- الرجل يفكِّر في الزواج الثاني عندما يشعر بالقهر

- غياب توعية الأزواج الجدد وراء زيادة حالات الطلاق

 

تحقيق- هدى سيد

كثيرًا ما صدَّعت رؤوسَنا الجمعياتُ النسائية في الوطن العربي بأفكارٍ ودعواتٍ حول تحرير المرأة من ظلم الرجل، ومن يتابع مؤتمرات هذه الجمعيات يتصوَّر أن الرجل العربي قادم لتوِّه من الغابة للانتقام من زوجته، وكأنه لم يسبق له أن رأى المرأة التي غمرته بحبها وحنانها كالأم أو الأخت أو العمة أو الخالة، ويزداد الأمر سوءًا عندما يزعم أصحاب هذه الأفكار أن المرأة الريفية أو الصعيدية تعاني من الظلم أو القهر مع أن هذه المرأة بالذات لو خيَّروها بين حياتِها التي تعيشها وبين الأهداف التي تسعى الجمعيات النسوية لنشرها لاختارت وضعَها الراهنَ الذي تنعم فيه بالهدوءِ والاستقرارِ والاطمئنان.

 

غير أنَّ حالاتٍ خاصةً في مجتمعنا تشهد نماذج معكوسة، حيث تبدو فيها المرأة في صورة المسيطرة التي تتحكم في كل شيء في حياة أسرتها، ويصل الأمر إلى قهر جميع أفراد الأسرة ليصبح الرجل هو التابع المطيع المستسلم لأمرها، وكم من مواد إعلامية سواء أفلام أو مسلسلات عرضت صورة هذه الزوجة المسيطرة صاحبة الشخصية المهيبة على زوجها وأبنائها، ويخافها جميع أفراد الأسرة ويعملون لها ألف حساب.

 

تقول آية محمد: بعد وفاةِ والدي تولت أمي مسئوليتَنا، وأصبحت تعاملنا بحزم وشدة حتى نشب على الشجاعة وقوة الشخصية، أو كما يُقال: أصبحت كالرجل في قوةِ شخصيتِه وصلابتِه حتى في التعامل مع الناس، وعندما يتقدَّم لخطبتي أحد تسيطر هذه الشخصية على أمي، وتضغط على العريس بمطالبَ كثيرةٍ وتعامله بقسوة، حتى يخرجَ ولا يعودَ هروبًا من الطلباتِ والتكاليف من ناحيةٍ، وخوفًا من أن يتزوجَ هو من فتاةٍ شخصيتِها مسيطرةً مثل أمها.

 

أما أحمد السيد فيقول: كانت زوجتي مطيعةً وهادئةً، ورزقني الله منها بطفلَيْن، ولكن تغيَّر حالها تدريجيًّا، خاصةً بعد وفاة والدها الذي كان له تأثيرُ السحر في حياتها من النصح والإرشاد والتوجيه لكلِّ ما فيه خير، ولكن بعدما سلَّمت أذنيها لحماتي (أمها) أصبحت لا ترى إلا مصلحتَها هي فقط، حتى أن طفلَيْها أهملتهما، وبدأت تختلق المشكلاتِ حتى نغَّصت عليَّ حياتي، ثم في النهاية طلبت الطلاق بتحريض من أمها التي سيطرت على عقلِها وحياتِها، وتمَّ الطلاق بعد سِنين الزواج الهادئة السعيدة.

 

أما سمر فإنها كانت كلما أرادت شيئًا أو نقودًا وطلبته من والدها قال لها: (اسألي ماما).. اطلبي منها.. خذي منها ما تحتاجينه، فاكتسبت أمها رغمًا عنها الشخصية المسيطرة لكثرة سفر والدها وعدم تعقله في إنفاق ماله، حيث كان يضيع جلَّ ما يكسبه في أشياءَ ترفيهيةٍ وليست ضروريةً، لذلك ترك المسئولية للأمِّ للتحكم في ماله وفي حياة أسرته كلها، وذلك لطبيعته غير المستقرة وغير المسئولة بما يكفي لإدارة البيت وشئون الحياة.

 

ولم تستطعْ أمنية أن تنسى أن سيطرةَ حماتها هي السبب في طلاقها رغم مرور 7 سنوات على ذلك، فقد كانت مسيطرة على عقول أبنائها جميعًا خاصةً زوجها السابق، حتى في أول أيام الزواج لم يكن يخلو موضوع من قرارها ومشورتها ورأيها الذي لا بد أن يكون هو الصواب، حتى وصل الأمر للضرب والإهانة من الزوج إرضاءً لسيطرة أمه عليه وكانت النهاية بالطلاق في أول شهور الزواج.

 

ليست نزهة

توضح د. سمية الألفي- أستاذ أصول التربية بكلية التربية جامعة عين شمس- أن المشكلة تتمثَّل في غياب التربية الأسرية الحقيقية للنشء عندنا، حيث لا يوجد منهج للإعداد للحياة الزوجية بما يوضِّح مسئوليةَ الزواج وأنه ليس نزهةً أو حياةً جديدةً فقط.

