الغدر هو نقض العهد وترك الوفاء به، وهو صفة ذميمة لا يتلبس بها إلا لئام الناس، بل هي صفة الذئاب، وصفة من لا دين له ولا مروءة.
ولدوام الدول والممالك شروط وأسباب، منها ألا تغدر أو تفجر أو تظلم أو تستبد أو ترعى الفساد.. وقد بحثت في كل هذه الشروط فلم أجد شرطًا واحدًا في النظام الانقلابي الدموي القائم؛ فأنى يدوم ويستمر؟!
لقد جعل الله سنة التدافع ليزيل الأمم الجائرة ويأتي بغيرها؛ لدوام الحياة واستمرار البشرية في خط سيرها المرسوم لها -وإلا فسدت الأرض واندثر الدين وتسلط من لا خلاق لهم فحكموا الدنيا أبد الآبدين "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ" [البقرة: 251]، "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج: 40].
وإذا كان يغيب على المجرمين جزاء ما يفعلونه بشعوبهم، فإن الله حي لا يموت، عالم الغيب والشهادة، من لا تخفى عليه خافية، وعقابه -سبحانه- لهؤلاء الأقزام سريع لا راد له، ولكنهم لا يفقهون..
إن رئيسًا مسلمًا منتخبًا من الشعب أعطى الأمان لمن حوله فغدروا به، بل لم يعاملوه -بعد الغدر- بما يليق بشخصه الكريم وبعلمه وبسنه، وهذا دليل خيانة وغياب وفاء.. والحقيقة أنه غدر كذلك بشعب بكامله خرج مرات ليعطى صوته لمن يبغيه في الحكم، وجاء العسكر فعصفوا بكل هذا، وقالوا كما قال الفرعون الأول "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" [غافر: 29].
إن جزاء الغدر فظيع "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" [فاطر: 43]، "فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ" [الفتح: 10]، والجزاء من جنس العمل، من ثم فلا أعتقد أنه ستقوم لدولة الغدر تلك قائمة، بل أقسم على ذلك، ولو بشرونا بعشرات المشاريع الاستثمارية، ولو زفوا إلينا -كل ساعة- أخبار إنجازاتهم وفتوحاتهم؛ لأن تلك الدولة لا تحظى برضا الله، والله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يحب الخائنين، وهم من ظلموا كثيرًا، وقتلوا وحرقوا الجثث وانتهكوا الأعراض وسجنوا أولياء الله، فالله لهم بالمرصاد "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" [الحج: 38].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية «إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة» فكيف بمن حادوا الله ورسوله، وأغلقوا المساجد ومنعوا الصلاة فيها، وأنزلوا الدعاة من فوق المنابر وجففوا منابع الدين؟!. والمقال لا تتسع مساحته للحديث عن جرائمهم ضد الإنسانية، وظلمهم وفجورهم وشروعهم في تنفيذ كل عمل يغضب الله ويغيظ المسلمين.
إننا لا نشك لحظة في أن دعوات المظلومين وأنات المسجونين ودموع الأمهات الثكالى وبكاء الأطفال اليتامى.. سوف تكون نارًا ووبالا على هؤلاء الطغاة المجرمين، والله حسبنا ونعم الوكيل، وقد توعد -سبحانه- هؤلاء وأمثالهم بالخزي في الدنيا والعذاب والنكال في الآخرة، ووعد الله حق وصدق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق دعوة المظلوم -ولو فاجرًا» وفى رواية: «ولو كافرًا».. أما الذين ظلموا فأحسبهم -ولا أزكيهم على الله- من عباد الله المخبتين، وما خرجوا لما خرجوا له إلا لنصرة الدين ورفع لواء شريعته فقتلهم الفجرة وساموهم سوء العذاب وصادروا أموالهم وطاردوهم في أرض الله.
لقد ظن الفرعون الأول أنه فوق البشر، وأنه لا ينطبق عليه ما ينطبق على الآخرين، فتمادى في باطله حتى ظن أنه إله، قال: "يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي" [القصص: 38]، فلم يكن يرى سوى ذاته، ولم يعتقد أن أحدًا يساويه في العقل والرأي، وقد ساعده في هذا الجنون والسفه قومه الفاسقون؛ إذ استخف بهم فصدقوه، ولم يراجعوه في رأى ولم يثنوه عن باطل.. إلا نبي الله موسى -عليه السلام- الذي فضح غباءه وسخر من حمقه، فكان رده "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29]، ومازال الصراع دائرًا حتى التقمه اليم، فلم يك ينفعه يومها شيء.
أما جزاء المجرمين يوم القيامة فهو أنكى وأشد، وفضيحتهم سوف تكون على رءوس الأشهاد، فلا شيء أفظع من الغدر ولا ذنب أقبح منه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة». فاللهم سلّط عليهم سيف انتقامك حتى نراهم في مواضع الخزي والندامة.