قال: أراك نادرًا ما تكتب عن أسرى السجون وقد بلغ بهم العنت وسوء الحال ما قد علمت.

 
قلت: بل هم في العين والقلب وفوق الرأس، ولو كانت لنا دعوة نظن أنها مستجابة فسوف تكون لهم، ونحن رهن إشارتهم وطوع بنان أهليهم وأبنائهم؛ لأنه سيأتى يوم -قل عسى أن يكون قريبًا- سيتقدم هؤلاء الأكارم الصفوف، يقودون الأمة لتحريرها؛ فيكسرون أصنامها، ويطهرون أرجاسها، ويحيون ما اندرس من أخلاقها، وينقذون شبابها من ضلال المضلين وفساد المفسدين، ويسعون بالخير فى أرجاء المعمورة، وينشرون البر فى أنحاء المحروسة، ويقطعون على المنافقين طريقهم، ويفسدون على اليهود حلمهم، أولئك قوم اصطفاهم الله ليجددوا أمر الدين، ويدفعون عن أمتنا كيد الكائدين وتآمر الخائنين.
 
 قال: لماذا لا تدعمهم طوال الوقت إذًا؟
 
قلت: هؤلاء لا ينتظرون دعمى أو دعم غيرى، ولا يعنيهم من كتب لهم أو عليهم؛ لأنهم فى عالم آخر؛ عالم أهله عرفوا الحقيقة، وخُيروا فاختاروا؛ فهانت عليهم الدنيا وما فيها، فلا أبالغ إذا قلت إننا من نحتاج دعمهم، بل رأينا ذلك واقعًا؛ فمنهم من يرسل برسالة من الداخل يقول فيها: أبلغوا الأهل والأحباب أن يصمدوا فإنا -بفضل الله- صامدون.
 
 قال: لكنك تعلم أنهم عرضة للتنكيل من شر البشر فليس أقل من أن ننشر هذه التجاوزات ونتحدث عن تلك الانتهاكات..
 
قلت: هذا واجب؛ لفضح المجرمين وتعريتهم، لكن اعلم أن هذا التنكيل لن يتوقف -إلا أن يأتى الله بأمره. ذلك أنها معركة طويلة، وصراع ممتد، والذى أسال دماء الآلاف؛ فى خطته أن يقضى على الـ(60 ألفًا) الذين يقبعون فى سجونه بالموت البطىء؛ بحرمانهم من الغذاء والدواء والعيش الآدمى، وبإكراههم على ترك مبادئهم، وإجبارهم على الإذعان له. كما فى خطتهم تدمير أسر هؤلاء الأسرى خارج المعتقلات؛ بإبعاد العائل الذى ربما ضاع بنوه وزوجه وهو فى سجنه.
 
قال: وما الحل إذًا؟ هؤلاء لا بد أن يخرجوا بأي ثمن.
 
قلت: هؤلاء ثمنهم غال، عندنا وعند سجانيهم. ثمنهم عندنا يساوى حياة أمة؛ إذ لولاهم لضعنا ولصرنا أثرًا بعد عين، ولضجت المحروسة بقطعان الصهاينة والمتصهينين، فالشهداء هم خط الدفاع الأول، بذلوا الدماء والأرواح لئلا يطئنا يهودى، والمعتقلون يبذلون حريتهم، وأمنهم، وسعادة ذويهم لئلا يجوز ذلك اليهودى، فهم خط الدفاع الذى ليس بعده خط آخر. وأما ثمنهم عند الخصوم فغال كذلك؛ فهم ورقتهم الرابحة، والكنز الذى يظنون أنه سيفتح لهم أبواب كل شىء؛  لذا يضعونهم تحت أعينهم ليل نهار؛ وكيف لا وهم رجال الدعوة وأسودها، وأبناؤها البررة،  وأداة حركتها، وعلماؤها العاملون الثقات -وحجزهم للقضاء عليهم كما سبق، أو ليقبلوا بالسوم والصغار فتنتهى المعركة.
 
قال: وهل نسكت على قتلهم وما يجرى لهم من إيذاء؟
 
قلت: لا تسكت، لكن لا تجعل هذه القضية هي أم القضايا ومحور الصراع؛ لأن قصة إخراجهم -بأي ثمن- لن تتم؛ لن يفعلها السجان، ولن يفعلها المسجون؛ فهؤلاء قوم نذروا أنفسهم لله، ونووا افتداء الأمة وكسر قيودها، ولن يكون ذلك إلا باحتمال حبسهم، وحرمانهم من حرياتهم، وهم يعلمون أن ذلك أمر معلوم في الدعاة إلى الله، ويعلمون أن العاقبة لمن صمد وثبت، وأن النصر صبر ساعة، وأن الخصم على باطل، وأن الباطل خُلق زهوقًا، وأنه لو انتهت هذه العصبة الصالحة لعدنا إلى الجاهلية الأولى، على أيدى مخادعين من أبناء جلدتنا يتسمون بأسمائنا ويتزيون بزينا وهم حلفاء أعدائنا..
 
قال: لكن ألا تشعر بحر الصيف وقرّ الشتاء ثم تستحضر حال هؤلاء الأفاضل ومنهم كبار السن والمرضى وذوو المناصب وأصحاب الجاه الذين لم يعتادوا هذه المشاق.
 
قلت: يا أخي هؤلاء التحقوا بالدعوة وهم يعلمون مشاقها، وحرها وقرّها، وذُكِّروا مئات المرات بذلك العنت، وعايشوه، ورأوه رأى العين، فتلك أمور لا تفت فى عضدهم كما تظن، بل تزيدهم إصرارًا وعنادًا وغيرة على دينهم، وحبًا لدعوتهم وإشفاقًا عليها، وفى الصحبة إيناس وقوة، ومن صفات الذين آمنوا أنهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر. فلتكن يا صديقي مطمئنًا أنهم في مأمن من الجزع والهلع، وأن من كان الله وليه فلا يخاف ولا يحزن، ولا يجزع ولا يفزع.