 

لذلك ترتفع نسبة الطلاق في سنواتِ الزواج الأولى لعدم فهم كلا الزوجين طباعَ الآخر ومعرفته بحقوق وواجبات شريك حياته، فالزوجة المسيطرة أو الزوج المسيطر يبحث كلً منهما عن حقِّه فقط، ولا يدري عن مسئوليته شيئًا.

 

وترجع أسباب سيطرة الزوجة على الأسرة إلى غياب الزوج المستمر في عمله، مما يجعل دفةَ الحياة في يدها، وقد تكون شخصيتُه ضعيفةً ليس له رأيٌ، مما يؤهِّل الزوجةَ أن تكونَ هي صاحبةَ الرأي والقرار في حياة الزوج والأبناء، وبذلك تكون هي المسيطرةُ على حياتِهم بشكلٍ واضح.

 

وقد تتسبَّب صعوبة الحياة ومشكلاتها المتواترة في وضع الزوج في مواقفَ حرجة كثيرة لم يعتد على مواجهتها، لذلك يفضل أن يترك القرارات داخل الأسرة للزوجة بحكم وجودها المستمر مع الأبناء.

 

وتضيف د. سمية: أن قيام الزوجة باتخاذ القرار داخل الأسرة يجعلها تتقمص شخصية الرجل، وتحاول أن تبدوَ شديدةً وتأخذ كل الأدوار، وتحمل بذلك نفسها أكثر مما تتحمل، وقد يجدها الزوج فرصةً ويريح نفسه من هذا العناء، ولا يواجه المشكلات بل بتجنبها لذلك نجد المرأة نفسها في مواجهة هذه المشكلات مع تنحي الزوج عن دوره في حلها لعدم تعوده على تحمل المسئولية ومواجهة المواقف، وشيئًا فشيئًا تعتاد الزوجة اتخاذ القرارات، ويعتاد الزوج ذلك والأبناء أيضًا.

 

وتشير إلى أن حلَّ هذه المشكلة إنما يعود إلى ضرورة التربية منذ الصغر وإعداد أجيال قادرة على تحمل المسئولية وواعية لدورها تجاه نفسها والآخرين، فالحياة الأسرية مشتركةٌ ليس فيها سيطرة لطرف دون الآخر، إنما تقوم على التعاون والمشاركة فيما يخص مصلحةَ جميع أفرادها، فحل أي مشكلة ينبغي أن يشارك فيه الزوجان، وعلى الزوجة أن تعيَ دورَها وأنها شريكة للرجل وليست مسيطرةً عليه ولا بد للرجل أن يدركَ مدى مسئوليتِه داخل الأسرة، ويجب أن يعلمَ أنه قائد السفينة وله مكانته وكلمته داخل الأسرة.

 

ويجب أن يعتاد الأبناء على المشاركة في بناء هذه الأسرة المشاركة في الحوار فيما يخص حياتهم والمشاركة في اتخاذ القرار، فلا سيطرة لطرف دون الآخر حتى تستمر الحياة ولا تنهدم الأسرة.

 

وضع مقبول

تؤكد د. إحسان محمود- أستاذ علم النفس بكلية الطب جامعة بنها- أن ثقافة السيطرة في مجتمعنا الشرقي مقبولة من طرف واحد فقط وهو الزوج؛ ظنًّا أنه الأقوى جسديًّا وفكريًّا، وأنه بذلك يحقق قوامته على المرأة.

 

ولكن أن تكون الزوجة مسيطرةً فهذا هو غير المعقول، وإذا فسرنا هذه المسألة لوجدنا لها عدة أبعاد، أولاً قد يكون سبب سيطرة الزوجة هو غياب الزوج في سفر أو عمل مستمر، فلا يكون له استقرار في البيت حتى يتفهم مشكلات أبنائه، فلا يكون لديه دراية بأن الزوجة تقوم بهذا الدور حتى تحافظ على استمرار حياتها وحياة أبنائها.

 

وتضيف: قد تكون الزوجة ضحية قهر أبيها لأمها فتخرج معلنةً رفضَها التام لسيطرة الرجل على المرأة، لذلك تقرَّر في داخلِها أن تتمرَّدَ على طبيعتِها وعلى أنوثتها، وتكون لها الكلمة والسيطرة، فهذا رد فعل نفسي للإحساس والقهر ومحاولة لتعويض ذلك بأسلوب عكسي.

 

وقد يرجع السبب إلى الزوج الذي تربى في جوٍّ اعتاد أن تسيطر فيه أمه على أبيه وعلى البيت كله فلم يستطع بعد الزواج أن تكون له الكلمة في البيت، فترك الأمر لزوجته كي تسير عليه كما سيطرت أمه على أبيه.

 

وقد يكون لدى المرأة اعتزازٌ شديدٌ بعقلِها وثقافتها وثقة شديدة في نفسها، فترى أنه لا يمكن لأحد أن يكون له رأي فوق رأيها، وقد تتزوج من هو أقل منها في ذلك، لهذا لا تقبل أبدًا بسيطرته عليها حتى لو كان زوجها.

