طرحت أحداث القمع في مجلس الشورى في ذات الوقت تقريبًا قبل عام خطابات جديدة للوحدة الثورية، واتخاذ مواقف ثورية مشتركة، وهو ذات ما طرحته البراءة الزائفة لفرعون مصر، وقد كنا سجلنا في 27 نوفمبر 2013 رؤية ونصيحة للجميع في مقال بعنوان "التنسيق الثوري لا "حكي المحكي"!"؛ بغية ضبط البوصلة وتنحية "العشم"، وحذرنا فيه من تكرار سياقات كلاسيكية معتادة للتنسيقيات والمجاملات علي حساب الثورة والشعب، ولكن يبدو أن للنصيحة بقية كي تتضح الرؤية في أيام ولا شك تهيئ المناخ الثوري لسيناريوهات عدة تتطلب الوضوح والمصارحة.


لقد ظهرت دعوات إلى الاصطفاف من القوى الثورية المرابطة في الشارع منذ عام ونصف لمواجهة الانقلاب جسدها خطاب القيادة السياسة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع خطابات مماثلة أو شبه مماثلة من حكماء وحركات وشخصيات عامة، وتقدمت الخطوات حتى أطلق الشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي رسالته الثورية للمصريين، ودشن مجلس أمناء الثورة مبادرة ثورية للاصطفاف، وأعلن د. أيمن نور دعوة للتوافق ولم الشمل، بالتوازي مع خطوات ارتباكية احيانًا أو مصطنعة في أحيان أخرى في المعسكر الانقلابي أو أعوانه أصحاب الوجوه المقنعة، وتحفظات مفهومة ومبررة من بعض قوى معسكر ثورة 25 يناير لرغبتها في وضوح أكبر وحسم مبكر لما علق وقدم.


ومن هنا نقول إننا نثمن بكل قوة تصحيح بعض النشطاء لمسارهم ودخولهم إلى معركة إسقاط الانقلاب، ومبادرات الاصطفاف الثوري، ولكن حبنا للوطن ولثورة 25 يناير وللشهداء الأبرار والمعتقلين والمصابين الصامدين، يعلو على مجاملات سياسية لا تجوز في عرف الثورات، وكلما كان الوضوح مبكرًا كان التواصل دائمًا وناجحًا، ولكن من العبث إعادة الحكي في المحكي!.


إن الاصطفاف الثوري جزء مهم جدًّا من مراحل اصطفاف الشعب في مربع الثورة؛ للوصول إلى الكتلة الحرجة المطلوبة لإنجاز الثورات لأهدافها، وبالتالي بذل الجهد في اصطفاف الحركات والقوي الثورية، هو عامل محفز فقط لاصطفاف الباقي ولكن ليس عاملاً بديلاً للعمل الجاد والمتواصل والمكثف لكسب هذه القوى لقطاعات الشعب في معركة الحرية قبل وأثناء وبعد كل محاولات الاصطفاف الثوري، وذلك حتى لا نغرق في عمل نخبوي دون بناء قاعدة شعبية له والشعب في الأصل هو الأصل!.

وإن الإرادة الشعبية هي مبعث الثورات وهي محركها وهي صاحبة صكوكها ومساراتها، ومن الخطير إهدار الإرادة الشعبية المترسخة بالميادين والصناديق معًا ، منذ 25 يناير حتي تاريخ الانقلاب، لصالح إرادة مبتسرة ومبتورة في 30 يونيو ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة الانقلاب علي ثورة 25 يناير ومكتسباتها التي تحققت بإرادة شعبية واضحة ومتكاملة وناجزة وعادلة، فضلاً عن أن ذلك اليوم المخادع حمل صورتين لإرادتين، بما يسقط أي شرعية ثورية لميدان على ميدان وبما يجهض بوضوح وجود موجة ثورية فيه.


