أثبت وقف بث قناة الجزيرة مباشر مصر مدى هيمنة السلطات الحاكمة بالعالم العربي على وسائل الإعلام بشكل مطلق، وهو الأمر الذي ألحق الضرر بمصداقية قناة الجزيرة الإخبارية، بعد أن تأكد للمشاهد أن القناة تخضع لتوجيهات النظام.


أما باقي الفضائيات العربية فلا تحتاج لبرهان لخضوعها للحكومات، ولا فرق هنا بين أداء منحاز فج لقناة العربية، وأداء يدعي المهنية مثل إم بي سي، فالكل يخضع للتوجيهات على حساب الموضوعية والمهنية وحق المشاهد في معرفة الحقيقة.


وكان حشد الفضائيات المصرية الخاصة لتهيئة الساحة لقدوم نظام ما بعد الثالث من يوليو مثالا آخر، ثم استماتها في الدفاع عنه، حتى إنها كانت أكثر دفاعا من الفضائيات الحكومية.


 وهو ما يشير إلي طبيعة الحالة الإعلامية المصرية الرخوة، التي لم تتحمل فضائيات إسلامية محدودة الإمكانيات والانتشار لتقوم بإغلاقها، مثلما لم تتحمل قناة الجزيرة مباشر مصر، التي أثبتت شركات بحوث المشاهدة مدى انتشارها في البيوت المصرية.


ولا يختلف الأمر بالنظر إلي الصحف العربية الدولية، فجريدة الشرق الأوسط تمثل الأداء الصارخ في الدفاع عن النظام السعودي، بينما تحاول جريدة الحياة إدعاء المهنية في الممارسة، لكنها لم تستطع أن تفلت من التدخل في مضمونها، ولا يحتاج غير المتخصص جهدا كبيرا لكشف تنفيذها للسياسة الإعلامية السعودية.


ومن ذلك أنه حينما نشرت وكالة رويتر تقريرا لمنظمة العفو الدولية عن تقاعس دول الخليج، عن استضافة أي لاجئين سوريين، خلت تغطية الصحيفة لنفس التقرير من أية إشارة إلي دول الخليج واستبدلتها بتعبير دولا عربية.


وفي تغطيتها للأحداث في مصر فإن سجلها وافر بصور الانحياز، فعندما تغطي تظاهرات يوم الجمعة الأسبوعية ، تكون الصورة المصاحبة عادة لوقفات مؤيدة للنظام ، وهي تسمي تحالف دعم الشرعية، تحالف دعم مرسي، وفي تغطيتها لتحقيقات النيابة للتسجيلات المنسوبة لقيادات عسكرية، وصفتها بالتسجيلات المفبركة، رغم أن التحقيقات بشأنها لم تنته إلي نتيجة بعد.


وامتد نفوذ الحكومات وضغوطها علي وكالات الأنباء، ومنها وكالة رويتر التي نادرا ما تنشر شيئا عن ضحايا المظاهرات المعارضة للنظام الحاكم في مصر، ولا عن الاعتقالات المستمرة للمعارضين، ولا تنشر أية تصريحات لرموز المعارضة رغم وجود مكاتب لها في أنحاء العالم.


ولذلك فإن مهمة المواطن العربي لمعرفة الحقيقة تصبح صعبة، فليس أمامه سوي وكالات الأنباء الرسمية والصحف الحكومية، التي تنقل الأحداث بالشكل الذي تراه إدارات الإعلام بالجهات الحكومية، لتكرر الصحف والفضائيات الخاصة والعربية، نفس المضمون الرسمي لتغطية الأحداث.


ولا يقتصر الأمر علي النواحي السياسية بل يتكرر ذلك في الشأن الاقتصادي، فعلي المواطن أن يستسلم لبيانات طفرات النمو التي يحققها النظام الحاكم رغم ما يعانيه، وبيانات تراجع التضخم، وتصريحات تراجع معدلات البطالة، ونحو ذلك مما يتم نشره دون تعقيب من المراكز والجهات المتخصصة، والنتيجة فقدان المواطن الثقة في وسائل الإعلام وعزوفه عن الكثير منها، وانخفاض توزيع الصحف.


وساهم التطور الهائل في مجال الاتصالات، في إيجاد نافذة بديلة للإعلام الرسمي المتخم بالأكاذيب، لتظهر مواقع الكترونية تقوم بتجميع بعض الأحداث التي تستطيع تجميعها في ضوء إمكانياتها المحدودة، وافتقادها لشبكة خاصة من المراسلين، وفي ضوء التضييق الحكومي عليها، والذي وصل إلي حد اقتحام مقارها وتكسير أجهزتها ومطاردة واعتقال بعض العاملين بها.


وكانت شبكة التواصل الاجتماعي ملاذا لنشر الأخبار الكاشفة للأكاذيب الحكومية، رغم اعتقال البعض لمجرد كتابته لآراء معارضة علي صفحته الشخصية، في انتهاك واضح لنصوص الدساتير التي تنادي بالحريات، وصمت ما تسمي بجمعيات حقوق الإنسان بالداخل والخارج، وما تسمي بالأحزاب السياسية التي ترفع شعارات الليبرالية.


لكنه في النهاية لن تستطيع الحكومات مهما قامت بإجراءات للتضييق علي الوسائل الإعلامية أو علي القائمين عليها، أن تحجب الحقيقة، بعد ظهور المواطن الصحفي، فتغريدة واحدة يمكنها إيصال الحقيقة إلي الملايين في لحظات.


 ورسالة هاتفية مصورة ستؤدي نفس الغرض، ومهما بلغ جبروت الرقابة الالكترونية للمواقع والهواتف، فلن تستطيع منع الاتصال الشخصي بين الناس لنشر الحقيقة، والذي أثبت خبراء الإعلام أنه سيظل أقوى الوسائل الإعلامية تأثيرا، من كل الوسائل الإعلامية المعروفة من صحف وإذاعة وتليفزيون.