- أنور وجدي قام بتقبيل يد الإمام البنا ورأسه
- قائد الجيش المصري رفض اعتقال الإخوان
حوار- وليد شلبي
الأستاذ محمد نجيب راغب أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين وأحد الذين التقوا الإمام الشهيد حسن البنا عدة مرات وسمع وعايش الكثير من المواقف التي لا تُنسى عن الإمام، أثرت فيه وأسهمت في تكوين شخصيته وساعدته على العمل للدعوة محتسبًا لله، غير عابئ بعوامل السن وانشغالات الدنيا.
وُلد الأستاذ محمد نجيب عام 1930م في قرية ششتا بمحافظة الغربية، وتعرَّف على الإخوان منذ صغره وهو في عامه الثاني عشر، وحضر الكثير من أنشطتها وأحداثها وانضم إلى النظام الخاص، وعاصر حروب فلسطين والقنال، واعتُقل عدة مرات.. كان لنا معه هذا اللقاء ليروي لنا ذكرياته عن الإمام الشهيد من خلال ما شاهده وعاصره.
* متى قابلت الإمام الشهيد حسن البنا للمرة الأولى؟
** أول مقابلة كانت عام 1942 في زفتى؛ حيث كان من عادة الإمام البنا أن يزور قرى القطر المصري ليرى الشعب المصري ويلتقي بالإخوان عن قرب، وكان يريد معرفة تفاصيل عن الشعبة التي يزورها، ويحرص على النزول عند كبرائها؛ وذلك لحماية الدعوة وإنزال الناس منازلهم، حيث كان ينزل على وجهاء البلد دائمًا، وفي قريتنا (ششتا) نزل عند عم العمدة وكان من وجهاء المحافظة وممن لهم حيثية فيها وزارها مرتين عام 1942م وعام 1943م.
وكان يسبقه الجوالة بأعداد كبيرة وبتنظيم رائع ودقيق، مما أدهش القرية بتنظيمها وروعتها وزيها المميز، وأُقيم حفل حاشد بالمدرسة؛ لأنها كانت هي المكانَ الوحيدَ الذي يتسع لهذه الحشود، وألقى كلمةً عظيمةً ظلت تتداول معانيها بين الناس لفترة طويلة وما زالت آثار هذه الكلمة في نفسي إلى الآن.
* وأول لقاء شخصي لك مع الإمام الشهيد؟
** أول لقاء شخصي كان عام 1945م في المحلة في الكتائب، حيث كان حرص الإمام الشهيد على حضور الكتائب ليكون في وسط الإخوان ويشرف على تربيتهم ويتعرف عليهم عن قرب، وبعد ذلك عندما انتقلت إلى إمبابة، حيث كثرت اللقاءات بالإمام الشهيد، خاصةً في الكتائب، حيث كان يقضي الليالي في وسطنا، وكنا في ذلك الوقت شبابًا، وكنا نسعد بلقائنا معه وكان أثر لمساته الإيمانية علينا كبيرًا للغاية.
* هل تكرَّرت المقابلات مع الإمام بعد ذلك؟
** كان الإمام البنا يسأل الأستاذ هنداوي دوير كثيرًا عن شباب المحلة، لذلك كان كثيرًا ما يأخذنا معه لمقابلة فضيلة المرشد، وكنت أذهبُ معه للمركز العام مع مجموعة شباب المحلة بصفةٍ شبه مستمرة.
وكان الإمام الشهيد عظيم الاهتمام بالطلبة والعمال؛ لأنه كان يدرك أنهم العمق الإستراتيجي للدعوة، وهم الوقود الدافع لها وهم عصبها؛ لذلك كان يحرص على الالتقاء بهم كلما سنحت الفرصة، ويشرف على بعض الأنشطة الخاصة بهم.
كما كان الإمام بعيد النظر باهتمامه بصورة كبيرة جدًّا بشباب الوافدين من الأقطار الأخرى، حيث كان يلتقي بهم ويوليهم الكثير من وقته وجهده، مما ساعد على نشر الدعوة في العديد من دول العالم الإسلامي.
الإمام وأنور وجدي
* موقف لا تنساه للأستاذ البنا؟
** موقف عظيم ينمُّ عن سعة أفق الإمام- يرحمه الله- وسعيه لتوحيد الأمة بمختلف عناصرها وقواها واتجاهاتها حتى المستبعدة منها وخاصةً الفنانون في تلك الفترة وحتى الآن؛ وهو موقف ذكره لنا أحد سكرتيري الإمام المرشد، حيث كان أحد الإخوان في البنك الوطني وقابله أنور وجدي وذهب إليه، وقال له يا حسن بيه أنا سعيد بمقابلة حضرتك ولكن يؤلمني أنكم تنظرون إلينا على أننا قدوة غير صالحة وغير أمناء على الشباب، فقال له الإمام: مَن قال ذلك؟ أنتم لو أتقنتم وأخلصتم عملكم وقدمتم الفنَّ الهادف ستكونون معنا في طريق الدعوة بفنكم الهادف وتوجيه الناس، فعندما سمع أنور وجدي هذا الردَّ الجميل من الإمام بكى أنور وجدي وقبَّل يده ورأسه.
