فى تصريحات اعلامية وعد محافظ البنك المركزى المصرى ، بالتوصل لعلاج مشكلة تراجع صرف الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكي ، وتحقيق استقرار سعر الصرف خلال الشهور القليلة القادمة ، وفى قول آخر قبل مؤتمر المانحين بشرم الشيخ الذى سيعقد فى منتصف مارس القادم ، فهل يملك البنك المركزى تحقيق الحل ؟



فمشكلة تدهور قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية ، ترتبط أساسا بالعرض والطلب على العملات الأجنبية ، فإذا كان هناك وفرة فى المعروض من العملات الأجنبية عن الطلب عليها ، تحقق الاستقرار لسعر الصرف ، بل يمكن أن تحقق قيمة الجنيه تحسنا أمام العملات الأجنبية حينذاك .



والعكس صحيح ، فإذا زاد الطلب عن المعروض تدهورت قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية ، كما هو الحال منذ فترة ، بسبب نقص العديد من موارد النقد الأجنبي ، منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير ، مثل السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر ونقص الصادرات السلعية والخدمية .



ولقد تم تعويض ذلك النقص عن طريق المعونات الخليجية التى بلغت حوالى 20 مليار دولار ، بعد الانقلاب العسكرى فى الثالث من يوليو 2013 ، حسب تصريحات المسؤلين ، لكن ظروف انخفاض سعر البترول ، والذى يمثل السلعة الرئيسية لدى دول الخليج ، وانشغالها بملفات أخرى اقليمية أدى لتراجع قيمة المعونات ، مما زاد الموقف ارتباكا .



Ö Ö وعادة ما يقوم البنك المركزى بتحقيق الاستقرار لسعر الصرف ، من خلال ضخ كمية من تلك العملات بالسوق كلما نقص المعروض ، وبالطبع يكون ذلك على حساب الاحتياطيات من العملات الأجنبية الموجودة لديه .



ولهذا فإن البنك المركزى وفى ضوء سياساته النقدية عادة ما يختار أحد سبيلين وقت انخفاض المعروض من العملات ، إما تحقيق استقرار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية على حساب الاحتياطى ، أو السماح بتحرك سعر الصرف للحفاظ على الاحتياطيات من العملات الأجنبية .



وفى فترة تولى المجلس العسكرى كان التركيز على استقرار سعر الصرف ولو على حساب الاحتياطى ، وبالتالى نقصت قيمة الاحتياطيات من 36 مليار دولار الى 5ر15 مليار دولار .



وفى فترة الرئيس مرسى ونظرا لانخفاض الاحتياطى ، سمح البنك المركزى بتحرك محدود لسعر الصرف للحفاظ على أرصدة الاحتياطيات ، وبالفعل ترك مرسى الحكم ولم ينقص الاحتياطى خلال عام توليه سوى حوالى نصف مليار دولار .



وفى عهد الانقلاب العسكرى ساهمت المعونات الخليجية فى رفع قيمة الاحتياطيات ، واستقر سعر الصرف الرسمى بعض الوقت ، إلا أن عدم تلبية البنك المركزى لاحتياجات المستوردين والشركات من العملات الأجنبية ، قد صنع طلبا اضافيا بسوق الصرافة خارج البنوك .



مما زاد من الفجوة بين السعر الرسمى وسعر السوق الموازية ، ولجأ المركزى الى العقوبات الادارية على 13 شركة صرافة إلا أن الفجوة السعرية بين السوقين زادت اتساعا ، وتسبب سداد مستحقات دولة قطر وتغطية الواردات السلعية التموينية ، وسداد أقساط الديون النصف سنوية فى تآكل الاحتياطيات لتصل الى 3ر15 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضى ، فى ضوء انخفاض المعونات الخليجية .



وفى يناير تم دفع القسط نصف السنوى من ديون نادى باريس بحوالى سبعمائة مليون دولار ، مما قلل من قدرة البنك البنك المركزى على تلبية احتياجات المستوردين من العملات ، فلجأوا الى السوق الموازية لتدبير احتياجاتهم ، مما زاد من الفجوة السعرية بين السوقين .



