لم تكن حقوق الأقليات لتغيبَ عن عقول مفكرِّي جماعةِ الإخوان وفقهائِها، حيث حفلت رؤاهم بالعديد من المقولات والأفكار التي تبرهن على وسطية الإخوان، وقد تباينت الآراء ما بين التأصيل الشرعي والقانوني، وكلها تؤكد كامل حقوقهم؛ باعتبارهم جزءًا من الأمة الإسلامية المتعددة الأعراق والديانات واللغات.

 

ونحن إذ نقدم هذه الرؤى والأفكار نؤكد أنها قابلةٌ للتجديد نحو الأيسر بما يحقق النفع العام ومصالح الأمة، ومن ناحية أخرى فإن الاعتدال الذي صاحب الإخوان لم يأتِ من فراغ.

 

الشيخ الغزالي: الأقباط مسلمون سياسيًّا

 

 

 الشيخ الغزالي

يؤكد الشيخ الغزالي في أكثر من موضع من مؤلفاته أن الإسلام يعترف بالأديان السابقة عليه جميعًا، وخاصةً يهودية موسى ومسيحية عيسى عليهما السلام على عكس مَن سبقه، ومن ثم فإن الانكماش والتعصب ليسا من طبيعته، وإن الآيات التي وردت في القرآن الكريم تمنع اتخاذ المؤمنين لليهود أو النصارى أو الكافرين أولياء إنما وردت جميعًا (في المعتدين على الإسلام والمحاربين لأهله)؛ ونزلت لتطهير المجتمع الإسلامي من مؤامرات المنافقين الذين ساعدوا فريقًا معينًا من أهل الكتاب اشتبكوا مع الإسلام في قتال حياة أو موت، فاليهود والنصارى في هذه الآية يحاربون الإسلام فعلاً، وقد بلغوا في حربهم منزلةً من القوة جعلت ضعاف الإيمان يفكرون في التحبب إليهم.

 

ويرى أن عواطف المسلمين في تلك الفترة كانت تتجه إلى اليهود والنصارى لصلة القربى التي جمعتهم، وقد حمى نجاشي الحبشة النصراني المسلمين الفارين إليه من عسف قريش، كما تعاطف المسلمون مع نصارى الروم في حربهم ضد مجوس فارس، ولكن اليهود أبدوا الكراهية للمسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة وتحالف اليهود مع الوثنيين ضدهم، ومع ذلك فهو يقبل دعوة التآخي بين الأديان في نطاق وحدة تكون تعاونًا بين الأديان وليس فناءً فيها، على أساس أن ما يقدسه أتباع دين ما لا يُكرَه عليه أتباع دين آخر، وضمان المصلحة المعقولة لإشباع كل نزعة دينية لا يهدم حق الكثرة في إعلان سيادتها وتنفيذ برامجها.

 

فإذا كانت مصر تضم أكثر من  90% مسلمين فمن حقهم يقينًا في نطاق ما أسلفنا من قواعد أن يجعلوا الدولة في مصر لحمًا ودمًا، وإنه لمِمَّا يساعد في ذلك أن الإسلام يرى نفسه صدى الكتب الأولى وامتدادًا صحيحًا مشرقًا لتعاليم موسى وعيسى عليهما السلام.

 

إطار الأمة الواحدة

ويوضِّح العلاَّمة الكبير الغزالي أن النظام الإسلامي قد بلغ من المرونة أنِ اعتبرَ أهلَ الذمة جزءًا من الرعية الإسلامية مع احتفاظهم بعقيدتهم، ومن ثَمَّ عقد المعاهدات الخارجية ممثِّلاً فيها المسلمين والذميين كأمة متحدة، والواقع أن الإسلام ينظر إلى مَن عاهدهم من اليهود والنصارى على أنهم قد أصبحوا من الناحية السياسية أو الجنسية مسلمين، فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وإن بقوا من الناحية الشخصية على عقائدهم وعباداتهم وأحوالهم الخاصة، من ثم فهو يقيم نظُمَه الاجتماعية على أساس الاختلاط والمشاركة، ولا يرى حرجًا أن يشتغل مسلم عند أهل الكتاب، أو يشتغل أهل الكتاب عند مسلم، واستعمال اليهود والنصارى في الوظائف الكبيرة والصغيرة أمرٌ شائع في بلاد الإسلام إلى هذا العصر.
ويشير إلى أننا نستريح من صميم قلوبنا إلى قيام اتحاد بين الصليب والهلال، بيد أننا نريده تعاونًا بين المؤمنين بعيسى ومحمد لا بين الكافرين بالمسيحية والإسلام جميعًا، ويضيف: أما أننا مصريون فنحن لا ننكر وطننا ولا نجحده.

 

أما أن نقول إن شرط المصرية الصميمة الإسلام من المسلين فهذا منا نستغربه، أي غضاضة يا قوم في أن تكون الوطنية بين متدينين لا مُلحدين؟! ثم يؤكد: وقد أجمع فقهاءُ الإسلامِ على أن قاعدةَ المعاملةِ بين المسلمينَ ومسالميهم من اليهود والنصارى تقوم على مبدأ "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وإذا كان هذا المبدأ قد طُبِّق أحسن تطبيق في أقطار الإسلام فهو في مصر قد طُبِّق على نحو بالنسبة للأقباط.