مثلما استغلّ مبارك طوال فترة حكمه البغيضة التى استمرت ثلاثين عامًا فزاعة الإخوان المسلمين للحفاظ على كرسيه والحصول على أكبر مكتسبات من الغرب.. يستغل العسكر فزاعة (الحرب على الإرهاب) لدعم انقلابهم والاعتراف بهم، وتجاوز ما اقترفوه من جرائم، وللحصول -أيضًا- على أكبر قدر من المكاسب المادية لانتشال البلد من حالة الفشل الذريع التى أوحلوه فيها، والتى لا أراها تنتهى إلا بزوال هؤلاء الدمويين.

والحرب على الإرهاب، هى اللفظ المجمَّل للحرب على الإسلام، وقد أنطقهم الله -فى مناسبات كثيرة بعد الانقلاب- بحقيقة هذه الحرب، ففيما مضى كانوا يقسمون أغلظ الأيمان إن المقصودين بالحرب هم المتطرفون الذين يكفرون المجتمعات ويعادون الشعوب والحكومات، وقد صدقهم كثير من الناس لما رأوه من سلوكيات طائشة بالفعل من جانب تلك الجماعات.. أما اليوم -وتحديدًا منذ يوم الانقلاب فى 3 يوليو 2013- فقد صارت الحرب موجهة مباشرة ضد المظاهر الإسلامية وضد التدين بشكل عام، وهناك محاولات واضحة لاستئصال منابع الإسلام الصحيح الذى ورد عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستبداله بدين آخر على هوى الفنانين والفنانات، ويرضى عنه أيضًا اليهود والنصارى وغيرهم من الملل والنحل المعادية للدين. 


وإذا كانت الغاية تبرر الوسيلة فى فكر العسكر الذين يدينون بالمذهب العلمانى المادى القح.. فإنهم اتخذوا إجراءات دموية ضد مواطنيهم لكسب رضا الغرب والحصول على فتات موائده؛ ليأخذوا وأولادهم أغلبها ويلقوا بما تبقى للشعب المستخف به، وليكسبوا أيضًا رضا (الخليجين) داعمي الانقلاب بلا حدود فتنادوا فيما بينهم أن أعطوا الانقلابيين كل ما تستطيعون من دعم مادى ومعنوى لإفشال هذا الحكم.. ونحن على ثقة أن ذلك الإنفاق كله سيكون إلى زوال، وسيكون مصير أصحابه النار وبئس المصير {فّسّيٍنفٌقٍونّهّا ثٍمَّ تّكٍونٍ عّلّيًهٌمً حّسًرّةْ ثٍمَّ يٍغًلّبٍونّ} [الأنفال: 36]، وهو ما نراه واقعًا من فشل ذريع للعسكر فى المجالات كافة، رغم ما تلقوه ويتلقونه من هؤلاء الأعراب. 


أما الغرب فيحلو له ما يفعله العسكر، قد يقول قائل: إن الغربيين أغبياء وإنهم لم يستفيدوا من دروس الماضى، وأن الحركة الإسلامية التى يعملون ضدها بكل قواهم ويشركون الأنظمة الإسلامية الغبية فى ذلك.. قد استفادت من هذه الحرب وصارت أكثر قوة وانتشارًا.. أقول: إن الغرب يدرك هذه التطورات جيدًا، ويدرك أن الإسلاميين تزداد شوكتهم بعد هذه المحن، لكنه يريد -أيضًا- أن يفرغ الدول نفسها من قوتها، ويدخلها فى حرب أهلية (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا) إيذانًا بالقضاء على مؤسساتها، ثم تخريبها، ولو جاء الإسلاميون لحكمها فسوف تكون خرابة (الصومال)، وساعتها سوف تبدأ الحلقة المفرغة التى لا يقر لصاحبها قرار. 


أما الانقلابيون فقد أعمتهم مصالحهم وغرتهم زهرة الحياة الدنيا عما يخطط لنا، بل ساروا جزءًا من هذا المخطط لا يملكون الفكاك عنه، فهم ترس فى آلة، أو فرد فى عصابة سيكون مصيره القتل إن زاغ أو انحرف عن الهدف المرسوم له، من ثم فإن (الحرب على الإرهاب) صارت شارة وشعارًا لمن يريد أن يدخل فى تلك المنظومة، وهو إن دخلها لن يستطيع الخروج منها، وينطبق عليه ما ينطبق على الساقطات فى عرف تلك الفئة التى أوحلت نفسها، فإنه فى البداية يكون العطاء كبيرًا والاهتمام عظيمًا والمدح لا ينقطع، ثم يقل هذا الاهتمام وينقطع المديح حتى تصير الساقطة ذليلة، تقبل بتنازلات أكبر وتقنع بعائد أقل.. وقد رأينا ما فعله الأعراب مع العسكر، فقد شجعوهم ودعموهم للقيام بالانقلاب، ثم أغدقوا عليهم لفترة، ثم قل هذا الإغداق، واليوم انقطع، بل سمعنا وزيرًا من وزرائهم يسب المصريين ويدعوهم للتسول بعيدًا عن إماراتهم الغارقة فى التخلف والفساد. 


وإن كان من أمر بالمعروف لأهل المنكر، فإنى أوجهها للانقلابيين: أن أفيقوا، وعودوا إلى رشدكم، واعلموا أنما أنتم فى نظر الغرب كدمية طفل، سوف يلعبون بكم ساعة ويقضون منكم حاجتهم، ثم يلقونكم كما تلقى تلك الدمية الهالكة، أما الضرر فيقع على الجميع؛ لعظم الجرم الذى فعلتموه، وللفتنة الكبرى التى أشعلتموها بين الناس.