ومع اقتراب موعد مؤتمر المانحين فى منتصف مارس ، وأهمية وجود صرف سعر واحد أمام المستثمرين ، وجد البنك المركزى نفسه مضطرا لخفض قيمة الجنيه أمام الدولار عدة مرات خلال أيام متوالية ، فى محاولة لتضييق الفجوة السعرية مع السوق الموازية بعد أن كاد السعر به يلامس الثمانية جنيهات ، وهو تصرف يبرهن بوضوح على اخفاق البنك فى تحقيق وعوده السابقة بتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف .



Ö Ö أما عن أسباب ذلك الاضطرار من جانب البنك المركزى ، فمنها أن جانب كبير من موارد النقد الأجنبى لمصر لا تدخل فى حساباته ، فإذا كانت بيانات ميزان المدفوعات المصرى خلال العام المالى الأخير 2013/2014 ،تشير الى بلوغ موارد النقد الأجنبى 7ر79 مليار دولار ، فإن بعضها فقط يدخل فى حسابات البنك المركزى ،مثل دخل قناة السويس والمعونات الخليجية ومتحصلات الخدمات التى تقدمها القنصليات المصرية بالخارج .



لكن قيمة صادرات الشركات الأجنبية العاملة فى مصر تدخل خزائن تلك الشركات ، سواء كانت شركات صناعية أو بترولية أو سياحية أو طيران أو غير ذلك ، بل أن جانبا من تلك الحصيلة تقوم تلك الشركات بضخها الى بلادها الأصلية .



وحتى الشركات المصرية التى تحصل على عملات أجنبية من خلال صادراتها ، تقتطع منها نسبة كبيرة تمثل قيمة المكون الأجنبى داخل تلك الصادرات ، كذلك فإن بعض الموارد الدولارية مثل المعونات ليست ذات طبيعة متكررة مما يصعب معه الاعتماد عليها ، كما أن بعضها يتأثر بعوامل خارجية ، فإنخفاض سعر الفائدة بالدول الغربية أدى لانخفاض حصيلة عوائد الودائع المصرية بالخارج .



وهكذا نجد أن حصيلة الموارد البالغة حوالى 80 مليار دولار لا يستقر جانبا كبيرا منها بالبنك المركزى ، وعلى الجانب الآخر فإن البنك المركزى مسؤل عن تدبير العملات لشراء سلع البطاقات التموينية من زيت وسكر .



ومسؤل عن تدبير نفقات استيراد القمح لصنع الخبز ، وعن استيراد المنتجات البترولية من بوتوجاز وسولار وغيرها ، كا أنه مسؤل عن تدبير أقساط الديون وفوائدها الدورية ، وعن تدبير عملات لسفر المسؤلين للخارج ومن معهم من وفود اعلامية ، وعن استيراد مستلزمات مواجهة المظاهرات ، ونفقات البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج .



ومن هنا يتضح المأزق الذى يمر به البنك المركزى حاليا ، حيث المطلوب تدبيره من العملات أكبر مما يصل إليه ، خاصة أن دوره مقيد بظروف تراجع الموارد والنمو المستمر فى احتياجات الاستيراد ، سواء بسبب زيادة السكان أو تغير الظروف الاقتصادية مثلما سيحدث بضرورة تدبيره قيمة استيراد كميات من الغاز الطبيعى ، وفى نفس الوقت فقدان قيمة صادرات الغاز الطبيعى السابقة .



وهكذا يصبح الحل الجذرى لمشكلة سعر الصرف ، بزيادة موارده سواء كانت صادرات سلعية وخدمية أو سياحة ، أو تحويلات للمصريين بالخارج أو خدمات نقل أو استثمار أجنبى ، أما التعويل على الاجراءات الادارية تجاه شركات الصرافة فقد ثبت فشله خلال السنوات الماضية وخلال الشهور الأخيرة ، لأن حل مشكلة سعر الصرف فى يد المجتمع الاقتصادى كله ، وليس فى يد البنك المركزى .