طرحت الأيام القليلة الماضية، أحداثًا عدة، وقرارات عدة، وإجراءات عدة، سواء في القاهرة أو إسطنبول أو الدوحة، أو تونس، ذهب فيها المفسرون مذاهب شتى، ووجلت منها قلوب، وفرحت بها عقول، وبات السؤال الأكثر عمقًا وتداولاً فيما يبدو لنا مع مطلع عام نضالي جديد، هو: ما العمل؟!.

 

في البداية يجب أن نشير بوضوح وجلاء إلى أن الثورة تحملت أهوالاً ضخمة وما ركعت، ودفع الثوار ضرائب باهظة وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وأنه لن يؤثر فيها إقالة خفير أو إغلاق قناة أو تقدم وقتي للباطل هنا أو هناك، فلدى الثورة الفرسان ولدى الثوار الوعي والإيمان ولدى الأمة الناهضة معركة حق كسبت فيها شوطًا وتعادل الخصم في شوط وتبقى الشوط الثالث للحسم.

 

ونري أن الرد على هذا السؤال الأهم، يتأسس على قواعد أربع، تعالج أصل الداء لا أعراضه، وتضبط المسار وهي:

 

أولاً: بوصلة المعركة

تدور رحى معركة عالمية دولية، تحت رعاية مجلس الغدر والطغيان، ضد إرادة الشعوب الشرقية المسلمة والمؤمنة بالحقوق والحريات والمطالبة بالحق والعدل، وهي ليست معركة وطن ضيق أو معركة جزئية تخص جزءا من القوم أو الفكر، بل هي معركة أمة تريد أن تتحرر، ومعركة حضارة تحمل الخير للإنسانية، وهنا أنت جزء من معركة أكبر تدور في منطقة ترفض عصابة أمريكا والكيان الصهيوني أن تعيش حرة مستقلة متحضرة.

 

إن ثورتنا – ثورة 25 يناير - مصرية عربية إسلامية.. مصرية المكان والأهداف، عربية الآمال والطموحات، إسلامية الوقود والقاعدة، معركة الحضارة/ الهوية جزء منها، ومعركة الحرية مفتاح تطبيق كل الأهداف والتطلعات، ومعركة الاستقلال الوطني أساس جذري في الانطلاق والإنجاز، ومعركة القصاص جزء حيوي فيها، ومعركة العيش والتنمية بعد أساسي في طور استكمالها، ومعركة العدل قاطرة حراكها، وتحرر مصر هو بداية الحرية للقدس والشام والعرب.

 

ثانيًا: آليات المواجهة

تتعدد آليات المواجهة مع عصابة الاحتلال والاستبداد، وكل وضع له أداة مقاومة وآلية تحدي، فما يصلح في القدس لا يصلح في القاهرة، وما يصلح في دمشق لا يصلح لتونس، وما يصلح في ليبيا قد يصلح في العراق، وقد يصلح للجميع في وقت واحد نفس المسار والآليات، وأهل النضال والجهاد والمقاومة هم أدرى الناس بتحديد الآليات المناسبة في الوقت المناسب دون استعجال وتهور أو تباطؤ وتخاذل، وفق ضوابط الشرع الحنيف.

 

يقول شهيد القرآن سيد قطب في ظلال القرآن: "إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت والدينونة لله وحده- مهما عظمت وشقت - أقل وأهون من تكاليف العبودية للطواغيت! إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة - مهما لاح فيها من السلامة والأمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق! - إنها تكاليف بطيئة طويلة مديدة!".

 

ثالثًا: مآلات الصراع

إن المصارعة بين الحق والباطل "سنة من سنن الاجتماع البشري"، كما يقول الشيخ محمد عبده، ولكن مآلات الصراع بينهما، معروفة وثابتة، فالنصر حليف الحق كل حق، والهزيمة قرين الباطل كل باطل، يقول تعالى: "ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته".

 

يقول الشيخ محمد الغزالي: "إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، هناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته. والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها، فإذا ثبت، تحول كل شيء عندها لمصلحته وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً ويبدأ الباطل طريقه نازلاً".

