ما أكثر الأسباب الباعثة للإنسان على القلق والهم، فهو يقلق على الرزق، ويقلق من المرض، ويقلق من حصول البلاء أو توقع حصوله، ويقلق من ظلم المتجبرين، وغير ذلك من الأسباب، وقد كان السلف الصالح أبعد من القلق وأكثر اطمئنانا في حياتهم بسبب حسن توكلهم وفهمهم لكتاب الله.

 

لماذا لا يبالي عامر بين عبد قيس ما فاته من الدنيا؟

 

أخرج ابن أبي الدنيا عَنْ التابعي الجليل عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، قَالَ: «مَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ:

 

قَوْلُهُ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.

وَقَوْلُهُ: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾.

وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

 

وأخرج القاسم بن سلام عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، قَالَ: "أربَعُ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ إذَا قرأْتُهُنَّ مساءً لم أُبَالِ على ما أُمْسِي، وإذَا تَلَوْتُهُنَّ صباحًا لم أُبَالِ على ما أُصْبِحُ"، فذكر الثلاث السابقة وزاد: وقوله تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾".

 

الاستعانة بالصلاة على استمداد الرزق

أخرج عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الضِّيقِ فِي الرِّزْقِ أَمَرَ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾.

 

وأخرجه الطَّبَرَانِيّ وأبو نعيم والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيقُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ الْآيَةَ».

 

وأخرج مالك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾».

 

وأخرج أبو داود في الزهد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا فَرَأَى مِنْ دُنْيَاهُمْ طَرَفًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَدَخَلَ الدَّارَ، قَرَأَ ﴿ولَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ قَالَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ.

 

وأخرج أبو بكر الدينوري في المجالسة عن أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ أنه كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَامَ فِي اللَّيْلِ يُصَلِّي وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةٍ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ ثُمَّ يُنْشِدُ:

 

أَشْكُو إِلَيْكَ حَوَادِثًا أَقْلَقَتْنِي                      فَتَرَكَتْنِي مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ

مَنْ لِي سِوَاكَ يَكُونُ عِنْدَ شَدَائِدِي                إِنْ أَنْتَ لَمْ تَكْلأْ فَمَنْ يَكْلانِي

لَوْلا رَجَاؤُكَ وَالَّذِي عَوَّدْتَنِي                  مِنْ حُسْنِ صُنْعِكَ لاسْتَطَارَ جَنَانِي

 

عمر يعجب ممن لا يطلب الغنى في الزواج

في تفسير البغوي: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "عَجِبْتُ لِمَنِ ابْتَغَى الْغِنَى بِغَيْرِ النِّكَاحِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾".  

 

وأخرج عبد الرزاق عنه قَالَ: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ رَجُلٍ لَمْ يَلْتَمِسِ الْفَضْلَ فِي الْبَاهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾".