبل بعثته- صلى الله عليه وسلم-، مجرَّد التفكير، أحد العرب يقول: الشاة خلقها الله، والله هو الذي أنزل لها المطر من السماء، والله هو الذي أنبت لها العشب، ثم نذبحها على الأصنام! ما دخل الأصنام؟! الأصنام لم تخلق لم تنزل مطرًا لم تُنبت كلأً، يقول مستعجبًا ومستغربًا لما هم فيه، وهذا قبل البعثة، الشاة خلقها الله، وأنزل لها المطر من السماء وأنبت لها الكلأ الذي ترعاه، ثم نذبحها لغير الله، يتعجَّب من هذا السلوك، يتعجب من هذا الانحراف، ويتعجب من هذا الضلال، ويقول آخر وقد بدأ يفكر:

ليل دامس- أي مظلم- سماء ذات أبراج، نجوم تلمع، وكواكب تذهب، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير"، مجرَّد ما يفكر الإنسان ويعمل عقله ويتجرد، وكان أحدهم يجلس عند الكعبة، ويقول: "يا معشر قريش يا أهل مكة.. ما بقي أحد على دين إبراهيم غيري".

يأتي- صلى الله عليه وسلم- بما يُريح الإنسان، ويجعله يعرف مصيره، ودائمًا الرد القرآني على المنكر والمتشكك رد سهل، معجز، حين جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من منكري البعث، من منكري الحياة الآخرة، جمع عظامًا وفتتها وحولها إلى تراب، اسمه أُبي بن خلف، جاء للنبي- صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه، وهو يستهزأ ويسخر: يا محمد، أترى أنَّ ربك يبعث هذا؟ يبعث هذا التراب؟ قالها مستهزئًا، وساخرًا، ومنكرًا، ومتعجبًا، فنظر إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال له: "نعم، ويبعثك ويدخلك النار".. ونزل قول الله عز وجل في آخر سورةِ يس: ﴿فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (يس: 76) نحن نحيط بهم، هم في قبضتنا، لا تحزن لهذا الاستهزاء، ولهذا الاستنكار، أولم ير الإنسان، أولا ينظر الإنسان ويفكر ﴿أَوَ لَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ﴾ (يس: من الآية 77) نطفة ماء مهين، جاء منه إلى هذه الدنيا يبصر ويسمع ويتكلم أليس هذا دليل على قدرة الله ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ نسي من أين جاء؟ وكيف جاء؟ وبدأ يخاصم ويعاند ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً﴾ بالتراب الذي فتته ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ (يس: من الآية 78) نسي نفسه، نسي كيف جاء هو إلى هذه الدنيا ﴿قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ والرد هنا سهل، لا يستطيع أحد أن يتكلم فيه معجز ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ الذي أوجدها أول مرة، من يبني مثل هذا المسجد، الذي بناه؟ سهل، مَن يصنع هذا الباب، الذي صنعه قبل ذلك، ويُصبح أيسر عليه ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ ثم أتى بآية ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا﴾ (يس: من الآية 80) فيه نوع من الأشجار تبقى خضراء، الفرع أخضر، تمسك فرعين وتحكهما في بعض، أخضر يعني ماء، يعني لو عُصِرَ يخرج منه ماء، لكن قدرة الله عز وجل إذا احتك هذا الفرع بالآخر، يخرج منه نار، وهي ضد، ضد هذا الأخضر، وضد ما فيه من ماء، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ ثم بعد الدليل المحسوس ينقلنا إلى الدليل الأكبر ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ﴾ (يس: من الآية 81) ثم تأتي المسألة يأتي الأمر ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (يس: الآيتان82، 83) العقيدة واضحة، سهلة، ليس فيها واحد زائد واحد يساوي ثلاثة، وليس فيها تحمل معاصي الناس، ليس فيها هذه الخرافات، عقيدة ربانية، تقول للناس ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ وتقول للناس ﴿وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ سهلة، ميسرة، ناصعة، نقية، تقتحم القلوب، وتلتقي مع الفطرة، فتنبت شجرة الإيمان، يقول- صلى الله عليه وسلم- "الإيمان بضع وسبعون شعبة" شجرة كاملة لها فروعها وأغصانها وأوراقها "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها- أشرفها أعظمها رأسها- لا إله إلا الله أدناها- أقلها- إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة منه" شجرة، البر فرع فيها، الصلاة فرع فيها، الزكاة فرع فيها، حب المسلمين فرع فيها، الاقتداء برسول الله فرع فيها، تلاوة القرآن فرع فيها، إيثار الجار فرع فيها، زيارة المريض فرع فيها، فروع، شجرة ضخمة، بضع وسبعون، بضع وسبعون فرعًا، بضع وسبعون غصنًا، كلها متدلية، بمقدارِ ما تلتزم من الإسلام، كلما التزمت بفريضة من فرائض الإسلام، نبت غصن، كلما جودته ازداد، كلما أحسنت في أدائه تقدَّم وأثمر وأينع، فإذا بكَ تعيش على ظهرِ الأرض يستظل الناس في خيرك ويسعد الناس بجوارك، وتُعطيهم وتظللهم وتحوطهم وترعاهم؛ لأنَّ الله عز وجل أمرك بهذا، ورسوله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

