شركات عالمية كبرى توظف "هكرز" لمحاولة اختراق أنظمتها؛ لتتأكد من تحصينها أو نقاط ضعفها، وهذا- بالضبط- ما يتوافق مع فقه سنن الابتلاء في المصطلح الإسلامي، ويعبر عنه الأستاذ سيد قطب- رحمه الله- بقوله: (لا بد من فدية، لا بد من بلاء، لا بد من امتحان؛ لأن النصر الرخيص لا يبقى؛ لأن النصر السهل لا يعيش؛ لأن الدعوة الهينة يتبناها كل ضعيف، أما الدعوة العفية فلا يتبناها إلا الأقوياء ولا يقدر عليها إلا الأشداء).

 

ذلك أن من بين أخطر أدواء الدعوة هو قعود الأفراد عن الأدوار المنوطة بهم بالإيجابية المطلوبة، وانطلاقًا من استشعار الأمانة و تحمل المسؤولية دون الغفلة عن الظرف القاسي الذي تمر به دعوتنا؛ فقد بتنا في حاجة ماسة إلى التنبيه على أهمية الأداء التربوي داخل الصف بعدما عركتنا الأحداث، وأفرزت قيادة جديدة على المستويات التربوية والإدارية والتنفيذية، إضافةً إلى تهتك النسيج المجتمعي وشراسة الانقلاب.

 

ولا طاقة لي بالحديث في كل ذلك، ولكن أكتفي بالإشارة إلى الأسرة الإخوانية؛ إذ تُعد المحضن التربوي الأصيل عند الإخوان المسلمين، وهي الصيغة العبقرية التي وفق الله- جل ثناؤه- إليها الأستاذ البنا، وهي اللبنة الأولى في البناء، بل هي أساسه وعمدته ووقوده وطاقته.

 

وقد كان للظروف الحالية التي تمر بها الجماعة أثر ليس هينًا على انتظامها وتناول وجبتها التربوية كاملة وممارسة أنشطتها، إضافة إلى غياب كثير من الكوادر إما بالاستشهاد أو الاعتقال أو المطاردة.

 

ونظرًا لمهمة المربي الشاقة والصعبة والمعقدة ولأن الخطأ فيها يمتد دون وعي ويؤثر على منتجات أخرى؛ فإن واجبًا ملحًّا يقع على كل من النقيب والأفراد، أن يأخذ بعضهم بيد بعض في تلك المرحلة؛ إذ لكلٍ دوره في نجاحها والمردود التربوي الناتج عنها.

 

وأتوجه بالحديث إلى النقيب- خاصة- إذ هو حجر الزاوية في العملية التربوية؛ إذ يجب عليه:

-       أن يوازن بين جوانب أخيه المتربى الثلاث: القلب والعقل والجسم؛ كي لا يتضخم جانب على حساب الآخر، مع مراعاة التدرج والأناة.

-       أن يبذل الجهد المناسب للتعرف على نفوس إخوانه؛ حتى يحسن اختيار الوسائل المناسبة لتحقيق الأهداف التربوية وكذلك قياس مدى نجاحها، والمعايشة خير وسيلة لذلك.

-       التركيز على أهداف المرحلة التربوية التي يجتازها الأفراد وكذلك المرحلة التي تمر بها الدعوة؛ لغرسها في نفوسهم وتدعيمها بالممارسة الجماعية والفردية المستمرة مع المتابعة الجيدة والتقييم والتقويم.

-       أن يعالج القصور في المنهج الثقافي بأن يكثر من القراءة والاطلاع حتى يعلم ما هو بحاجة إليه لدعم الأهداف التربوية ومناقشة الأحداث الجارية.

-       ألا يحجب عنهم أي معلومة يحتاجها واقعهم بافتراضه الخيالي أنهم ليسوا على مستواها.

-       أن يتدارس معهم الواقع وتوقعاتهم للسيناريوهات القادمة وكيفية التعامل معها، ورفع الجيد منها إلى القيادة والثناء على مجهوداتهم.

-       غرس روح المبادرة والذاتية لدى الفرد؛ فالفرد الإيجابي هو صاحب مبادرة وهو الذي يتطلع إلى معالي الأمور ويكون صاحب مشروع وبالتالي ستكون له رؤية واضحة يسعى إلى تحقيقها ويتحرك من خلالها.

-       الاستفادة من طاقات الأفراد وتوظيفها واستثمارها في الأعمال المختلفة مع مراعاة الفروق الفردية.

-       علاج السلبيات أولاً بأول من خلال برنامج مناسب.

-       أن يغمرهم بالإيمانيات ولا ينسى أبدًا أن يبدأ اللقاء بالعاطفة الإيمانية وأن يتابع دائمًا حالهم مع الله.

-       إشاعة روح الأخوة فيما بينهم واستحضارها دائمًا والحفاظ على ورد الرابطة وذكر كل من تربطنا بهم رحم الدعوة وتلبية حقوق الأخوة العملية.

-       أن يبرع في دفع العناصر القوية لتحمل المهام في ذات الوقت الذي يأخذ بيد الضعيف منهم ليخطو خطوة بعد خطوة.

-       أن يتابعهم ميدانيًا؛ فلا معنى لعلم بارد لا يحرك صاحبه.

. أن يتعامل مع الخوف والجبن والبخل بحكمة؛ فهي وظيفته وإلا ما كانت التربية عصب الدعوات وشفاء الأمراض ومصنع الرجال الذين نجحوا في محضنها من الانتصار على نفوسهم أو على الأقل تحييدها فلا تقيدهم.

-       أن يربيهم على المتابعة الجيدة للأحداث و التحليل الجيد لها؛ لأن الأحداث متتابعة و في كل ساعة جديد، لذا يتعذر التواصل بعد كل حدث و كي لا ترتع الشبهات فترهق النفوس و العقول و تبطئ العمل.

-       التدريب على قوله تعالى ( خذوا حذركم فانفروا )؛ فنحن في حاجة ماسة لكل أخ و لن يفيد اعتقاله بلا داعٍ.

-       استنفار ملكات التفكير لإبداع الاحتجاج؛ لتدعيم العمل الميداني لمناهضة الانقلاب ورفع المناسب منها بعد تقييمها.

-       تفعيل آلية اتصال فعالة وآمنة لتلبية دعم الأعمال بأقصى سرعة.

-       نفخ روح الجهاد في نفوسهم و استحضار همة المجاهد وعمله ونماذجه.

ذلك التنويه حتى لا يصم الآذان ضجيج المعركة و لا يحجب غبارها الرؤية؛ و حتى لا يخبط المربي خبط عشواء في العملية التربوية فإذا وصل لأية نتيجة اعتبر أنه وصل إلى غاية المراد من العملية التربوية؛ و لأن من سنن الله في خلقه الأخذ بالأسباب و السعي و الحركة في المجالات التي من المفترض أنهم يتحركون فيها بعد إعدادهم تربويًا أو حركيًا، كلٌ حسب ما يسره الله له، وهذا يحتاج إلى الصبر والأناة و الاجتهاد والنفس الطويل حتى تبقى دعوتنا عفية.

ولا تنسوا قول المجاهد جمال الدين الأفغاني رحمه الله: (إن الأزمة تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق).