رصدت وكالة "بلومبرج" الأمريكية  زيادة طلبات المساعدة القانونية في مصر، لدى المحامين المتخصصين بعمليات الإفلاس بالبلاد، وذلك مع تدهور حالة الاقتصاد، وفرض إجراءات قاسية، لم تدخل إمبراطورية القوات المسلحة الاقتصادية ضمنها.


وقالت الوكالة في تقرير لها: إن محامي الإفلاس سلامة فارس تلقي سيلاً من الاتصالات الهاتفية منذ أن قررت الحكومة تعويم الجنيه ورفع أسعار الطاقة، ويسأل بعض المتصلين عن التبعات القانونية للتخلف عن سداد الالتزامات، في حين يشرح متصلون آخرون كيف أن ارتفاع التكاليف قد يرغمهم على إغلاق شركاتهم.


وقال فارس: إن "كل شيء يزداد غلاء وشركات كثيرة تعاني"، وانخفض الجنيه المصري نحو 50% منذ تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر الماضي، ويتوقع بعض الاقتصاديين أن يرتفع معدل التضخم في الفترة المقبلة إلى 20%.
ودفع التعويم بعض شركات الأدوية إلى وقف إنتاج الأدوية ذات الأسعار الثابتة، وقامت العديد من الشركات برفع أسعار منتجاتها من بينها شركة "إيديتا" للصناعات الغذائية، وشركة سوديك العقارية التي رفعت أسعار الوحدات السكنية ما بين 20% و30%.


وقال الرئيس التنفيذي لشركة "حسن علام للمقاولات": إن التكاليف ارتفعت بنسبة 20% ولا يمكن تحميل هذه الزيادة على العقود الحالية إلا إذا وجدت صيغة لاقتسام العبء.


وفي حين تستطيع شركته استيعاب هذه الزيادة، فإنه يخشى احتمالات الإفلاس التي تواجهها شركات البناء الصغيرة. ويشغل قطاع البناء نحو 12% من إجمالي قوة مصر العاملة، بحسب إحصاءات رسمية.


وفي هذا السياق، يرى رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاقتصادية أحمد مطر أن هذا التوجه يعد "استمرارًا للسياسات الاقتصادية الفاسدة وتكرارًا للتوجهات الخاطئة، فبدلاً من تشجيع الاستثمار وتهيئة المناخ للإنتاج يتم التوجه إلى سياستين سلبيتين هما الاستدانة والبيع".


واضاف: للأسف الشديد، بهذه السياسة الاقتصادية ستغرق مصر في مزيد من الأزمات؛ حيث سيتفاقم ضعف معدلات النمو وتزيد البطالة وينخفض دخل الفرد، فضلاً عما سيؤدي إليه التفريط في الأصول من ضعف لقوى الدولة المادية وإهدار لثروات هي ملكية خالصة للأجيال المقبلة".


وحذر د. مطر من أن بيع المرافق العامة سيؤدي إلى "عدم السيطرة على إدارتها، وبالتالي ارتفاع أسعار خدماتها، ومن ثم أسعار كل ما هو معتمد على تلك الخدمات، وهو الذي سيزيد من معاناة الشعب المصري وخاصة الطبقات الفقيرة".


وأشار إلى أنه "كان من الممكن تقبل تلك السياسة إذا أجريت بشفافية وتم توجيه عائدها إلى صناعات ومشاريع جديدة، إلا أن المتوقع توجيهه لسداد الديون وهو ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية".


وهذا التفسير يتفق معه الدكتور مصطفى شاهين، مدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأمريكية، إذ لم يستبعد أن يكون الهدف من هذه القرارات في النهاية هو إبعاد المنافسين "لينفرد الجيش بالسيطرة على السوق الاستهلاكي بمصر".
بدأ 2017 بأزمة حادة في النقد الأجنبي، إذ كانت مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية قد تبخرت على مدى عامين سابقين دون أن يظهر لها أثر في تحريك عجلة الاقتصاد.


وما زاد الأمر تعقيدًا أن الاقتصاد المصري عند تلك النقطة كان قد أدمن استهلاك النقد الأجنبي؛ حيث أصبحت البلاد شديدة الاعتماد على الاستيراد، ولا سيما مع تآكل القاعدة الإنتاجية، وقد بلغت قيمة واردات مصر ثمانين مليار دولار في عام ٢٠١٥.


وسمحت كل تلك العوامل بأن يبدأ الجنيه المصري انحدارًا غير مسبوق، فمع شح العملة الصعبة وانكماش احتياطي النقد الأجنبي ظهرت السوق السوداء باعتبارها بديلا واقعيا للنظام الرسمي الذي صار عاجزا عن توفير الدولار للمستوردين والمصنعين والأفراد.


وكان لنقص الدولار أثر واضح في مختلف جوانب الاقتصاد، فقد نفد صبر الشركات الأجنبية العاملة في مصر - ومنها شركات الطيران - لأنها لم تعد قادرة على تحويل أرباحها إلى خارج البلاد بسبب نقص الدولار، وقامت بعض الشركات بتقليص عملياتها في مصر لهذا السبب.
 
وفي جانب الاستيراد صارت يد الحكومة مغلولة في شراء العديد من السلع الأساسية، وهو ما أحدث سلسلة من الأزمات التي كانت وراءها عوامل أخرى أيضًا.
 
وبعد أن أدرك الموردون العالميون مشكلة نقص الدولار في مصر وصعوبة تمويل مشتريات السلع الأساسية أحجم كثير منهم عن التقدم بعروض في مناقصات مختلفة للقمح والسكر وزيوت الطعام والوقود.