آثار البنا
* كيف ترى الآثار التي تركها الإمام البنا؟
** الإمام البنا حمل هَمَّ الدعوة إلى الله من وقتٍ بعيد، واستشعر الخطر الداهم المحدق بها، وبدأ يحث الأمة كلها، وخاصةً العلماء للتحرك لإنقاذ البلد من براثن المحتل، واعتبر ذلك من صميم الدين، وقد اتخذ خطواتٍ عمليةً كثيرةً منها مقابلة علماء الأمة الكبار أمثال الشيخ يوسف الدجوي، مما كوَّن جمعية الشبان المسلمين.
ولم يقتصر دور الإمام على الجانب الدعوي فقط؛ ولكنه قابل بعض القادة العسكريين أمثال الفريق عزيز المصري والصاغ محمود لبيب، الذي كوَّن أكثر من 70 ألف جوال في الفترة من الثلاثينيات حتى 1946م، وكانوا نواة العمل العسكري للإخوان في فلسطين والقناة.
كما أنه لم يتركْ مجالاً يَظن أن فيه خدمةً الإسلام والبلد كلها إلا وكان له فيه دعاة لخدمة الدين والوطن، فحملوا أعباء الدعوة، مما ساعد في انتشارها في جميع طبقات المجتمع.
والإمام البنا هو الذي غرس فهم الإسلام الشامل في الأمة كلها، فأحياها وأيقظها، خاصةً بعد ضياع الخلافة، وكان ينادي من على المنابر لتجييش الأمة لخروج المستعمر وعدم الركون إلى مشايخ السلطة المثبطين لروح الجهاد، وقد تمَّ التحقيق معه بسبب هذه الدعوات لمقاومة المحتل؛ لأنهم أفسدوا علينا ديننا وحياتنا، واستغلوا الإعلام وبخاصة الصحافة لتضليل الأمة وإبعادها عن أهدافها، ولولا يقظة البنا لانهارت الأمة، فقد كان رحمه الله ممن بعثوا في الأمة روح الجهاد وأحيا فيها العزةَ بالانتساب للإسلام، وقد كان لدعوته ولرجاله عظيم الأثر ليس في المجتمع المصري فحسب، ولكن في المجتمعات الإسلامية قاطبة.
ولعل من الأمثلة الواضحة والجلية لتأثير الإمام على المجتمع بمختلف طوائفه ما حدث أثناء المحاكمة في قضية السيارة الجيب؛ حيث دافع محامي الإخوان عن وجود أسلحة لدى الإخوان، بأنها كانت لمقاومة المحتل وللحرب في فلسطين، وقال إن الإخوان حريصون على مقاومة اليهود ودعم الفلسطينين والحفاظ على الجيوش العربية.
وطلب شهادة فؤاد باشا صادق قائد الجيوش العربية الذي حضر وأيَّد هذا الكلام، وأكد أن الإخوان هم القوة الوحيدة القادرة على نصرة العرب والمسلمين، وقال إنه رفض وضع الإخوان في السجون أثناء الحرب لأنهم أبطال لا يجوز وضعهم في السجن، وذكر موقفهم المشرف في إنقاذ التبة 86 واستعانة الجيش المصري بمجاهدي الإخوان لتحريرها.
كما كان في شهادة عبد الرحمن باشا عزام والبطل أحمد عبد العزيز ما أكد بطولة الإخوان وبلاءهم الحسن في فلسطين.. وهذا يدل على أن الدعوة أثَّرت في كل مَن تعامل معها عن قرب ولمس صدقها وصدق وإخلاص العاملين فيها والقائمين عليها.
البنا والعالم الإسلامي
* كيف كانت علاقة الإمام بالعالم الاسلامي؟
** كما قلت من قبل، كان الإمام كبيرَ الاهتمام بالوافدين لنشر الدعوة في مختلف الأقطار، ومن هذه الأمثلة التي رأيتها الأستاذ عمر الدايل والشيخ محمد محمود الصواف، حيث كانا ممن تتلمذا على يد الإمام وأسسا دعوة الإخوان في العراق، وكان لهم أثرٌ كبيرٌ في كثير من الأقطار، وقد قابلت الأستاذ عمر الدايل في أثناء زيارته للأستاذ محمد حامد أبو النصر والأستاذ مصطفى مشهور ورأيته مهتمًا جدًّا بالدعوة في مختلف الأقطار ملمًّا بها بدرجة أدهشتني وتنم عن مدى حرصه على الدعوة في كل مكان من العالم.
ولعل في انتشار دعوة الإخوان في أكثر من 70 دولةً نتاجًا لاهتمام الإمام بعالمية الدعوة وضرورة انتشارها في العالم كله، وأدعو الله أن يجعلها في موازين حسناته.
* في النهاية نصيحة توجهها للشباب؟
** نصيحتي للشباب اتباع منهج الإخوان، ليس تحيزًا؛ ولكن لشموله وتبنيه للتربية بمختلف أنواعها كمنهجٍ للتغير والإصلاح، وهذا ما أثبتت التجارب صحتَه، وفي التاريخ عبرة، إن هذا المنهج الوسطي المتدرج هو أنجح الوسائل للتغيير، رحم الله الإمام الشهيد مؤسس دعوتنا ومجدد هذا القرن، ونسأل الله أن يجعل جهد جميع العاملين ممن تبعوا منهجه في ميزان حسناته.