 

هذه هي أول فضل أجراه المولى- تبارك وتعالى- وهذه هي رسالة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الأولى: "يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتدين لكم بها العرب والعجم".
أما الأمر الثاني في بعثته- صلى الله عليه وسلم- ورسالته فهي الإنسانية الواحدة حين جاء الإسلام إلى الدنيا كان هذا ينتمي لقبيلته ولا يعرف غيرها ويُعادي الآخرين، وهذا ينتمي إلى قومه، وهذا ينتمي إلى لونه، وهذا ينتمي إلى جنسه، هذا يقول أنا مضري، والآخر يقول أنا قيسي- من قبيلة قيس- والثالث يقول أنا تميمي، والرابع يقول أنا كذا، وهكذا تفرَّق الناس وتحولوا، فجاء الإسلام ليقول لهم: لا.. يقف- صلى الله عليه وسلم- في أعظمِ موقفٍ ويقول: "أيها الناس، إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي فضلٍ على عجمي إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله اتقاكم" سقطت العصبية وسقط اللون، وسقطت القبيلة، وسقط القوم، كل هذه الأشياء ألغاها الإسلام، ليس منا مَن دعا إلى عصبية، وليس منا مَن قاتل على عصبية، وهكذا يُبعِد عن الإسلام مَن يتعلق بهذه الأشياء، ويُسمَع- صلى الله عليه وسلم- في جوفِ الليل وهو يدعو الله ويقول: "وأنا شهيدٌ أنَّ العبادَ كلهم إخوة" وهذا في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1).

 

يأتي الأمر الثالث من هداياه- صلى الله عليه وسلم- "كرامة الإنسان"، الإنسان قبل الإسلام لم تكن له كرامة ولا كان يعرفها، لم تكن له كرامة يعبد صنمًا هل هذا عنده كرامة‍؟! يعبد إلهًا من العجوة هل هذا عنده كرامة‍؟! يعبد ما شاء مما هو أقل من ذلك.. ذهبت كرامة الإنسان، وذهبت قيمته فإذا بالقرآن يُعلن ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ جميعًا ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70) كرامة الإنسان حي وميت في الإسلام، وفي بعض الملل الأخرى عندما يموت يحرقوه، أما الإسلام يغسله يكفنه ويعطره ويطيبه ويصلى عليه، ويجتمع المسلمون يدعون له ثم يحملونه ويضعونه في مكانٍ في تربةٍ طاهرةٍ، ويسألون الله له الثبات والاطمئنان والتثبت عند السؤال في القبر.. هذه كرامة الإنسان، كرمه الله حيًا وميتًا،لا يُعتدى عليه، لا يُسلب حريته، لا يطغى عليه، لا يُستعبد، والقرآن نادى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ ما يتعالى أحد على أحد ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 64).

 

أيها الإخوة المؤمنون، من فضائل المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، من الخيراتِ التي جاء بها وهي كثيرة لا تُحصى، نُشير إلى هذه الأمور، العقيدة الصافية الصالحة، الإخوة الإنسانية العامة، كرامة الإنسان بهذا الإسلام وتفضيله.