إن 30 يونيو كانت ولازالت محطة خداع وغدر بثورة 25 يناير قادتها إرادة الثورة المضادة بعد أن امتطت فيها ارادة قلة من المخلصين وكثير من المخدوعين ، لصنع انقلاب عسكري متكامل الأركان في 3 يوليو 2013 يقضي على إرادة ثورة 25 يناير وما تم وما كان سيتم، واجمالا لا يوجد موجة ثورية لثورة يشارك فيها من قامت عليه الثورة ، ولا يوجد ثورة ضد شرطة وفسدة يشارك في موجة لها ذات الشرطة والفسدة!.

ولقد تحدثنا عن رؤية وطنية ثورية تفك ذلك الاشتباك المفتعل وتؤسس لرؤية واضحة في اكثر من مقال لنا ، منها مقالات: "الوعي الثوري في اللحظة الفارقة"، "نحو تطوير ميداني حاسم للثورة"، "لا للعسكر والفلول والانقلابيين"، "الشرعية الدستورية.. عنوان الحقيقة"، ورفعنا أكثر من شعار في هذا الإطار منها : " الثورة في الميادين، والسياسة في الصناديق"، و"ما للثورة للثورة وما للسياسة للسياسة "، وقد حان الوقت بقوة كي نفرق بين ما هو ثوري وبين ما هو سياسي "حزبي"، وأن نفصل بينهما.

إن السياسة يجب أن تكون في خدمة الثورة لا أن تكون الثورة في خدمة الساسة، وإن إسقاط الانقلاب العسكري الدموي يحقق مطلبين ثوريين مهمين، وهما: إسقاط حكم العسكر ووقف عودة الفلول، أما عودة الشرعية الدستورية على أرضية مطالب الشهداء فهي صمام الأمان لعدم عودة العسكر أو الفلول أو حدوث أي انقلاب على أي رئيس أيًّا كان انتماؤه مرةً أخرى، فضلاً عن تمكين الثورة والثوار جميعًا.

إن تعجل البعض في إقرار اصطفاف هش من أهم العيوب التي تواجه الثورة وحراك استكمالها في هذه الأيام ، فالعبرة - في رأينا – بالاصطفاف على إقرار المبادئ قبل خلق الكيانات ، فأي اصطفافات محتملة دون اصطفاف مبادئ جامعة، هو حالة تفريغ وارتباك وإرباك، كطريقة تشكيل لجان جديدة، لإماتة قضايا حية، واثارة جدالات تأخذ المسار الثوري الي مسار حزبي مرفوض ترتفع معه نبرات مشجعي الكرة في ساحات النضال وهو ما لا يجوز ثورياً في هذا الوقت الحرج.

وإن المحاولات القديمة الجديدة بمحاولات تأسيس ثورة جديدة ، لا انطلاقات جديدة ، لثورة واحدة مستمرة اطلقت أولى طلقات مخاضها في 25 يناير 2011 ، لهي عبث ، فتصفير الحراك لبدء تدشين ثورة جديدة لتخطى حراك 25 يناير ضد الانقلاب ، يصب في صالح الانقلاب ، وبالتالي فاستكمال ثورة 25 يناير هو الأجدى للجميع أما أي محاولة طائشة لتصفير نضال الحراك الحالي للتخديم على أجندات الهيمنة وهويات متأمركة مدعاة لأخذ الثورة مسارا معبرا عن الواقع وناسفا لأي غدر طائش!.

إن الثورة ماضية في طريقها ، وعلي الثوار التمسك بوحدة الصف و ضبط البوصلة في الاتجاه الصحيح ، بعيدا عن المناكفات القديمة أو المزايدات الرخيصة أو التلاسن البغيض ، من أجل اصطفاف الشعب في مربع الحق ، ووقف الانهيار والانتحار واقرار القصاص والانتصار ، عبر ثورة كاملة ، لا تقبل إلا بحلول جذرية تؤدي الي حرية حقة واستقرار دائم واستقلال تام وعدالة شاملة وانطلاقة جديدة لمصر في المسار الصحيح، والله أكبر فوق كيد المعتدي.