محمد عبده

* السلام عليكم، أرجو من فضيلتكم توضيح السمسرة في البيع والشراء (كيفيتها- صحتها- نسبها) وهل يشترط معرفة البائع والمشتري بقيمتها أو يكفي معرفة طرف واحد؟

 

المفتي الشيخ: حمدي أحمد إبراهيم

* السمسار هو مَن يتولى البيع والشراء لحسابِ الغير مقابل أجرٍ يأخذه ويُسمَّى الدلاَّل؛ لأنه يدل المشتري على السلعة ويدل البائع على الأثمانِ، وهو عملٌ نافع لكلٍّ من المشتري والبائع والسمسار.

 

مشروعيتها:

وقد نصَّ جمعٌ من الأئمةِ على جوازِ السمسرة، وجواز أخذ الأجرة عليها، وسُئل الإمام مالك رحمه الله عن أجر السمسار فقال: لا بأس بذلك (المدونة: 3/466).

 

وقد بوَّب الإمام البخاري للسمسرة في صحيحه، فقال: (باب أجرة السمسرة) ولم يرَ ابن سيرين وعطاء وابراهيم والحسن بأجر السمسار بأسًا، وقال ابن عباس: لا بأسَ أن يقول: بِعْ هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك، وقال ابن سيرين: إذا قال بِعْه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأسَ به، وقال النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "المسلمون عند شروطهم".

 

وقال ابن قدامة في "المغني" (8/42): ويجوز أن يستأجر سمسارًا يشتري له ثيابًا، ورخَّص فيه ابن سيرين، وعطاء، والنخعي، ويجوز على مدةٍ معلومةٍ، مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها؛ لأنَّ المدةَ معلومة، والعمل معلوم، فإن عُيِّن العمل دون الزمان، فجعل له من كل ألف درهم شيئًا معلومًا صحَّ أيضًا".

 

النسبة التي يأخذها السمسار من الممكن أن تكون من الربح أو من ثمن السلعة، حسب الاتفاق، ويمكن أن تكون من البائع أو من المشتري، حسب الاتفاق.

 

فإن كانت النسبة من الربح لا مِن ثمن السلعة فقد جوَّز ذلك الحنابلة؛ لأنها تشبه المضاربة التي هي أن يُعطِيَ الرجلُ مالَه لمَن يتاجر فيه بنسبةٍ من الربح (مطالب أولي النهى: 3/542- بتصرف).

 

والحاصل أنه لا حرجَ عليك في أخذ النسبة أو العمولة المتفَق عليها، وعليه فهو عمل مشروع لا حرمةَ فيه، بشرط أن يلتزم السمسار بالآتي:

1- لا يكون وسيطًا في بيع ما حرَّم الله بيعَه، كالخمر والخنزير، والاستئجار على البغاء والرقص.

2- لا يخلط بين الوساطة الحلال والحرام، فلا يتلقَّى التجار قبل دخول السوق ليشتري بسعرٍ ثم يبيع في السوقِ بسعرٍ أعلى، فقد نهى الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك حيث قال: "لا يبِع بعضكم على بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق"، ونهى أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ونهى عن النجش، وهو زيادة السعر فيما يُسمَّى بالمزاد العلني وهو لا يريد الشراء وإنما يتدخل لزيادةِ سعر السلعة.

3- أن يكون مخلصًا في وساطته، فلا يجور على المشتري من أجلِ البائع، ولا يظلم البائع من أجل المشتري.

4- أن يكون أمينًا صادقًا في بيانِ ما يتعلق بالسلعةِ من مواصفات.

5- أن تحدد الأجرة التي سيأخذها من كلٍّ من البائعِ أو المشتري أو هما بحيث يقطع التنازع بعد إتمام البيع.

6- يبين عيوب السلعة ومميزاتها لتتضح الصورةُ أمام المشتري.

7- أن يكون خبيرًا فيما يُتوسط فيه بين البائع والمشتري؛ حتى لا يضر أحدهم، فالخبرة مطلوبة في المجال الذي يعمل فيه السمسار.

 

من أوجه السمسرة

- تأجير الشقق والمساكن، كأن يسعى السمسار في توفير مسكن مناسب للمستأجر مقابل أجرٍ يتقاضاه كسمسرة.

- بيع سلعة لشركة بعمولة يتقاضاها السمسار أو الذي يتولي بيع هذه السلعة نيابةً عن الشركة أو المصنع.

 

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/204): "وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَغَيْرِ جُعْلٍ (الجُعْل هو الأجرة)؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ، وَعُرْوَةَ فِي شِرَاءِ شَاةٍ بِغَيْرِ جَعْلٍ، وَكَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ عِمَالَةً (أجرة)؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ ابْنَا عَمِّهِ: لَوْ بَعَثْتنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّي إلَيْك مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُهُ النَّاسُ، يَعْنِيَانِ الْعِمَالَةَ".

 

أجر ونسبة السمسرة

النسبة والأجر تتحدد حسب الاتفاق بين البائع والمشتري والسمسار، فللسمسار أن يتقاضى أجرًا من البائع فقط أو من المشتري فقط أو من البائع والمشتري معًا، وهذا يرجع إلى الاتفاقِ بين السمسار والطرفين "المسلمون عند شروطهم"، على ألا يكون في الأجرِ مغالاةٌ أو ضررٌ للطرفين البائع والمشتري، أي يكون مما جرى عليه العرف وتعارَفَ عليه الناس، أي في حدودِ ذلك.