قبل أسابيع انتشرت فجأة "للسخرية والاستهزاء" عبارة استخدمها نظام 30 يونيو و أنصاره في مصر لتبرير قمع الحريات وتخريب الضمائر غير المسبوق في تاريخ مصر الحديث.


هذه العبارة هي "مش أحسن ما نبقي زي سوريا والعراق" على اعتبار أن نظام 30 يونيو بقيادة قائد الانقلابي عبد الفتاح السيسي جنّب مصر هذا المصير المأساوي وحمى شعبها من مصير شعبين عريقيين أصبحا يعيشان نكبة إنسانية كبرى.


خلال الأيام القليلة الماضية قتل في مصر نحو 41 عسكريًا، بخلاف عدد من قوات الأمن في عدة مناطق، ووقعت عدة تفجيرات أشهرها أمام جامعة القاهرة، وقتل عدد من المواطنين على يد رجال شرطة، وضُرب وأُهين عدد آخر.


هذا بالنسبة للمواطنين العاديين، أما المسيسون منهم وهم الرافضون للانقلاب فحدّث ولا حرج عن كمية التنكيل والفظائع التي وقعت بحقهم وكان أبرزها قتل طالب بكلية الهندسة بالإسكندرية برصاصة في الرأس, منعت السلطة فيما بعد إقامة جنازة له، وهي آخر ما تبقى من علاقة بين الإنسان الميت وعالم الأحياء، ثم قتل طفل له من العمر 9 سنوات في تظاهرات الجمعة الحاشدة والمستمرة منذ 15 شهرًا ضد الحكم العسكري الإرهابي، وغيرها من الجرائم التي لا يتسع المقال لذكرها أو يمكن لشخص واحد حصرها.


خلال الأيام القليلة الماضية أيضًا شنت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب والوحيدة العاملة في مصر حربًا ضروسًا ضد عدد من صبيان الانقلاب الذين بدأوا يرفضون تصرفات كانوا يؤيدونها بحق المنتمين لما يسمى بالإسلام السياسي، لكنها بدأت تطال بعضًا منهم، خدم الانقلاب ومنظروه أصبحوا عرضة لانتقام آلة القتل والكراهية المسماة وسائل إعلام في مصر.


خلال الأيام الماضية أيضًا شاهد المصريون سيدة حامل تضع مولودتها في الشارع أمام مستشفى كفر الدوار بمحافظة البحيرة بعد أن رفض مديرها استقبالها، الصورة أعادت للأذهان صورة المعتقلة دهب التي وضعت في المستشفى وهي مقيدة بـ"الكلابشات" في سرير المستشفى خوفًا من هروبها، رغم أن دهب لم تكن تاجرة مخدرات أو قاتلة محترفة، دهب واحدة من الثائرات العظيمات اللاتي رفضن ولا زلن أن يحكم الدولة إرهابيون عتاة في الإجرام.


المشهد لم يخلُ أيضًا من صورة طفلين مقيدان بالأصفاد تمهيدًا لمحاكمتهم، وهما تحت السن القانوني، وصورة بارزة جابت الآفاق لعميد مضربي العالم عن الطعام، وهو المعتقل محمد سلطان نجل الداعية المعتقل صلاح سلطان.


صورة الوالد وهو ينظر إلى جسد ابنه الهزيل على سرير أمام قضاة انتزعت من قلوبهم الرحمة كفيلة بشق الحجر، لكن الحجر في مصر لم يحن أوان شقه بعد.



كانت آخر الصور المروعة في غابة 30 يونيو صورة لطفل مصاب بالسرطان فقد شعر رأسه نتيجة العلاج الكيميائي، دعته حاشية قائد الانقلاب لمقابلة الزعيم لتحسين صورته التي ارتبطت بقتل والدة الطفل صاحب الفيديو الشهر الذي يستجدي والدته الشهيدة للاستيقاظ بعد أن غادرت الدنيا برصاص قوات السيسي في رابعة العدوية.


 في النهاية كان مقتل 31 جنديًّا جراء تفجير في سيناء تبعه إجراءات قمعية ضد أهلها وفرض حالة طوارئ وحظر تجوال.


السؤال الوارد في ذهني دائمًا هو كيف تحول شعب طالما ردد أبناؤه أنهم طيبون وأصحاب رحمة، وكيف تحولت دولة عرف عن شعبها صفات مثل "الجدعنة أو مؤازرة الأخرين في الشدائد" إلى دولة عديمة الرحمة وفاسدة الضمير؟!!!


مصر بعد الـ30 من يونيو وما سبق هذا التاريخ من فعاليات مارس فيها معارضو الاخوان أفعالا اجرامية اعتبروها حقًا مشروعًا ليست مصر التي نعرفها ولا عرفناها عبر الأيام، مصر في الاصدار الثاني للحكم العسكري الذي جاء بعد 62 عامًا من الاصدار الأول، باتت أكثر قسوة وإجرامًا بحق أبنائها وأقل رحمة وإنسانية تجاههم.


الحكم العسكري الحالي لمصر القابض علي سلطة مهتزة تواجه بثورة عارمة في الشارع، حول مصر إلى غابة وأرض ترتكب فيها المحرمات والفظائع، ويغيب عنها الضمير والمنطق، لا دستور يحكم ولا قانون وبمناسبة الدستور والقانون، كان الاجراء الأكثر عنصرية بعزل عدد من رجال القضاء لأن أبائهم ليسوا خريجي جامعات.. الحدث لو وقع في دولة غربية تؤمن بالعدل والمساواة قبل ثلاثة قرون من الزمان لقامت الدنيا ولم تقعد على مثل مرتكب هذا القرار الإجرامي.


مصر الآن ليست أحسن حالاً من سوريا والعراق، مصر الأن تشبه الوضع العراقي، ولم تصل بعد إلي الوضع السوري، مصر يحكمها نظام عنصري وحشي يكفر معارضيه ويصفهم بالإرهاب ويفض تظاهراتهم واعتصاماتهم لمجرد المطالبة بحقوق، وتزيد فيها نشاطات الجماعات المسلحة تمامًا مثلما العراق في عهد رئيس وزرائها السابق الذي حكمها بطائفية كريهة وفساد وإرهاب وحشي حتى استيقظ العراقيون فجأة على اجتياح تنظيم الدولة نصف أراضيهم . و وجود بقايا جيش و شبه سلطة تحكم عاصمة واقعة تحت تأثير العمليات الانتحارية ويغيب عنها الأمن.


الحل الجذري لانقاذ دولة وشعب بحجم مصر من الوقوع في المستنقع العسكري الفاسد و الاجرامي هو استكمال الثورة.. الثورة فقط.