طيلة أسبوعين يبشر الاعلام الغربي و العربي بخطاب السيد باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي سيوضح فيه استراتيجيته لمحاربة تنظيم داعش العراق و سوريا و وقف تمدد الحركة التي باتت مصدر رعب للكثير من أنظمة الحكم المستقرة في المنطقة خاصة الملكية منها .

خطاب أوباما لم يأت بجديد ، ولم يتحدث في استراتيجية مختلفة كما قيل و لم يتطرق الي العديد من النقاط التي هي سببا أساسيا للمشكلة في الشرق الأوسط ككل .

وهنا عدة ملاحظات علي الخطاب :

أولا : جاء خطاب الرئيس الأمريكي مبنيا علي معلومات استخبارية لها نوايا معينة تهدف للتأكيد علي خطاب سياسي و اعلامي محدد يحذر العالم و الشرق الأوسط من كلمة فضفاضة هي الارهاب ، بهدف إعادة العالم الي هذه القضية الوهمية التي لا تشغل بال الشعوب و انما بال أجهزة الاستخبارات التي تدور في فلك الهيمنة الأمريكية .

ثانيا : هدف الرئيس الأمريكي من خطابه حث جهود الديكتاتوريات العربية و الأنظمة القمعية التي هي سبب أساسي في صناعة الارهاب و تصديره ، لأهداف تتعلق ببقائها ، حتي تتدخل هذه الديكتاتوريات في الحرب البرية التي يفترض أن تقودها الولايات المتحدة من خلال القيادة و الدعم اللوجيستي و الفني بعيدا عن مشاركة جنودها برا . و علي رأس هذه الديكتاتوريات المملكة العربية السعودية و مصر و الأردن و الامارات ،وهي الدول التي قد تساهم بصورة أساسية في تمويل هذه الحرب الطويلة الأمد إما بالمال أو بالجنود .

ثالثا : لم يتطرق  أوباما إلي أصل المشكلة التي أفرزت الدولة الاسلامية في سوريا و العراق و هي الحكومات التي تمارس ارهاب و أفعال أكثر وحشية من تلك التي تمارسها الدولة الاسلامية ، ففي العراق أفرز هذه الحركة حكومة نوري المالكة الطائفية و أسلوبها الارهابي في التعامل مع المطالب الشعبية و التهميش الذي تعرض له أهل السنة ، و في سوريا كانت نتيجة ثلاث سنوات من الحرب الدموية التي يشنها نظام بشار الأسد بكل وحشية و اجرام ضد شعبه الأعزل . بالاضافة إلي أن السبب الرئيس في تدهور الأوضاع في هذه الدول بالاضافة الي ليبيا و مصر و ان كان بصورة أقل هو دعم دولتي السعودية و الامارات للثورات المضادة الهادفة للقضاء علي طموحات الشعوب وحقها في الحرية و دعمها الانقلابات العسكرية التي لابد وأن يصحبها بالضرورة رفض شعبي قد يؤدي إلي عنف يطلق عليه فيما بعد إرهابا .

رابعا : ذكر أوباما أن الحرب ستقودها الولايات المتحدة من خلال ضربات جوية و مستشارين للدعم و التخطيط  و القيام بعمليات تدريب للجيش العراقي و القوي التي وصفها بالمعتدلة في سوريا لمواجهة التنظيم ، و لم يذكر ماهي الاستراتيجية التي ستكون علي الأض ، اذ أن أي عملية جوية لابد من أن يصاحبها تحرك علي الأرض يكون له جنوده و حساباته ومكوناته .

خامسا : ذكر أوباما أن الحرب ضد الدولة الاسلامية ستكون أشبه بتلك العمليات ضد تنظيم القاعدة في الصومال و اليمن و هي نماذج سلبية ، تقوم فيها الولايات المتحدة بشن غارات جوية اما بطائرات مقاتلة أو طائرات بدون طيار و تقتل من المدنيين أكثر مما تقتل من المقاتلين المستهدفين علي الأرض . هذان النموذجان هما الأسوأ و الأكثر اهانة للعرب اذ أن هذه العمليات تمثل انتهاك سيادة غير مسبوق لأراض عربية كما أنها تسبب في إطالة أمد النزاع و الحرب و سقوط المزيد من الضحايا ، دون أي تطور حقيقي علي الأرض أو قيمة مضافة لهذه الشعوب المنكوبة .

سادسا : تحدث الرئيس الأمريكي عن تقديم الدعم للقوات المعتدلة التي تقاتل في سوريا ضد تنظيم الدولة ، و لم يتحدث عن سبب الصمت الأمريكي طيلة سنوات الثورية السورية تجاه الفظائع التي يرتكبها بشار الأسد ، باستثناء اجباره علي التخلي عن السلاح الكيماوي وهو بالأساس لضمان أمن حليفته اسرائيل وخشية وقوع هذه الأسلحة في يد تنظيمات قد تستخدمها فيما بعد لمهاجمتها . هذا الصمت هو الذي جعل سوريا منطقة حاضنة للحركات المسلحة و للمقاتلين من كافة الجنسيات .

الاستراتيجية التي أعلنها أوباما لم تأت بجديد يذكر عما هو واقع بالفعل و عن أسلوب التعامل مع الأزمة الحالية ، و الغرض الأساسي لهذا التحالف الدولي و الحشد هو استمرار النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة في جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة حروب و نزاع لا تفيق منها خاصة و أن هذا النظام العالم لا يتحرك الا عندما تهدد مصالحة الحقيقية خاصة تلك المرتبطة بالنفط و الطاقة أو بضمان أمن الكيان الصهيوني و يتضح ذلك من التعامل الغربي مع الثورة الليبية و السورية ثم العراقية ضد النظام الطائفي الحاكم .
-----------
صحافي وباحث إعلامي