لى قريب فتنته الأحداث الجاري، فبعد أن كان مؤيدًا للشرعية، مدافعًا عنها مشاركًا فى الفعاليات المناهضة للانقلاب-انكفأ على نفسه ويئس من رجوع الحق إلى أصحابه، بل صار يشكك فى أمور لا يجوز الشك فيها كأن يقول -وهو غاية فى الإحباط-: أين دعاء الداعين؟ وأين قنوت القانتين، ولِمَ لم يستجب الله لتضرع أنصار الشرعية مع علمى أنهم صالحون مخلصون.. إلخ هذه التساؤلات.
 

ومشكلة قريبى هذا أنه قليل الحظ من العلم، رغم إخلاصه -لا أزكيه على الله، كما أنه لم يعش من قبل مثل هذه المحن، ولم يقرأ فى سير الأنبياء والصالحين، ولم يصحب أحدًا من أبناء الحركة الإسلامية الذى تمرسوا فى العمل الدعوى وصارت عندهم مثل هذه الفتن أبجديات لا يسألون الناس عنها.

 

إن المؤمن يصيبه ما يصيب الناس، من همٍّ وغمٍّ وعجز وكسل وجبن وبخل، لكنه لا يسلم نفسه لها أبدًا ولا يستكين لوساوسها ومحبطاتها، بل تمر عليه مرور اليأس على المرسلين، فما إن يشعروا به حتى يزيدوا العمل وينشطوا فى الحركة، ويدفعوا عن أنفسهم وحوارييهم العجز والقنوط، متذكرين قدرة الله وقوته، وأنه حتم أن يأخذوا بالأسباب، وأن يروا الله من أنفسهم خيرًا.
 

لقد ضل قوم تعاملوا مع الله بالمنطق الميكافيللى الوضيع، ولم يريدوا أن يقدموا شيئًا لله عربونًا لإيمانهم وإخلاصهم، فكانت عاقبتهم البوار  {$ّمٌنّ پنَّاسٌ مّن يّعًبٍدٍ پلَّهّ عّلّى" حّرًفُ فّإنً أّصّابّهٍ خّيًرِ \طًمّأّنَّ بٌهٌ $ّإنً أّصّابّتًهٍ فٌتًنّةِ \نقّلّبّ عّلّى" $ّجًهٌهٌ خّسٌرّ پدٍَنًيّا $ّالآخٌرّةّ ذّلٌكّ هٍوّ پًخٍسًرّانٍ پًمٍبٌينٍ } [الحج: 11]، أولئك قوم عاجزون وقد ظنوا بالله الظنونا، ولم يفطنوا أنه الواحد الأحد، القادر المقتدر، الجبار المتكبر {مّن كّانّ يّظٍنٍَ أّن لَّن يّنصٍرّهٍ پلَّهٍ فٌي پدٍَنًيّا $ّالآخٌرّةٌ فّلًيّمًدٍدً بٌسّبّبُ إلّى پسَّمّاءٌ ثٍمَّ لًيّقًطّعً فّلًيّنظٍرً هّلً يٍذًهٌبّنَّ كّيًدٍهٍ مّا يّغٌيظٍ} [الحج: 15].
 

وليعلم الخلق جميعًا أن كل ما يأتونه من أسباب إنما هو جهدهم الذى أمروا به، أما النتيجة فالله هو الذى يقرر وقتها وهيئتها، وقد تكون هذه النتيجة بعيدة كل البعد عن الأسباب التى أخذنا بها، فالمسلمون يوم الخندق عقدوا الألوية ووزعوا المهام، وحفروا الخندق وساوموا وفاوضوا، ثم كانت الريح هى الفاصلة،  فلم تكن حربًا، ولم يسل دم إلا قليلا كما هو معروف.

 
إن أعز الخلق على الله هم أنبياؤه ورسله، الذين اصطفاهم وفضلهم على العالمين، وما كان -تعالى- ليرضى لهم الهوان والضياع، ورغم ذلك فقد كتب عليهم من الابتلاءات والفتن ما لم يكتب على أحد من خلقه، فما منعهم ذلك من مواصلة السير فى هذه الطريق المليئة بالحجارة والأشواك، راغبين فيما عند الله، موقنين بأن المشاهد سوف تتبدل والأيام سوف تتداول فيصير الضعيف قويًا، والقوى ضعيفًا والجبار وضيعًا والموحد الذى لا يؤبه له هو من يفصل بين الناس بشرع الله ودستوره الربانى التليد.

 

إننا فى ظل تسارع الأحداث وغرابتها على واقعنا نسينا أن هناك إلهًا خالقًا، فعالا لما يريد، وأنه من أمرنا بالتضحية والجهاد وعدم الركون إلى الظالمين، وأنه لم يعدنا شيئًا إلا بعد أن نضحى فى سبيله وأن نبيع له أموالنا وأنفسنا، وأن نتعرض لما تعرض له الأنبياء والرسل من أذى ونكال، ومع كل هذا فإنه لم يتركنا جهالا ضالين، بل أوضح لنا السبيل، وأنار لنا الطريق، ودلنا على سبل الوقاية من الزيغ والضلال:
 

