إعداد: عبد الحليم الكناني

بدأ الأستاذ عبد الرحمن البنا- شقيق الأستاذ حسن البنا- التأليفَ المسرحيَّ "حين قرأ في مجلة الصباح الأسبوعية أن فرقةً أوروبيةً عرضت على مسرح الأوبرا المصرية، تناولت ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- بما ينقص من قدرِه الشريف، فحاول كتابة مسرحية ردًّا على هذه الفرية، وإمعانًا في التحدي أراد لها أن تمثَّل على نفس خشبة هذا المسرح".

 

فكتب أولى مسرحياته (جميل بثينة)، ورغم أن القصة الأساسية عاطفية فإن الدافع الأساسي لاختيار هذه القصة كان الغيرة على الإسلام والعروبة!! فتساءل عبد الرحمن البنا في مقدمة المسرحية: "لماذا نستجدي من الغرب قصصَه وحوادثَه فنذكر (روميو وجولييت) ونحتفي بـ(غادة الكاميليا)، ولا نعود إلى شرقنا فنقتبس النور من إشراق سمائه ونعرف الحب من طهارة أبنائه؟!

 

ونالت تلك المسرحية "تقدير لجنة تشجيع التمثيل الحكومية بوزارة المعارف العمومية، وقررت لإخراجها مبلغًا من إعانة التمثيل لسنة 1934م، وتمثلها لأول مرة السيدة عزيزة أمير بالإشتراك مع فرقة اتحاد الممثلين تحت إشراف وزارة المعارف العمومية على مسرح دار الأوبرا الملكية في يونيو سنة 1934".

 

وضمت قائمة النجوم التي شاركت في هذا العمل جورج أبيض- أحمد علام- عباس فارس- حسن البارودي- فتوح نشاطي- محمود المليجي، ومن العناصر النسائية: فاطمة رشدي، وعزيزة أمير.

 

ويقرر شوقي قاسم- صاحب رسالة دكتوراه (الإسلام والمسرح المصري)- أن "جميل بثينة" قد صارت موضعَ المقارنة مع درَّة أمير الشعراء (مجنون ليلى).

 

وحين تأسست الفرقة القومية المصرية عام 1935 بقيادة خليل مطران أوفدت البعثة الأولى من الطلاب إلى أوروبا لتعلم الفن هناك، واللافت للانتباه أن البعثةَ تكونت أساسًا من عدد ممن عملوا في مسرحيات عبد الرحمن البنا، مثل: فتوح نشاطي، محمد متولي، سراج منير، حسن حلمي، ومحمد السبع.

 

الإخوان والمسرح الإسلامي في بداية الأربعينيات

 الصورة غير متاحة
بدأ عبد الرحمن البنا يسعى نحو تأسيس فرقةٍ خاصة للإخوان المسلمين، وبدأت الفرقة بدايةً متواضعةً وبذل أفرادها جهدًا كبيرًا، ويقول عن ذلك: "لقد رحلنا بفريقنا عدة رحلات في عواصم الجمهورية، وكنا أحيانًا نبيت بالمساجد" ثم تطورت الفرقة، وعُرضت مسرحياتُها التي بلغت ثماني مسرحيات على أكبر المسارح المصرية كـ"دار الأوبرا" ومسرح "الأزبكية"، ونقلتها الإذاعة على الهواء مباشرةً، ومن أمثلة العروض التي قدمها الفريق:

 

- مسرحية (عامان في شِعب) عن اضطهاد المسلمين الأوائل في شعب مكة.

- (المعز لدين الله الفاطمي) وهي مسرحية تاريخية من فصل واحد تُصوِّر دخول المعز لمصر بعد أن فتحها جوهر الصقلي (مُثِّلت على مسرح حديقة الأزبكية يوم الخميس 6 نوفمبر 1952).

- مسرحية (بنت الإخشيد) التي أُلِّفت عام 1939م، ودعا فيها إلى التقريب بين طوائف المسلمين، وحذَّر من استغلال الخلافات المذهبية في إضعاف شوكة الأمة وتفريق كلمتها"، وعنها يقول البنا: "وفي رحلة من رحلات الأستاذ سعد أردش إلى الجزائر تفضَّل باصطحاب بعض مسرحياتي معه، وأخرَج منها للجزائر مسرحية (بنت الإخشيد) في 15 حلقةً مذاعةً واستُقبلت بحماس شديد وأحدثت أثرًا مدويًا".

- المسرحية النثرية (أبطال المنصورية).

- مسرحية (غزوة بدر): وقد مثلت على مسرح حديقة الأزبكية يوم الجمعة 19 رمضان سنة 1365 الموافق 16 أغسطس سنة 1946، وكان يمثل فيها عبد المنعم مدبولي، ويقوم بدور كوميدي هو دور "ضمضم الغفاري".

- "الهجرة": ويقول البنا عنها في ذكرياته "وأذكر أن مسرحية (الهجرة) التي عُرضت على مسرح الأزبكية يوم الأربعاء 26 نوفمبر 1947 وأذاعتها محطة الإذاعة المصرية قد توافد علينا كثيرٌ من رجال السينما للتفاوض في إخراجها سينمائيًّا".

- (صلاح الدين الأيوبي): وكان إهداء المسرحية "إلى شهداء فلسطين الأبرار، وأبطال الجهاد المقدس لإنقاذ الوطن الإسلامي وتحرير الأرض.. إليكم هذه المسرحية التي أُعدت لتعمل عملها مع قصف المدافع وأزيز الطائرات؛ لإدراك الغاية ورفع الراية وإصابة الأهداف".

وكان ثلاثة من أعضاء الفرقة قد اعتذروا عن المشاركة في العمل؛ لذهابهم إلى ميدان القتال، وهو ما نصَّ عليه إعلان المسرحية حين كُتب في هامشه: "من أعضاء الفريق في ميدان الحرب الآن: إبراهيم الشامي- فطين عبد الحميد- إبراهيم القرش"، وكتب عنها الناقد الأستاذ صلاح ذهني في مجلة (آخر ساعة)- عدد 709 بتاريخ 26 مايو 1948 يقول: "كم كنت أتمنى لو مُثِّلت هذه الرواية أكثر من مرة، أو أن الذين مثَّلوها كانوا غير الهواة، وليس ذلك طعنًا، إنها رواية تلائم الموقف والظرف، وفيها مع ذلك شيءٌ جديد".

 

من أعضاء فرقة الإخوان المسرحية

وكان من أعضاء فرقة الإخوان المسرحية:

- د. إبراهيم سكر: الأستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

- د. حسين جمعة المخرج المعروف.

- إبراهيم الشامي- محمد السبع- عبد البديع العربي- عبد الرحمن بدوي- عبد المنعم إبراهيم- نظير عبد الجابر- محروس عبد الوهاب- أحمد راضي- إبراهيم الديب- محمد عبد اللطيف.

 

وكان البنا حريصًا على تنمية قدرات فريقه، فوجَّه شباب الفريق الذين أتموا دراستهم الثانوية للالتحاق بمعهد التمثيل العالي واستجابوا، وكان منهم محمد السبع وعبد البديع العربي وإبراهيم الشامي، وهم من الممثلين المشهورين بعد ذلك.

 

 الصورة غير متاحة

النشاط المسرحي لشعب الإخوان في الأقاليم

ولم يقتصر النشاط على المركز الرئيسي للجماعة بل امتد إلى شُعب الجماعة في أنحاء مصر، فتكونت فرقٌ تمثيلية بكثير من شعب الإخوان تُقدم مسرحياتٍ هادفةً، ومن أمثلتها:

- "أقامت شعبة حلوان حفلتَها التمثيلية بتمثيل الرواية الإسلامية (المروءة المقنعة) في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وقام بالتمثيل فريق الإخوان شعبة ميت غمر، وكان الحفل رائعًا ناجحًا، أمَّه الكثيرون من شباب الإخوان والطلاب، وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ المرشد العام".

- قام إخوان شعبة ششتا مركز زفتى غربية بتمثيل رواية (عاقبة الفساد).

- "قدم فريق التمثيل بشعبة الحوامدية تمثيليةً رائعةً هي (التوبة النصوح أو المخلفون الثلاثة).

- "أقام قسم الطلاب بكوم أمبو حفلاً تمثيليًّا مُثِّلت فيه قصة إسلام عمر، والاستعمار، والهجرة، واستمر الحفل ليلتين بسينما مصنع السكر بكوم أمبو".

- "قام قسم الطلاب والأشبال بالمنطقة (الفيوم) بتمثيل (رواية الطاغية) على مسرح دار الإخوان، وقد كان التمثيل دقيقًا رائعًا، تتجلى فيه عظمة المسلمين الأولين".

- "أقام قسم مدارس الجمعة بمكتب إداري البحيرة حفلاً تمثيليًّا خاصًّا لحضرات الأخوات المسلمات، ثم أعيد الحفل مرةً ثانيةً وشاهده جمع من الإخوان المسلمين".