بقلم: أحمد مصطفى

 
عندما أعلن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن نيته التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير كانت الصدمة هائلة هزت الشارع المصري إذ أن الجميع تبين أن قائد الانقلاب يبيع بالفعل جزءا من التراب الوطني , واندفع الأحرار يرفضون جريمة الخيانة العظمى التي ارتكبها العميل الصهيوني.
 
هذه الجريمة فتحت ملف دولة مصر والسودان معا, وهي أراضي وادي النيل التي تصل حدودها إلى تشاد والصومال, وكانت جميعا في دولة واحدة حتى وهي تحت الاحتلال الأجنبي. 
 
وكان مجيء العسكر إلى الحكم شؤما على وحدة هذه البلاد , وذهب الفاشل صلاح سالم إلى السودان ليعود بخفي حنين وتنفصل السودان عن مصر , بل أن انفراط العقد كان من توابعه انفصال جنوب السودان عن دولة السودان , ولم يكتف العدو بذلك فتجري المؤامرات لتمزيق السودان مرة أخرى, وهكذا يخططون لمصر أيضا.  
 
دولة واحدة
 
السودان امتداد طبيعي للأراضي المصرية، حيث وحدة الدين واللغة والمياه، وكان كل من السودان ومصر  يعيش حياة الفقر في ظل عدم وجود إمكانيات، أو المقدرة على الاستفادة بمياه النيل أو الأرضي الخصبة التي تميزت بها السودان.
 
ومنذ احتلال مصر أخذت بريطانيا على عاتقها فصل البلدين عن بعضهما، حتى تم ذلك على يد بطرس غالي حينما وقع اتفاقية الحكم الثنائي عام 1899م مع بريطانيا والتي بموجبه أغلقت بريطانيا السودان أمام الإدارة المصرية(2).
ومع ذلك لم تستطع بريطانيا فصل السودان عن مصر، كما لم يستطع أي رئيس وزراء في العهد الملكي اتخاذ مثل هذا القرار، وظل الجميع يحرصون على الوحدة بين البلدين.
 
تحركات استباقية
 
استطاع الانجليز أن يغروا بعض الزعماء السودانيين بالانفصال عن مصر، إلا أن ذلك لم يتحقق – رغم حرص الانجليز أيضا على ذلك.
كان من الواضح أنه لا  احد لديه القدرة على فصل السودان عن مصر أو تقرير مصيرهما، لطبيعة مصر في ذلك الوقت، فالبرغم من كونها محتلة إلا أن سيادتها وسط الجميع كانت مصانة، ومن ثم لم تنشط حركات الانفصال إلا بعد ثورة 23 يوليو 1952وعدم قدرة العسكر على حماية الوحدة مع السودان.
يقول عبد اللطيف البغدادي: رأى المجلس قبل أن يبدأ المفاوضات مع بريطانيا - من أجل إجلاء قواتهم عن أرض مصر - أن يفصل أولاً مشكلة السودان عن مشكلة الجلاء عن أرض مصر، وأن يوافق على حق الشعب السوداني في تقرير مصيره وذلك إما بالاستقلال وإما الاتحاد مع مصر.
ويضيف: وبدأت المفاوضات الخاصة بشأن مستقبل السودان بين بريطانيا وبيننا منذ شهر يناير سنة 1953 بعد اتفاقنا مع الزعماء السودانيين. وتولى صلاح سالم أمر تلك المفاوضات مع الحاكم العام البريطاني للسودان، وذلك لأن صلاح كانت علاقته قد توطدت مع كثيرين من الزعماء السودانيين الذين كانوا يفدون إلى القاهرة كثيرًا، والمجلس كان قد عينه ضابط اتصال معهم من قبل. وتوصلت مصر مع بريطانيا إلى إعطاء السودانيين حقهم في تقرير مصيرهم إما بالاستقلال وإما بالاتحاد مع مصر.
وعلى أن يقوم مجلس نواب منتخب انتخابا حرًّا من الشعب السوداني في أول فرصة ليمارس نشاطه خلال فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات من الحكم الذاتي، وللحاكم العام البريطاني للسودان في خلال هذه الفترة أن يحتفظ بسلطة السيادة. ويعاونه في ذلك لجنة من خمسة أفراد منها عضوان من السودانيين وعضو مصري وآخر بريطاني، وأما الخامس فباكستاني ويتولى رئاسة اللجنة(3).
يتضح من كلام البغدادي أن العسكر كانت النية مبيته لديهم للتخلي عن السودان ببساطه دون بذل أي مجهود للحفاظ على الوحدة، ولا يعرف ما السبب الحقيقي، فهل كان لنيل الدعم البريطاني والتغاضي عن مناصرة الملك وقت الانقلاب؟ أو لخوف العسكريين من انقلاب الدول الغربية الكبيرة عليهم فيخسروا ما نالوه بعد الانقلاب؟.
وهل كان صلاح سالم مبعوثا للعسكر لإتمام عملية الانفصال والدفع بذلك، خاصة فيما ذكره البغدادي بقوله في اجتماع 28 مارس 1954م طلبنا من صلاح سالم إبداء رأيه في موضوع السودان فقال: إن السودان ضايع ضايع، سواء أبعد محمد نجيب أو لم يبعد.
كما ذكر أن الاتحاد مع السودان قد انتهى وأنه من الواجب التفكير في بلادنا قبل التفكير في السودان(4).
هكذا كان كلام صلاح سالم المكلف بالتفاوض والتواصل مع القبائل للحفاظ على الوحدة مع السودان، حيث يبدو كلامه الممنهج انه كان يسير وفق شيء مرسوم له في الانفصال، رغم يقينه أن عبد الناصر يستخلص منه كما ذكر لبغدادي.
لقد تقدم صلاح سالم باستقالته بسبب ضعف الأمل في اتحاد مصر مع السودان، كما ادعى صلاح أن هناك سياسة حكومية أخرى تدعو إلى استقلال السودان واتهامه لبعض المسئولين، وتمسك صلاح بأن استقالته مشروطة بإعلان استقلال السودان فورًا(5).
ويقول خالد محي الدين: وكانت قضية الجلاء هي الهم الأول لعبد الناصر ولهذا قد قبل الوصول إلى تسوية حول مسألة السودان، والحقيقة أن اتفاقية السودان كانت جيدة فقد رسمت للسودان طريقا محددا إما الاستقلال أو الوحدة مع مصر(6).
لقد ذكرت معظم مذكرات العسكر أن سبب حرصهم الشديد على السودان هو الخوف من غضبه الشعب السوداني إذا أقدموا على إقالة محمد نجيب لشعبيته الكبيرة وسط السودان، وهذا يوضح كيف كانت الأمور تدار.
إن الواقع والواجب يحتم على العسكريين في كل وطن الدفاع عن كل شبر من هذا الوطن، وهذا من صميم مهامهم التي أوجبت عليهم ذلك، لكن ما نراه من تخلى العسكر عن الأرض المصرية دون سند شعبي أو مصلحة وطنية، يعتبر جريمة في كل عسكري كل مهامه الدفاع عن هذا الوطن في مقابل ما يحصل عليه من امتيازات من هذا الشعب.
ولا ندرى ألحقت تيران وصنافير ثم الحدود المائية مع اليونان وقبرص بالسودان الشقيق لتضيع هذه القطعة من أرض الوطن رغم الدلائل القاطعة والجازمة التي تؤكد مصرية هذه الأراضي، لأمر سيسجله التاريخ ضد كل عسكري عاش هذه الفترة وأوكل إليه أمر الدفاع عن الوطن.
إن مهمة العسكر إذا حاد الحاكم المدني عن مساره في الحفاظ على الأرض أن يتدخل لحماية كل قطعة من الأرض، لكن أن يأتي التخلي من قبل العسكريين، فمن يحافظ على الأرض والحدود بعد ذلك. 
المراجع
1-  جُون لويس بوركهارت: رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان، ترجمة :فؤاد اندراوس، تقديم : محمد محمود الصياد، المجلس الأعلى للثقافة،  مصـر، 2007م، صـ214.
2-  عبد اللطيف فاروق أحمد: انفصال جنوب السودان وتأثيراته على الأمن القومي المصري، المكتب العربي للمعارف, ٢٠١٦م، صـ 5.
3-  عبد اللطيف البغدادي: مذكرات البغدادي، الجزء الأول، المكتب المصري الحديث، 1996م، صـ80.
4-  مذكرات البغدادي، مرجع سابق، صـ280.
5-   مذكرات البغدادي، مرجع سابق، صـ160.
6-  خالد محي الدين: الآن أتكلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ١٩٩٢م، صـ 160