- فأمرنا بالصبر والمصابرة على طول الطريق ولوائها: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا \صًبٌرٍوا $ّصّابٌرٍوا $ّرّابٌطٍوا $ّاتَّقٍوا پلَّهّ لّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ} [آل عمران: 200]، {لّتٍبًلّوٍنَّ فٌي أّمًوّالٌكٍمً $ّأّنفٍسٌكٍمً $ّلّتّسًمّعٍنَّ مٌنّ پَّذٌينّ أٍوتٍوا پًكٌتّابّ مٌن قّبًلٌكٍمً $ّمٌنّ پَّذٌينّ أّشًرّكٍوا أّذْى كّثٌيرْا $ّإن تّصًبٌرٍوا $ّتّتَّقٍوا فّإنَّ ذّلٌكّ مٌنً عّزًمٌ الأٍمٍورٌ}[آل عمران: 186]، {فّاصًبٌرً إنَّ $ّعًدّ پلَّهٌ حّقَِ $ّلا يّسًتّخٌفَّنَّكّ پَّذٌينّ لا يٍوقٌنٍونّ} [الروم: 60].

يقول النبى >: «لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل؟ قال: يقول دعوت فلم يستجب لى» [أحمد].
 

- وأمرنا بالثبات وأن نلزم سبل المسلمين لا نحيد {قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى پلَّهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا $ّمّنٌ \تَّبّعّنٌي $ّسٍبًحّانّ پلَّهٌ $ّمّا أّنّا مٌنّ پًمٍشًرٌكٌينّ} [يوسف: 108]، {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا إذّا لّقٌيتٍمً فٌئّةْ فّاثًبٍتٍوا $ّاذًكٍرٍوا پلَّهّ كّثٌيرْا لَّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ} [الأنفال: 45].

 
- وأمرنا بعدم العجز أو خفض الجناح لمن يحاربون الدعوة ويحادون الله ورسوله {$ّكّأّيٌَن مٌَن نَّبٌيَُ قّاتّلّ مّعّهٍ رٌبٌَيٍَونّ كّثٌيرِ فّمّا $ّهّنٍوا لٌمّا أّصّابّهٍمً فٌي سّبٌيلٌ پلَّهٌ $ّمّا ضّعٍفٍوا $ّمّا \سًتّكّانٍوا $ّاللَّهٍ يٍحٌبٍَ پصَّابٌرٌينّ} [آل عمران: 146]، {مٍحّمَّدِ رَّسٍولٍ پلَّهٌ $ّالَّذٌينّ مّعّهٍ أّشٌدَّاءٍ عّلّى پًكٍفَّارٌ رٍحّمّاءٍ بّيًنّهٍمً تّرّاهٍمً رٍكَّعْا سٍجَّدْا يّبًتّغٍونّ فّضًلاْ مٌَنّ پلَّهٌ $ّرٌضًوّانْا}[الفتح: 29].

يقول النبى >: «إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبى الله ونعم الوكيل» [أبو داود].
 

-  وأمرنا بالدعاء والتضرع إليه وليس لأحد سواه {$ّقّالّ رّبٍَكٍمٍ \دًعٍونٌي أّسًتّجٌبً لّكٍمً إنَّ پَّذٌينّ يّسًتّكًبٌرٍونّ عّنً عٌبّادّتٌي سّيّدًخٍلٍونّ جّهّنَّمّ دّاخٌرٌينّ} [غافر: 60] وقد غاب على قوم أصيبوا بالبلاء فنسوا الله، قال: {$ّلّقّدً أّخّذًنّاهٍم بٌالًعّذّابٌ فّمّا \سًتّكّانٍوا لٌرّبٌَهٌمً $ّمّا يّتّضّرَّعٍونّ} [المؤمنون:  76].

يقول النبى >: «لا تعجزوا مع الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد» [الحاكم]، ويقول: «لا يغنى حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» [الحاكم].

 
- وأمرنا بدوام الذكر والتوبة والاستغفار {فّاصًبٌرً إنَّ $ّعًدّ پلَّهٌ حّقَِ $ّاسًتّغًفٌرً لٌذّنًبٌكّ $ّسّبٌَحً بٌحّمًدٌ رّبٌَكّ بٌالًعّشٌيٌَ $ّالإبًكّارٌ}[غافر: 55]،  {\ذًهّبً أّنتّ $ّأّخٍوكّ بٌآيّاتٌي $ّلا تّنٌيّا فٌي ذٌكًرٌي} [طه: 42].

 
- وأمرنا بالثقة فى جنابه واليقين فيما وعد به {إلا تّنصٍرٍوهٍ فّقّدً نّصّّرّهٍ پلَّهٍ إذً أّخًرّجّهٍ پَّذٌينّ كّفّرٍوا ثّانٌيّ \ثًنّيًنٌ إذً هٍمّا فٌي پًغّارٌٌ إذً يّقٍولٍ لٌصّاحٌبٌهٌ لا تّحًزّنً إنَّ پلَّهّ مّعّنّا فّأّنزّلّ پلَّهٍ سّكٌينّتّهٍ عّلّيًهٌ $ّأّيَّدّهٍ بٌجٍنٍودُ لَّمً تّرّوًهّا $ّجّعّلّ كّلٌمّةّ پَّذٌينّ كّفّرٍوا پسٍَفًلّى" $ّكّلٌمّةٍ پلَّهٌ هٌيّ پًعٍلًيّا $ّاللَّهٍ عّزٌيزِ حّكٌيمِ} [التوبة: 40].

يقول النبى >: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز».