تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام، المسموعة والمرئية والفسبوكية، من حين لآخر، بأخبار عن عروض ومبادرات ومفاوضات تجري بين النظام الانقلابي الحاكم في مصر، وبين قياديين في جماعة الإخوان المسلمين أو التحالف الوطني لدعم الشرعية، أو غيرهم. وآخر ما أتحفتنا به هذه الوسائل هو أن د. محمد علي بشر تلقى عرضا بعد القبض عليه للمصالحة بين النظام والإخوان تتضمن اطلاق سراح المعتقلين وأن يشكل هو الحكومة، وأشياء أخرى، تداولتها هذه الوسائل، وتلقفها أيضا بعض المتلقين، وكأنها حقائق لا تقبل الشك، رغم ما فيها من تناقض وعوار واضح يصعب تصديقه، فالدكتور بشر كان حرا طليقا لأكثر من عام بعد الانقلاب، فلماذا يعرض عليه هذا العرض بعد القبض عليه، واذا افترضنا أن هذا هو نوع من الضغط عليه، أليس المعني بهذه المبادرة الافتراضية التحالف أو الإخوان، أم أن المعني هو د. بشر بشخصه بحيث لا تتوافر لديه وسيلة لإبلاغ أحد بها لدراستها وقبولها أو رفضها، وتبقى بعد ذلك المبادرة سرية؟!
 
أولا، وحتى لا ندخل في مثل هذا الجدل، فقد تم التأكد من عدم صحة أية أنباء حول فتح السلطات لنقاش مع د. محمد علي بشر في محبسه، وذلك من خلال تواصل أسرته معه مؤخرا لدقائق أثناء العرض على النيابة، حيث نفى أي تواصل معه من أي نوع نفيا قاطعا..
 
بالنسبة لي على المستوى الشخصي، فقد كنت متأكدا من عدم وجود أية اتصالات أو مبادرات من هذا النوع، لسبب بسيط، وهو أني بصفتي أحد من كانت تطالهم أنباء المشاركة في مثل هذه "الحوارات" أعلم يقينا أنه، على مدار عام ونصف، لم تحدث محاولة واحدة جدية من النظام الانقلابي في مصر لفتح حوار من أي نوع أو التراجع عن موقفه المبدئي بوأد أية توجهات لرفض النظام الانقلابي القائم، وذلك لكي يتمكن من الانفراد بالسلطة المطلقة في البلاد. والمتتبع لمعدل ظهور مثل هذه النوعية من الأخبار يجد أنها لم تتوقف منذ مجزرة فض رابعة وصولا إلى ما بعد اعتقال د. بشر، وأنها تنسب لمصادر مجهولة في كل مرة بصيغ مختلفة، وهي تظهر بمعدل شهري تقريبا. كان منها أن السيسي كلف عمرو موسى بالتواصل مع د. بشر ومنها أن السلطات عرضت على د. بشر تأسيس حزب سياسي أو تم التواصل مع الفريق سامي عنان أو غير ذلك مما يتم نفيه في كل مرة، إلا أن البعض ما زالت لديه قناعة راسخة بوجود مثل هذه الاتصالات.
 
و على الجانب الأخر، فان الكثيرين من داعمي الشرعية يظنون أن نشر أخبار مكذوبة عن تلقينا عروضا للمصالحة والمشاركة في تشكيل وزاري ورفضنا لها يصب في صالح مقاومة الانقلاب، والحقيقة أن أي خبر مكذوب مهما كانت طبيعته هو استخفاف بالرأي العام الذي عودناه الصدق، ونحن لا نريد أن ندعي بطولات بناء على أمور غير حقيقية. فإذا كان منهج سلطات الانقلاب هو تلفيق التهم ونشر الكذب، فإن منهجنا هو تحري الصدق ونشره سواء صب ذلك في صالحنا سياسيا أم لا.
 
وللمزيد من الشرح، يبدو لنا أن سلطات الانقلاب تريد أن توصل عدة رسائل، عن طريق وسائل وأساليب مخابراتية تقليدية، في ظل الضغوط التي تتعرض لها من جهات مختلفة، فتختلق مثل هذه الأنباء المكذوبة، وتنشرها عبر الأذرع المخابراتية المختلفة، للوقيعة بين القوى الثورية والزعم بأن تحالف دعم الشرعية يجري صفقات سرية ويبيع من خلالها الآخرين. والرسالة الثانية لجهات خارجية تفيد بأن أنصار الشرعية لا يعجبهم العجب وأنهم صداميون وأن السلطات تطرح عليهم حلولا وهم يرفضونها. والرسالة الأخيرة لمؤيدي الانقلاب في الداخل للبرهنة أنهم يسعون لإيجاد مخرج سياسي للأزمة التي وضعوا فيها البلاد وأن الطرف الآخر لا يريد لها حلا. والحق أن سلطات الانقلاب هي التي لم تسعَ يوما لأي حل يحقن الدماء في مصر ولا تريد سوى إقصاء مخالفيها حتى أولئك الذين أيدوها وساعدوها في بداية الانقلاب. والوقائع خير شاهد.
 
إن موقفنا المبدئي والثوري يفرض علينا درجة من الشفافية السياسية مع الشعب الذي صوت في خمسة استحقاقات سياسية على مدار ثلاث سنوات لينسف نتائجها الانقلاب في لحظات، وهو الشعب الذي ضحى ولا يزال يضحي في سبيل نيل حريته المكبلة، ودفاعنا عن الشرعية هو دفاع عن حرية هذا الشعب أولا وعن خياراته التي أعلنها بوضوح في صناديق الاقتراع قبل أن يكون انتصارا لشخص أو حزب أو جماعة. من الواضح للكثيرين الآن أن الانقلاب لم يكن على رئيس منتخب أو حكومة حزب، وإنما على ثورة يناير بمطالبها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وهي مطالب نعتبرها الهدف الأسمى وتشكل المطلب الذي لا يختلف عليه كل المخلصين لهذا الشعب ولكفاحه المشروع في سبيل نيل حريته وكرامته. وكل جهود مقاومي الانقلاب مهما تعددت مشاربهم إنما تصب في تحقيق هذه الغاية.
 
و في النهاية أود أن أقول بكل وضوح أنه لا يملك أي شخص تفويضا في أن يفرط في دماء الشهداء والجرحى، ولا يملك أن يلغي حق القصاص العادل بحق كل من ارتكب جرائم في حق هذا الشعب، ولن يفرط أحد في مطالب الشعب في الحصول على حقوقه، فإلى مطلقي هذه الشائعات، أريحوا أنفسكم فلن يؤدي ذلك إلى شيء، أما الثوار ورافضي الانقلاب فليتجاوزوا هذه الشائعات والافتراءات، وليركزوا في العمل على الأرض، فهذا هو الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق وضمان الحريات.
#مصر_بتتكلم_ثورة 
--------
(عربى 21)