 

رابعًا: فهم النصر

النصر كلمة تهوى لها القلوب والعقول معًا، لإنهاء الأوضاع الإجرامية، ولكن النصر نصران، شخصي بالثبات على الحق ودعمه ونصرته، وعام بانتصارات جزئية تراكمية أساسها الفرد، فلننصر أنفسنا ولنشارك في صناعة النصر العام، ولنعلم أيضًا أن هناك فرقًا بين النصر الأخلاقي وبين النصر الميداني، وقد حققنا الأول عندما تمسكنا بالمبادئ ورفضنا الانقلاب وأكملنا الثورة، ومازلنا في طريق تحقيق الثاني عندما نفرض كلمة الثوار وتحكم سلطة جماهير الثورة .

 

ومن هنا ننطلق، ومن هذا الأساس يمكن أن نجيب على سؤالنا ويبقي للجميع حق الإبداع والتفكير في وسائل تخدم على مراد السؤال، تنطلق من الآتي:

 

أولاً: الوعي والثبات، فلا بد من وعي ثوري واضح بطبيعة الصراع والثبات في مواجهة المحن، ولا وعي بدون ثبات .

 

ثانيًا: الإخلاص والإيمان، ويجب أن يعلو الإخلاص لله عز وجل والتجرد من أي حظ نفسي وحزبي، في ظل وجود إيمان بالله عظيم وإيمان بأن النصر من عند الله وإيمان بأن الباطل لا بقاء له، ولا إيمان حق بلا إخلاص للحق.

 

 ثالثا: التطوير والتثوير، وذلك باستمرار الدراسات والتقييمات والتجديد المبدع للمشهد الداخلي والخارجي وتجديد الدماء، والعمل علي إنزال جهاد العقل إلى أرض الواقع وتمكين الطاقات الخلاقة في مسارات تثوير لا تنقطع لجماهير الثورة بغية الإقناع والتصحيح .

 

رابعًا: التراكمية والتجذير، فالمعركة في مصر تراكمية النتائج، وتكرار تجربة الاستعجال والسلق الثوري وعدم تجذير المكتسبات اليومية من الحراك في التربة المصرية، قد يؤثر على تحفيز بركان الغضب ويؤخر انفجاره المطلوب في لحظات الحسم.

 

خامسًا: الاصطفاف والحشد، فالحق يجب أن يحشد أنصاره ويستعد لليوم الفاصل، والاصطفاف موجه للشعب بغية الحشد نحو الحق وعلى الحق، ولا حشد يجدي دون اصطفاف ولا اصطفاف ينفع دون حشد.

 

سادسًا: الجهاد والتضحيات، وهما أساس النقاط الخامسة السابقة، فلا قدرة علي إحداث الوعي والثبات والإخلاص والإيمان والتطوير والتثوير والتراكمية والتجذير والاصطفاف والحشد، دون اليقين بأن مسارنا الثوري هو جهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق، وبذلك تكون التضحيات واجب مقدس، وفي هذا يقول الإمام الشهيد حسن البنا: "وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه".

 

سابعًا: وحدة وتنسيق، فلا مواجهة لمجلس الغدر العالمي، إلا بوحدة مواقف ومصير وتضافر الجهود والتنسيق، بحسب الآليات المناسبة لكل مكان في الوطن العربي والإسلامي، كي تتقدم الشعوب الشرقية المسلمة على التوازي في معركة غدر تتواصل على التوازي تستهدف التفتيت والحيلولة دون قيام اتحاد فعال للدول الإسلامية والعربية مناط التمييز والترويع من مجلس الغدر العالمي الآن.

 

وتبقى كلمة:

إن الإمبراطورية الغربية في أفول، وقد ضربت عمقها مادية جارفة وعنجهية وتمييز، والعالم الإنساني بات في حاجة إلي الإسلام وقيمه، وثورة حضارة وتحرر، وحراك ربيع عربي مصطف خلف لواء الحق في مواجهة كل باطل، وثورتنا في مصر المتواصلة ضد أغبى انقلاب في التاريخ قد تكون شرارة هذا الانطلاق إذا أحسن الثوار صناعة النصر بعون الله.

-------------------------