تحل اليوم ذكرى ثورة 23 يوليو 1952بما أحدثته من تغييرات جذرية في بنية المجتمع المصري والعربي.

 هذه التغييرات ظلت مصر تعيش في ظلها طيلة ما 66 عاما تحت حكم العسكر، الذين كان مكانهم الطبيعي على الحدود لمواجهة الأخطار التي تحيط بالوطن، وليس في الحكم.
 
فقد استيقظ الشعب على واقع ثورة ضباط الجيش يقودهم اللواء المهيب المحبوب محمد نجيب وتلقوه بالترحاب قبل أن يستيقظوا على فاجعة اعتقال نجيب وتكبيل البلاد والعباد طيلة هذه الفترة.
 
وانتقلت مصر من الملكية إلى عصر الجمهورية العسكرية، والتي نقلت الشعب إلى عالم الخوف الممنهج، فهل أخطأ الإخوان بمشاركتهم لهذه الثورة؟
 
كانت انطلاقة الإخوان المسلمين بعدما سقطت الخلافة الإسلامية عام 1924م، ومحاولة الاحتلال الاجنبي وأذنابه طمس الهوية الإسلامية للمجتمعات، وتغيير تركيبة المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ولذا كان من أهداف الإخوان الحفاظ على الهوية الإسلامية وطرد المحتل الانجليزي الجاثم على أراضي الوطن الإسلامي.
 
فشلت كل المفاوضات مع الاحتلال للخروج من البلاد – سواء بشكل متعمد من قبل أذنابه في السلطة، أو غيرها – ولذا أيقن الإخوان – وعموم الشعب – أن المحتل لن يخرج إلا بالقوة.
 
وجاءت فكرة النظام الخاص لدى الإخوان من تاريخ الحركات المدافعة عن أوطانها، ومن خلال المنطلقات القرآنية والسنة النبوية، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال 60).
 
ولم يكن النظام الخاص وليد اللحظة، أو بدعة ابتدعها الإمام الشهيد حسن البنا، لكن سبقه تشكيلات عسكرية كثيرة مثل القمصان الزرقاء  التي شكلها حزب الوفد بمعرفة سعد زغلول ، والقمصان الخضراء التي شكلها حزب مصر الفتاة ليواجه القمصان الزرقاء قبل أن يصدر محمد محمود باشا – رئيس الوزراء قرارا بحل هذه التشكيلات( ).
 
كما انتشرت المجموعات الفدائية السرية بمصر في محاولة منها للرد على اعتداءات الجنود الانجليز وتصرفاتهم تجاه جموع الشعب المصري , رجالا و نساء، بل قامت بعض الحركات باغتيال بعض العناصر التي كانت عونا للانجليز مثل جماعة حسين توفيق الذي اغتالت الوزير الوفدي أمين عثمان( ).
 
وكانت خيانة معظم السياسيين للقضية المصرية دافعا لكثير من الشباب، بل وكثير من العسكريين أن يلتحقوا بالتشكيلات الخاصة للإخوان المسلمين، خاصة أنه كان على رأس التشكيل العسكري رجل مشهود له بالوطنية، هو الصاغ محمود لبيب، وما أن ألقى عبد المنعم عبد الرؤوف ببذرة الفكرة وسط العسكريين حتى سارع عدد منهم للالتحاق بالنظام الخاص للإخوان، يقول جمال حماد: اتضح فيما بعد أن سبعة ضباط من أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار انضموا في توقيتات مختلفة إلى صفوف الإخوان المسلمين وهم: جمال عبدالناصر وعبدالمنعم عبدالرؤوف وكمال الدين حسين وعبداللطيف البغدادي وحسن إبراهيم وصلاح سالم وخالد محي الدين( ).
 
تدافعت الأيام وتزاحمت حتى اندلعت حرب فلسطين والتي شارك فيها عدد كبير من الضباط، كما شارك فيها متطوعي الإخوان المسلمين، والذين أبلوا بلاءا حسنا بشهادة القادة، ولفتوا أنظار العسكريين، ليكونوا أداة تعاون في إزاحة النظام الملكي وحكومته الفاسدة فيما بعد.
 
لم يؤمن الإخوان بالتغيير بالقوة إلا إذا استنفذت كل الوسائل الطبيعية، لكن مع الحرص على الأرواح والممتلكات – وهذا كان سبب تردد المستشار حسن الهضيبي في المشاركة بالثورة بهذه الطريقة – لكن لتوغل الفساد في كل مؤسسات الدولة، حتى أضحى الأمر من الصعوبة بمكان، توصل الإخوان لاتفاق مع العسكر على إزاحة الملك وحاشيته والمساهمة في التغيير.
 
