بقلم: أحمد مصطفى

على قدم وساق وبخدمة عربية يجري الآن الترويج لصفقة القرن، التي رسمها الصهاينة وتنفذها الخيانة العربية تحت إشراف عدد من حكامها.
سيناء جزء من وطن لا يملك أحد قرار التخلي عن جزء منه، إلا أن الواقع يكشف عن كارثة التخلي  عن هذا الجزء بيد العسكر الموكول اليهم مهمة الحفاظ عليه وعلى كل شبر.
لقد أشاع العسكر الانقلابيون بقيادة العميل الصهيوني عبد الفتاح السيسي أن الإخوان سيضحون بهذا الجزء الغالي، ولكن الواقع يشهد بأن التخلي جاء من قبل خونة العسكر الذين أثاروا هذه الشبهات.
 في العهد الملكي لم يكن التوطين في سيناء مطروحا , لكن ما أن تولى العسكر زمام الأمور بعد ثورة 23 يوليو حتى قبلوا التفاوض على المقترح المقدم عام 1953م لتوطين بعض لاجئي قطاع غزة في سيناء، حيث
تضمن المشروع المقدم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين توطين حوالي 12 ألف أسرة على أراض يجري تحويلها إلى أراضي زراعية في شمال غرب سيناء، دون أن يتعارض هذا الأمر بالضرورة مع حق العودة، كما يشتمل المشروع على إمكانيات التوسع في المستقبل.
 وفي 14 من أكتوبر  1953 توصلت وكالة الغوث مع الحكومة المصرية إلى اتفاق محدد تقدم مصر بموجبه 230 ألف فدان من الأراضي الصحراوية إلى وكالة الغوث لإجراء اختبارات زراعية فيها مع إعطاء وكالة الغوث الحق بانتقاء 50 ألف فدان من بينها من أجل أعمال التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية تصل إلى حدود 1 % من حجم مياه نهر النيل سنوياً لري هذه الأراضي.
غير أن الشعب الفلسطيني قام بانتفاضة مارس 1955 وتمسك بحقه وعدم التفريط به واستعدادهم للموت في سبيله(1).
رؤية واضحة لتطوير سيناء
وبمقارنة سذاجة العسكر الذين حكموا بعد 23يوليوا 1952 مع رؤية جماعة الاخوان المسلمين يتبين الفرق الشاسع بينهما فقد اهتم الامام حسن البنا بحدود مصر الشرقية والتي كانت تهددها الأخطار الصهيونية، وحذر من خطورتها، خاصة أنه لم تقتصر على الدعاوي الصهيونية الزائفة على فلسطين فقط بل امتدت أطماع الصهيونية لتشمل العديد من الأقطار العربية، فحدود فلسطين كما تريدها الصهيونية هي من النيل إلى الفرات.
وأطماع الصهيونية في مصر بدأت بصورة مبكرة، وكما قال هرتزل "إن سيناء والعريش هي أرض اليهود العائدين إلى وطنهم"(2).  
ولذا حذر الإمام  من خطر الصهاينة فكتب يقول:
إن فلسطين هى خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقى ولا قضية الأمة العربية وحدها(3).
ويؤكد وكيل الجماعة الأستاذ صالح عشماوي رحمه الله على هذا الأمر فيقول:
إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهددنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟
فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين(4).
لقد ترسخ هذا الفهم في نفوس جميع أفراد الإخوان المسلمين بأن فلسطين أمن قومي لوطننا الذي نعيش فيه نهيك عن كونه قطعة عزيز في جسد الأمة الإسلامية.
فعندما تحركت المظاهرات في الجامعات نصرة لفلسطين قام البوليس بالقبض على بعض طلبة الإخوان وسأل وكيل النيابة احدهم عن سبب خروجه في المظاهرات وذكر له أن فلسطين دولة غير دولتنا ولا يعنينا أمرهم؟ فأجاب الطالب: بأن فلسطين جارة لنا وهي أقرب إلينا من أسوان ولابد من  الاهتمام بأمر الجار خوفاً من أن يجاورنا اليهود الذي حذرنا الله منهم(5).
لقد إدراك الإخوان حقيقة ارتباط الأمن القومي المصري ببلاد الشام وأن الأمن القومي المصري من جهة الشرق لن يتحقق إلا بتأمين هذه البلاد.
وتحدث الأستاذ البنا في مؤتمر رؤساء المناطق والشعب عام 1945م:
نريد أن تؤمن حدودنا الشرقية بحل قضية فلسطين حلاً يحقق وجهة النظر العربية أيضاً يحول دون تغلب اليهود علي مرافق هذه البلاد(6).
تعمير سيناء والأمن القومي
ونظر  الامام حسن البنا إلى سيناء وتعميرها كخطوة أساسية ومهمة في حفظ الامن القومي لمصر فقال:
إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونا من الأفدنة أى ضعف مساحة الأرض المنزرعة فى مصر، وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعا من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثا، ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سينا من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة وهى عظيمة القابلية للزراعة.
فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود(7).
كما كتب الأستاذ سيد قطب مقالا في  مجلة "الرسالة "عام 1952م يحذر الحكومة من أن تهمل سيناء، فكتب يقول: نحن في مصر مشغولون لا نفيق. وفي هذا الوقت تقترب "إسرائيل" يوما بعد يوم، من حدود سيناء المصرية، المصرية اسما وإن كانت مصر لا تعرف عنها شيئا. لأن السياسة اليهودية- الإنجليزية عزلتها عن مصر طوال فترة الاحتلال، ولم يكن هذا العزل شيئا عارضا ولا أمرا غير مقصود، وإنما كان وفقا لسياسة بعيدة الغور، تتفق مع أطماع اليهودية العالمية(8).
وكتب كامل الشريف قائلا: لقد لعبت سيناء بموقعها الفريد أدوارا هامة في تاريخ الشرق الأوسط بل في تاريخ العالم كله، فعلى ساحلها الرملي الطويل وبين مسالكها الصخرية الوعرة تدافعت أمواج الغزو من مصر واليها لترسم تاريخ الشرق الأوسط وتقرر مستقبله لأجيال كثيرة(9).
وحينما ظهر مشروع توطين اللاجئين في سيناء وقف له الإخوان بالمرصاد، لكن المحنة التي تعرضوا لها في مصر جعلت عبء المهمة ملقاة على الإخوان في غزة وفلسطين، وعلى من هرب من بطش جمال عبدالناصر خارج مصر.
إن الإخوان منذ نشأة جماعتهم , وهم لا يقبلون بتهجير الفلسطينيين الى البلدان المجاورة، ولا يقبلون بتوطينهم فيها حتى لا تضيع حقوقهم في أرضهم التي اغتصبها الصهاينة، وحتى لا يكونوا عالة على الشعوب الأخرى مما يثير الفتنة والأزمات بينهم وبين السكان الأصليين.
ولذا رفض الإخوان ويرفضون توطين أحد غير المواطن المصري في سيناء الغالية، حتى أنهم تقدموا بمشروع لتنمية سيناء،  من خلال دمج سيناء فى البناء الاقتصادي والاجتماعي لبقية أقاليم مصر، ضمن خريطة استثمارية متكاملة، "زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية وعمرانية وأمنية".
صفقة القرن
من الواضح مما يحدث في سيناء الآن من تهجير الأهالي على يد عصابة الانقلاب العسكري بقيادة العميل الصهيوني عبد الفتاح السيسي ، ونشر الإرهاب فيها، وتدمير المنازل، وقتل الأبرياء، ما هو إلا تفريط في هذا الوطن لصالح الصهاينة، وهو الذي رفضه الإخوان كما رفضه الفلسطينيون إلا أن عسكر مصر وحكام العرب يعملون بكل جهدهم لتنفيذ ذلك بطريقة تثير التساؤلات، ما الذي يدفع العسكر للتفريط في أرض مصر جزء تلو الأخر دون أن يقدموا سببا وجيها لهذا التفريط الغريب والمذابح التي ترتكب في سيناء؟
المصادر
تيسير محيسن: قراءة في مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين (رؤية تحليلية)، جريدة حق العودة - العدد43، السنة 9، أيار/ مايو 2011م، صـ 5.
حميد فاضل حسن التميمي: الدولة اليهودية في الفكر الإسرائيلي: دار الشئون الثقافية العامة، 2008م، صـ163.
مجلة النذير، العدد (18)، السنة الأولى، 2 شعبان 1357ﻫ- 26 سبتمبر 1938م، ص(3-5).
مجلة النذير – العدد (18) – 2شعبان 1357هـ / 1938م.
مجلة النذير، العدد (9)، السنة الأولى، 27جمادى الأولى 1357ﻫ- 25يوليو 1938م، (ص3-5).
مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (70)، السنة الثالثة، 14شوال 1364ﻫ- 20 سبتمبر 1945م، ص(3-15).
جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (137)، السنة الأولى، 18 ذو القعدة سنة 1365هـ/13أكتوبر 1946م، ص(1، 4).
سيد قطب: إلى النائمين في العالم الإسلامي، مجلة الرسالة، العدد 993، 14/ 7/ 1952م، 12 رمضان 1371هـ.
 كامل الشريف: مجلة المسلمون، شهر رمضان 1374 ه