وهل سألت الله له الوسيلة، وهى منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لواحد من خلق الله، وقد رجانا حبيبنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله أن يمنحه إياها؟، وهل شهدت- فى ذكرى مولده- بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وأنه تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؟


إذا لم تفعل ذلك فافعله، بل أكثر منه، فإن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ذكر مختار، وعمل عظيم تؤجر عليه، وشرف لا يحوزه إلا المخلصون المقدرون لفضل وجلال خاتم الأنبياء صلى الله عليه سلم.. ولقد أمرنا المولى- سبحانه وتعالى- بهذا الذكر فى كتابه العظيم قال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) (الأحزاب:56)، وقال المعصوم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، "صلوا عليَّ فإنها زكاة لكم وسلوا الله لى الوسيلة من الجنة".. فاللهم صل عليه وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقامًا محمودًا الذى وعدته، إنك لا تخلف الميعاد..


نشهد يا ربنا أن محمدًا قد أبلغنا رسالتك، وأنه كان ذا عزم وهمة، ما اعتراه ضعف أو تردد، بل كان أمة قانتًا لك، ورث عن أبيه إبراهيم رشده وحجته وحنيفيته، دعا إليك بالحكمة والموعظة الحسنة، وصبر وغفر، وجاهد فى سبيلك بالنفس والمال، وكان همه: أن ترضى عنه، فإنه من نطق فى أثناء المحنة: "اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى سخطك أو يحل على غضبك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".

 

كما نشهدك يا ربنا أنا نحبه حبًا لا يفوقه حب سوى حبك، فإنه صاحب الفضل بعد فضلك، من هدانا إلى الإيمان بعد أن هديتنا، فاللهم كما هدانا للإسلام صل عليه يا مولانا فى الأولين وفى الآخرين وفى الملأ الأعلى إلى يوم الدين..


إنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، من انفكت به العقد، وصلحت به الأنفس، وأخرج الضلال من الظلمات إلى النور بإذن ربه.. ولولا فضل الله على الدنيا ورحمته بأهلها وإرسال هذا النبى الرحيم، لعم الكفر الأرجاء ولساد الشر مشارق الأرض ومغاربها، ولقسا الخلق على أنفسهم قسوة الأنعام على ضعفائها، غير أن الله رحم به الناس، ومنع به القساوة، وجعل به فى قلوب الناس دينًا ورأفة (وّمّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ للعّالّمٌينّ)(الأنبياء: 107)؛ فاللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، عدد ما أحاط به علمك وخط به قلمك وأحصاه كتابك، وارض اللهم عن ساداتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.


إن الصلاة عليه لا تعنى تحريك الشفاه بذكر لا نعيه، ولا بادعاء حبه و(الموت فيه!!)، بل بتحريم ما حرم، وإتيان ما أمر وحب ما أحب وكره ما كره، وبالتخلق بخلقه والاستنان بسنته، فإنه الأسوة والقدوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.. وإذا كان قد ظهر الفساد فى البر والبحر فإن ذلك وقع لعدم تمسكنا بما أمرنا به فى كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أننا تمسكنا بهما ما ضاع قرش ولا درهم، ولا سطا لص على بيت، ولا رفع مسلم سلاحًا فى وجه مسلم، ولحلت الرحمة محل القسوة، ولصارت الأثرة إيثارًا والهلع صبرًا وسكينة، ولرأينا الأعداء إخوة متحابين مؤمنين متعاونين على البر والتقوى.. إن هذا هو عين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاء لقوم ضلال فهداهم الله به، فقراء فأغناهم الله من فضله، أعداء فجمعهم الله به على الهدى والرشاد { $ّاذًكٍرٍوا نٌعًمّتّ پلَّهٌ عّلّيًكٍمً إذً كٍنتٍمً أّعًدّاءْ فّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌكٍمً فّأّصًبّحًتٍم بٌنٌعًمّتٌهٌ إخًوّانْا} [آل عمران: 103].. فاللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين، إنك حميد مجيد..


صلى الله عليك، فى ذكراك، يا نبينا يا جواد يا كريم، يا رؤوف يا رحيم، يا من غفرت لمن أساءوا إليك، وعفوت عمن أخرجوك وطردوك من أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليك، يا من رحمت الضعفاء وحنوت على السفهاء ولم تقهر يتيمًا ولم تنهر سائلا ولم تزجر خادمًا، ولم تضرب مخلوقًا ولم تؤذ نفسًا قط، بل كنت رحمة من رحمة الله وسعت من أحبوك ومن عادوك على السواء، ففك الله بك أمة أسرها الجهل وأعماها الضلال وغشيها الكفر، فانطلقت فى طريق الخير وسبل السلام لا تساميها أمة من الأمم، فكان فضل الله عليك عظيمًا.. فاللهم صل وسلم وبارك على محمد..


يا أمة الإسلام، ادرسوا أخلاق نبيكم، وتمسكوا بها، فإن في التمسك بها الفلاح والنجاح، فما خاب قوم ساروا على درب من قال الله فيه (ّإنَّكّ لّعّلّى خلٍقُ عّظٌيم)(القلم: 4)، ولن يكون هناك حل لأزماتنا ومحننا إلا بالتخلق بالأخلاق الإنسانية، وأي خلق أرقى من خلق من أدبه ربه، وعلمه واصطفاه على سائر خلقه.

يقول واصفًا نفسه: "أدبني ربى فأحسن تأديبي وربيت في بني سعد".

صلى الله عليك صلاة تامة دائمة إلى يوم الدين، يا حبيبي وقرة عيني يا محمد يا رسول الله.