بسم الله الرحمن الرحيم

التكامل بين الدعوي والثوري ضرورة حياة للأمة

دعوتنا هي دعوة الإسلام الشامل الذي ينتظم شؤون الحياة جميعًا، ولذا فقد اتسعت لكل خير في الحركات الإصلاحية والتنظيمات الأيديولوجية والجمعيات الاجتماعية والأنشطة الثورية، فحينما بدا في الأفق أن ظروفًا عصيبة قد تحول بين قائد الدعوة وإخوانه سارع إلى تأكيد حقيقة الدعوة التي اجتمعوا عليها وترك ذلك للأجيال من بعدهم، فقال: "إذا قيل لكم إلام تدعون فقولوا ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه"، وأعداؤنا قبل أصدقائنا يعلمون أن لدعوة الإخوان هدفين رئيسيين


أولاً: أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي.


ثانيًا: أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الله وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلي مبادئه القويمة، وتبلغ دعوته الحكيمة للناس.


وأصبح معلومًا للكافة، أعدائنا قبل أصدقائنا، أن مراحل الدعوة هي التعريف والتكوين والتنفيذ، ولما كانت نشأة الدعوة في مصر مضى الإخوان في تعريفهم بدعوتهم بكل وسائل التعريف، فذهبوا إلى الناس في المقاهي والنوادي وعمروا بهم المساجد والشعب، ولم يتركوا قرية ولا نجعًا إلا وصلوه، ولم يتركوا شريحة من شرائح الأمة أو طبقة من طبقات المجتمع إلا بلغوهم الدعوة، وتكونت منهم الأسر التكوينية التي جعلت شُعَبَهم ودُورَهم وشركاتهم الاقتصادية ومؤسساتهم الإصلاحية وجمعياتهم الخيرية محاضن تربوية، تخرج قدوة حسنة من المصلحين الاجتماعيين والمناضلين السياسيين والمجاهدين في سبيل تحرير أوطانهم.

تلقت شعوب العالم الإسلامي الدعوة بقبول حسن في كل أوطاننا العربية وكثير من أوطان العالم الإسلامي؛ الذي كانت أغلب بلاده ترزح تحت الاحتلال، وشاركت في العمل الوطني لتحرير أوطانهم؛ والذي تمثل في الثورات الشعبية والكفاح المسلح لطرد المحتل، وكان التكامل بين الدعوي والثوري ضرورة حياة لكل منهما.. هذا التكامل الذي وضحه الإمام البنا في قوله "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، تحتاج من ﺍﻷﻣﺔ التي ﺗﺤﺎﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ إلى قوة نفسية عظيمة، تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ﻭﻓﺎﺀ ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻠﻮﻥ ﻭﻻ ﻏﺪﺭ، تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﻣﺔ ﻋﻠﻴﻪ  و الخديعة بغيره".

نجح هذا التكامل بين الدعوي والثوري في إجلاء جيوش الاستعمار القديم، وبقيت أشكال هيمنة السلطان غير الإسلامي على أوطاننا متمثلة في الحكم العسكري المستبد أو الطائفي الحاقد أو العرقي الجاهلي، وكان هؤلاء أشد إفسادًا وتمزيقًا للأمة من عسكر الاحتلال وأكثر تمكينًا للعدو الصهيوني في فلسطين والقدس.

وكان الربيع العربي - وفي القلب منه الثورة المصرية - جولة أخرى في الصراع مع الحاكم المفسد المستبد والثورة المضادة المدعومين من السلطان الأجنبي، وفي هذه الجولة دفعت الثورة العمل الدعوي في مساراته جميعًا من التعريف والتكوين والتنفيذ، فاختصرت عشرات السنين في توعية جماهير الأمة بعدد غير قليل من مستهدفات الدعوة ومقاصد الشريعة من العيش الذي يحفظ النفس والحرية التي تحرر الإرادة وتحفظ الدين والعدالة الاجتماعية وهي من العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض ثم الكرامة الإنسانية التي أرادها الله تعالى لبني آدم. 

ولما جرت سنة الله باختبار الدعوة والثورة جميعًا بالانقلاب والثورة المضادة تأكد هذا التكامل بين الدعوي والثوري، فشكلت الأنشطة الثورية منفذًا للدعوة ومحضنًا للتربية والتكوين ومجالاً للتجديد والابتكار في وسائل المواجهة والمقاومة المجتمعين، بعد أن سدت منافذ العمل السياسي أو المجتمعي الإصلاحي، وتجدد الأمل في جماهير الثورة بعد أن كاد اليأس يقعدهم أو يهوي بهم في أتون العنف، وأصبح على الثوار جميعًا أن يقدموا القدوة العملية في أداء روح التضحية؛ فلا ثورة بغير تضحية، فيكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، وعلى الثوار جميعًا حماية فكر الثورة من التطرف ووسائلها من العنف، بالجلد والصبر الجميل والتراحم والعفو عن الهنات التي تكون من بعضهم أو من الحاضنة الشعبية لهم، ويبقى الحذرومقاومة صنفين؛ هما: من خان وتولى كبر الانقلاب ، فأولئك يصدق فيهم قول الله عز وجل: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) وأما من نافق وأعان أو رضي وتابع فأولئك يصدق فيهم قول الله عز وجل: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين) فهولاء نستعين بالله عليهم فهو القادر أن يكف أيديهم أو يصيبهم بعذاب من عنده أو بأيدينا) ونستجيب لأمر الله عز وجل (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) ولا يزيدنا بغيهم إلا إصرارًا وإقدامًا على نضالنا الثوري الذي هو أقوى من الرصاص.

وها نحن مقبلون على موجة ثورية جديدة في يناير، فإعمالاً للتكامل بين الدعوي والثوري فليسارع الثوار جميعًا إلى النضال والتضحية العزيزة من أجل أوطانهم وأمتهم ومتطلبات حياتهم وكرامتهم من العيش والحرية والكرامة الإنسانية كل ذلك يكون في سبيل الله حتى يؤتيهم الله ثواب الدنيا بالنصر والعزة والرفاهية في أوطانهم وريادة الحضارة العالمية وتقديم الخير للناس جميعًا ويبقى لهم ما هو أعظم، من حسن ثواب الآخرة ورضوان من الله أكبر (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).


القائم بأعمال فضيلة المرشد

أ.د. محمود عزت

الأربعاء 29 ربيع الأول 1438هـ
الموافق 28 ديسمبر2016م