 

جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله يوم القيامة يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني. فيقول العبد: وكيف أعودك وأنت رب العالمين.. فيقول الله عزَّ وجل أما علمت أن عبدي فلان قد مرض أما لو عدته لوجدتني عنده- مدى فضله مدى قيمة الإنسان عند الله وهو في هذه الحالة المريضة، رحمة الله- عز وجل- حتى إنَّ من زاره يُغمر في هذه الرحمة- يا ابن آدم استطعمتك فلم تُطعمني فيقول العبد: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين. يقول: أما استطعمك عبدي فلان- طلب منك الطعام- أما لو أطعمته لوجدتُ ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني فيقول العبد يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين فيقول أما استسقاك عبدي فلان أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي".

 

أيها الإخوة المؤمنون، ما تقدمه من خيرٍ لا تعتقد أنه لفلان ولا لعلان.. إن المولى تبارك وتعالى يتلقاه ويتقبله منك قبل أن يصل إلى يدِ الآخرين، النفع الذي تقدمه للآخرين يُحسَب لك عند الله قبل أن يصل إلى أيدي الآخرين.. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56) اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد.
أيها الإخوة نتذاكر مع بعضٍ باستمرار، نتذاكر ما ينبغي أن نكون عليه، الأمور التي نتذاكرها وهي حقيقةً تدل على نوعٍ من التهاونِ في حقِّ أنفسنا، هو عدم التبكير يوم الجمعة إلى المسجد بالذات، والله- عز وجل- يقول ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾(آل عمران: من الآية 133) ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الجمعة: من الآية 9) هذه المسألة لا ينبغي أن تُأخذ على التهاون، إذا قال الله لي وسارع فمعنى ذلك أنه يجب عليَّ شرعًا تنفيذ هذا الأمر، سارع أقول نعم، علامة التنفيذ أن أستطيع أن أُصلي ركعتين على الأقلِ قبل أن يصعد الإمام إلى المنبر.. هذه الأشياء لا ينبغي أن نتهاون فيها، أو نأخذها على أنها أي شيء، هذه علاقة بالله، وصلة بالله، هذا أمر من الله- عز وجل- موجه لكل مسلم، ففي أي مكانٍ أنت فيه، تهتم بهذا الأمر، تهتم بالصلاة، وقلتُ لكم في مرة سابقة، دخل عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- المسجد في يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه، فأخذ يُكلم نفسه ويقول، "رابع أربعة، وما رابع أربعةٍ من الله ببعيد"، بعد الصلاة سألوه، سمعناك تقول كذا وكذا فقال لهم: لقد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "يكون الناس في قُربهم من الله يوم القيامة بمقدار رواحهم إلى المساجد" أي تبكيرهم إلى المساجد، فأول واحد في المسجد يبقى أقرب واحد إلى الله، والثاني يبقى في المرتبة الثانية وهكذا، وأنا وصلتُ اليوم كنت الرابع فأقول: والله لإن كنت يوم القيامة في المرتبة الرابعة من الله فأنا لستُ ببعيد.. رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد"، المسلم يوم الجمعة ينتظرها طوال الأسبوع، يتخفف مما لحقه طوال الأسبوع من تقصيرٍ أو من هفواتٍ أو من أخطاء أو من أشياء كثيرة هو ينتظر هذا اليوم، فيسارع لغسل الأسبوع، فقد ثبت في الحديث أن الجمعة إذا أُديت كاملةً قُبلت من صاحبها ثم كفَّرت عنه ما كان بين الجمعةِ والجمعة، وهذا معنى حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أُوصيكم بهذا ونتواصى بهذا، المسارعة إلى الخير باستمرار لأنَّ الله يقول ﴿وَسَارِعُوا﴾ وفي آيةٍ أخرى ﴿سَابِقُوا﴾ سابق وسارع بالنسبة لطاعة الله ولمرضاة الله.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم تقبل أعمالنا، اللهم تب علينا، عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90) اذكروا الله.

 

--------------

* من علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين