بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

انطلقت أمتنا ثائرة ضد الاستبداد والقهر والفساد كما ثارت من قبل ضد الاستعمار، واستطاعت أن تطيح برؤوس الأنظمة العسكرية الفاسدة، وبدأت الشعوب تتنفس الصعداء وتحلم بالتغيير، وترسم الأماني والأحلام، وانطلقت في الطريق الصحيح تحافظ على الهوية وتعتز بالكرامة وتنشر الحرية وتمارس السيادة، فانتخبت من يحكمها واختارت الدستور الذي ينظم حياتها، وبدأت على طريق الديمقراطية الحقة، وانطلقت للأمام في كل مجالات الحياة، بيد أن ما قيد أقدامها في هذا المسير هو ذاك الإرث الثقيل من الفساد والديون المتراكمة التي خلفها نظام العسكر، ومحاولات الإفشال والتعويق التي مارستها أجهزة الدولة الفاسدة العميقة والسياسيون العملاء، ورجال الأعمال وإعلامهم الكذاب.


ورغم ذلك بدأت ثمار الثورة والنظام المدني الديمقراطي تظهر في شعب حر عزيز، وحكومة كريمة ترفض التبعية وتعتز بالاستقلال، وتعامل الحكومات الكبرى بندية، وتسعى للاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والسلاح، وتتطلع إلى برنامج صناعي كبير، وترسم مشروعات قومية عملاقة، وترفع مستوى الطبقات الفقيرة , وتكافح الفساد بكل أشكاله.
وصوَّر الغرب وأتباعه من دول المنطقة أن من الخطر السماح بنهضة تكون قاطرة للأمة، وبنموذج يجمع بين الإسلام والحرية والديمقراطية يجذب الشعوب إلى الاحتذاء به، فتزول أنظمة وتبدد مصالح وتطفو أمة أصيلة بحضارة إنسانية متكاملة على ظهر العالم.


المؤامرة على الربيع العربي لن توقفه:

حيكت المؤامرة، تبناها الغرب وحرض عليها، وشجعتها ومولتها الدول التابعة بالمنطقة، ووظفت فيها قوى الداخل الإعلامية والسياسية والقضائية والدينية الرسمية ورجال الأعمال والشرطة، وتولى كبرها قادة العسكر، فقاموا بانقلاب عسكري (في مصر) وخاضوا في دماء المصريين وأعراضهم وحرية شرفائهم وأحرارهم، واستولوا على الحكم، وانحرفوا عن الطريق المستقيم، وحاولوا القضاء على الإخوان المسلمين وأنصارهم دعاة الحرية والكرامة.


وتتبعوا ثورات الربيع العربي في محاولات لإسقاطها جميعاً، ففي تونس ضُخت الملايين لإحياء جماعات النظام القديم وإقامة جبهة مضادة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لمواجهة الإسلاميين الديمقراطيين وحلفائهم، ولم تتورع الثورة المضادة من العبث بأمن البلاد وتوظيف وسائل الاغتيال الدموي.


وفي ليبيا أيضاً ضُخت الملايين وشحنات الأسلحة، حيث جُمعت كتلٌ متفرقة على عجل من بقايا النظام القديم والضباط المغامرين والتكنوقراط الطموحين والقوى القبلية، بل تم القيام بقصف الثوار المسلحين بطائرات الإمارات العربية وبتسهيلات مصرية.


وفي اليمن تسعى دول خليجية إلى إعادة عجلة التغيير إلى الخلف حتى لا تتم ثورته، ولا يتورعون عن خلق المشكلات الضخمة التي لا تكاد تطيح باستقرار البلاد ووحدتها.
وفي فلسطين تجري محاولات حثيثة فلسطينية وإقليمية ودولية للالتفاف على النصر الذي حققته المقاومة الباسلة ولفرض الخنوع والاستسلام على الشعب المقاوم.


إضافة إلى عرقلة تقدم الثورة الشعبية في سوريا، وانتفاضة السنة في العراق، والظهور المفاجئ لحركات وتنظيمات غريبة لا تعرف الأمة كيف نشأت ولا من يدعمها، تزيد المنطقة اشتعالاً، والنزاعات الطائفية تأججاً والحروب استعاراً، وصناعة مايسمى الإرهاب، واتخاذ ذلك ذريعة للتدخل والتدمير.


كل هذه الصورة الدامية التي يراها الناظر للمنطقة تنبئ عن براكين تعتمل في داخلها، يرمي من ورائها الغرب إلى مزيد من التقسيم والتجزئة والفرقة والعداوة، ومن ثم إلى تأخير إفاقتها وتحررها وقيامها ونهضتها لعدة عقود أخرى من الزمن.


جيل الثورة لن يتراجع:

إن هذا الجيل من الشباب لن يسمح لنفسه أن يعيش في عالم من الهوان والذل والقهر والاستبداد والفساد، مثلما عاش الجيل أو الأجيال السابقة، وهو يدرك أن التغيير يبدأ بالإرادة الحرة والعزيمة القوية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ لذلك فهو مصر على أن ينتزع حقوقه وحرياته ويدفع ثمن ذلك من تضحيات ودماء؛ لينقذ نفسه وشعبه وأجياله ووطنه من قبضة الغاصبين في الداخل والخارج، وأن ينهض بدولته وأمته ليضعها على المستوى اللائق بها ويجدد العطاء الحضاري السلمي للعالم والبشرية جمعاء، وسيحقق أهدافه بإذن الله.


ففي تونس: فشلت الثورة المضادة، وحال الوعي الثوري والوحدة الوطنية دون تكرار ما جرى في مصر، ونسأل الله أن يحفظ تونس وأهلها من كيد الكائدين.

وفي ليبيا: انهزم العسكريون المغامرون المرتزقة وانكشفت أطراف المؤامرة الداخلية والإقليمية، وافتضح أمر الإمارات وحلفائها وأتباعها، وعاد رفاق الثورة للتوحد والتصدي للثورة المضادة، وهم بالغون غايتهم بإذن الله. 

وفي مصر: فالشعب يحاصر الانقلاب بحراكه الثوري المتنوع ليكسره بسلمية رائعة، وخصوصا بعد المآسي التي قاد الانقلاب الشعب إليها.

وفي فلسطين قلب العروبة وقضية الأمة الأولى: فإن انتصار المقاومة في غزة على أقوى جيوش المنطقة المدعومة بالقوى الاستعمارية الغربية وتحالف الأنظمة المتصهينة العربية التي خانت الله ورسوله والأخوة والعروبة والعدل والحرية، يدل على أن هذه الأمة لو استيقظت وتحررت ووضعت أقدامها على الطريق الصحيح وعملت بنفس الروح التي عمل بها المقاومون في غزة؛ لتفوقت تفوقاً عظيماً، ليس في مجال الإنتاج الحربي فقط، ولكن في كل مجالات الحياة، إضافة إلى المجال الحضاري الإنساني والنفسي والروحي الذي يمثله الإسلام الصحيح. 

وهذا ما سيحققه جيل الشباب بإذن الله.


فيا أبناء أمتنا انتبهوا للمخططات التي تدبر لكم، وخذوا بأيديكم حق اختيار أنظمتكم ووحدة دولكم وتشكيل وعي أمتكم، ولا تتركوا لأعداء الأمة وعملائهم أن يمزقوها وأن يفرضوا عليكم أنظمة ديكتاتورية عسكرية دموية ، وثقوا بنصر الله القريب ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾

والله أكبر ولله الحمد.