 

وتبين د. إحسان أن من واقع ملاحظاتها وخبرتها أن الطرف المسيطر غالبًا ما يكون الرجل، وأن النماذج القليلة تكون للمرأة، وترى أن انعكاس الوضع وسيطرة الزوجة واتخاذها جميع القرارات في حياة الأسرة لا يجعل الحياة سليمةً؛ لأن الضغط المتزايد على المرأة المسيطرة يؤثِّر على صحتِها النفسيةِ والجسمانيةِ؛ لأنها تكون في حالة تفكير دائم وتركيز مستمر وقلق وضغوط أكثر مما تحتمل.

 

ومعها تفقد المرأة شيئًا من فطرتها وطبيعتها كأنثى تحتاج إلى حماية الرجل المادية والمعنوية وتحتاج إلى الشعور بقوة الرجل وقدرته على تحقيق الأمان والاستقرار لها ولأسرتها، وكذلك قدرته على اتخاذ القرار المناسب واستطاعته إدارةَ شئون بيتِه وأهله بما ينفعهم.

 

ولعودة الأمور إلى سياقها الطبيعي لا بد أن يتقبلَ كل إنسان دورَه في الحياة، وأن يرضى كلا الطرفين بحياته ويعرف حقوقه وواجباته، فلا تشعر الزوجة أنها أقل من الرجل لمجرد أنها امرأة، ولا يستغل الزوج مفهوم القوامة بشكل خاطئ فيسيطر على زوجته في كل شيء.

 

وعن استمرار هذا الزواج من عدمه تؤكد د. إحسان أنه من الممكن أن يستمر الزواج إذا رضي الطرفان بهذا الوضع، وقد يفشل الزواج في سنواته الأولى لعدم تكيف الزوج مع هذا الأمر وينفجر رافضًا هذه السيطرة من الزوجة.

 

وقد يستمر الزواج سنوات ولكن في النهاية نجد الزوج- خاصةً إذا كان في مركز مرموق- قد يتزوج من خادمته أو من امرأةٍ بسيطةٍ لا تتناسب مع مكانته؛ لأنه أحس بفقده رجولته مع زوجته حتى في أدق الخصوصيات، لذلك يبحث عن امرأة تشعره أنه رجل له كلمة على زوجته ولتأكده من هذه الخادمة لن تتعالى عليه أو تسيطر عليه في يوم ما.

 

شقائق الرجال

ويوضح د. بركات دويدار- رئيس قِسم الشريعة بكلية أصول الدين فرع طنطا (سابقًا)- أن سيطرةَ الزوجة على بيتها تتنافى مع مفهوم القوامة عليها والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34).

 

فالقوامة هنا للرجل هي أن يقوم على شئون أهله ليس معناها السيطرة على أفكار الزوجة ومشاعرها؛ بل هي شريكة للرجل في هذه الحياة، وإكرامها من حسن الخلق، وقد أوصى بها نبي الرحمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حيث قال "النساء شقائق الرجال".

 

ولا شك أن المرأة بطبيعتها وفطرتها هي التي تعطي العاطفة والحنان والاحتواء، فالأم دورها عظيم في حياة الأبناء، ووجودها مع أولادها وقتًا طويلاً شيء أساسي بل ضروري، خاصةً في سنوات عمرهم الأولى، وبالتالي تكون لها آراء وقرارات خاصة لهم بحكم خبرتها، ولكن ذلك لا ينفي رأي الأب وحكمته، فكل منهما له وجهة نظر تتكامل مع الآخر، ولا يمكن أن يكونَ مصير الأسرة سليمًا برأي أحدهما فقط.

 

فعاطفة المرأة وفطرتها الوديعة الرقيقة تتنافى مع تقمصها دورَ الرجل وسيطرتها على مقاليد الأمور داخل الأسرة، بل إنه يحدث نوعٌ من الخلل النفسي والاجتماعي في حياة الأبناء، فلا يدري الابن مَن الرجل فيهما فضلاً عن نهي الله عز وجل عن تمني أن يكون أحدهما مكان الآخر، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إن اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)﴾ (النساء).

 

فالدفء الأسري والحياة المستقرة لن يتحققا إذا تخلقت الزوجة بطباع الرجال وغفلت عن فطرتها وأنوثتها وحاجتها إلى قرار الرجل وقوامته، وكذلك لا تهنأ الحياة إذا انسحب الرجل من حياة زوجته وأبنائه، وتركها تواجه مصير أسرتها وحدها، وجعلها تعاني من أمواج الحياة المتلاطمة، ثم يلقي عليها المسئولية كلها.

 

فعدم قيام الزوج بمسئوليته إثم يعاقبه الله عليه كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول"، وللزوجة ألا تحمِّلَ نفسَها فوقَ ما تطيق، وألا تغيِّر من فطرتِها وطبيعتِها، وإنما تقوم بدورِها بما يُرضِي الله عز وجل حتى لا ينعدمَ من البيوت الراحة والسكن والدفء.