لم يلتفت الإخوان إلى طبيعة العسكر – بعدم قبولهم المدنيين بسهولة – لان هدف الإخوان هو تحرير الوطن من الاحتلال والفساد، وهذا كان دافعا قويا للمشاركة في أحداث الثورة.
 
لقد سبقت الثورة أحداث هزت المجتمع سواء اندلاع الحرب في القنال – والتي شارك فيها الإخوان وكان لهم بصماتهم( ).
 
ثم كان حريق القاهرة والذي غيب الفاعل الحقيقي وراء هذه الجريمة والتي أحدثت هزت محتمعية، ثم جاء حادث جنود الإسماعيلية الذين حصروا وقتلوا على أيدي الجنود البريطانيين، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهيئت الجميع لتقبل التغييرات التي ستحدث.
 
لقاءات متسارعة
 
وضع الضباط الأحرار خططهم وطريقة سيطرتهم على الأوضاع إلا أنهم تبينوا حاجتهم الى قوة شعبية مدنية تحمي ظهورهم – خاصة أنهم غير معروفين وسط المجتمع، بالإضافة لصغر سنهم – ولذا كان التفكير الجدي في الاستعانة بالإخوان المسلمين كأكبر قوة شعبية لها مكانة في نفوس الناس ، بالإضافة لقدرة أفرادها التنظيمية، وجاهزيتهم البدنية والعسكرية.
 
ولذا سعى بعض الضباط لعقد لقاءات مع قادة الإخوان المسلمين، والتي تمت بالفعل في كثير من الأماكن، وقد أفرد لها حسن عشماوي – أحد قادة الإخوان كتابا عبارة عن محضر اجتماعات بعنوان (الأيام الحاسمة وحصادها).
 
ولقد ذكرت الأهرام في صفحاتها تحت عنوان « الإخوان يؤيدون الجيش ويؤازرونه ويدعون إلى حماية نهضته الصادقة»( ).
 
ويؤكد المؤرخ أحمد عطية الله بقوله: أن ساعة الصفر للثورة قد تقررت ليلة 21 يوليو 1952بمنزل صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد بحضور جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ، وأن اجتماعات عقدت بين ممثلي الإخوان وجمال عبد الناصر لمعاونة الحركة( ).
 
كما ذكر كمال الدين حسين – عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهورية : إن الإخوان المسلمين كانوا على علم بموعد الثورة قبل قيامها ، وأنه قد اتصل في 20 يوليو 1952 هو وعبد الناصر بالإخوان بمنزل صالح أو رقيق حيث أطلعوا على تفاصيل الحركة. وأن هؤلاء الأخيرين كان لهم متطوعون على طريق السويس لاحتمال تحرش قوات الانجليز بالثورة وأن أعدادا منهم كانت تقوم على حراسة المنشآت العامة والمرافق( ).
 
لقد شارك الإخوان بنظامهم الخاص وجوالتهم، وبعض القادة العسكريين أمثال عبد المنعم عبد الرؤوف الذي حاصر قصر رأس التين بالإسكندرية واشتبك مع حامية الملك حتى أجبره على التسليم ليلة 26 يوليو، وأيضا أبو المكارم عبد الحي الذي حاصر قصر عابدين بالقاهرة، يقول حسين حموده: عندما نشبت الثورة في 23/ 7/ 1952 اشترك عبد المنعم عبد الرءوف فيها وحاصر قصر رأس التين بالإسكندرية وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش( ).
 
ونجحت الثورة
 
في 23 يوليو استيقظ الشعب على واقع جديد، لم يحلموا به طيلة ليلتهم، ولم يشاركوا في صنعه، لكنهم تقبلوا الحدث وقبلوا بالوضع الجديد، في ظل الظلم الذي كانوا يحيون فيه، وفي ظل تأييد الإخوان لقائد الثورة اللواء محمد نجيب، حيث حرص الإخوان في كل مكان يزوره نجيب أن يحشدوا الناس دعما للثورة، على أمل أن يعود الجيش إلى ثكناته، وأن يفسح المجال للحياة النيابية والديمقراطية، وأن يسن دستور جديد للبلاد يرسم المستقبل الذي يصنعه الجميع، غير أن كل ذلك كان حلم عاش فيه الجميع حتى استيقظوا على فاجعة رفض العسكر مغادرة الحكم، حيث حولوا مصر لسجن كبير بعدما ضمنوا دعم القوى الغربية في محاولة لضرب الحركة الإسلامية والذي تم بالفعل مع وقوع حادث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954م.