وصل زعيم ميليشيات المرتزقة في ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى القاهرة، مساء الجمعة 2 أغسطس 2019م، في زيارة تستغرق يومين؛ يستهدف من خلالها الاستنجاد بالخائن قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، وذلك بعد الهزائم الساحقة والمتلاحقة في معارك طرابلس، التي تعرضت لها ميليشياته على يد قوات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا.

ويبحث الجنرالان المنتميان لتحالف الثورات المضادة والعدوّان اللدودان لقيم الديمقراطية وكرامة الإنسان مستجدات التطورات الميدانية في ليبيا، لا سيما المعارك المحتدمة في طرابلس بين حفتر، المدعوم من سلطات الانقلاب في مصر والإمارات، وبين قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

الزيارة ـ إذًا ــ تأتي في إطار دعم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي حفتر سياسيا ولوجيستيا وعسكريا؛ للتمكن من حسم معركة طرابلس لصالحه، وتزامنا مع احتدام المعارك على عدة محاور.

ويعزو قائد الانقلاب في مصر أسباب الارتباك الأوروبي بشأن الملف الليبي إلى عدم حسم واشنطن موقفها من دعم ميليشيات حفتر التي تسوّق لها عصابة الانقلاب بالقاهرة على أنها الجيش الوطني الليبي.

وتبذل كل من إيطاليا وفرنسا جهودا من أجل التوافق وتطوير رؤى مشتركة للوصول أولاً إلى قرار لوقف إطلاق النار، ثم العودة إلى مائدة التفاوض السياسي والاقتصادي أيضا.

وفي هذا الشأن، كان السيسي قد كلف عباس كامل، رئيس جهاز مخابراته العامة، بفتح قناة تواصل منذ ثلاثة أشهر تقريبا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودوائر مؤثرة أخرى بالحزب الجمهوري؛ لإقناعه بضرورة اتخاذ واشنطن موقفا حاسما وواضحا بدعم حفتر ضد قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والتي يصفها نظام الانقلاب في مصر بالميليشيات الإرهابية الموالية لجماعة الإخوان المسلمين.

قوات "مصرية" في خدمة حفتر

وفي منتصف يوليو 2019، كشفت مصادر مصرية وليبية عن أن عبدالفتاح السيسي أمر فرقة عسكرية مصرية من قوات الصاعقة، وطائرة من نوع "رافال" الفرنسية، بالتوجه شرق ليبيا لدعم سعي جيش اللواء السابق خليفة حفتر لاحتلال العاصمة طرابلس.

وتزامن هذا مع تقرير Consortium News أن “تل أبيب تدعم حفتر عسكريًّا، إلى جانب عصابة الانقلاب في مصر، والسعودية، والإمارات، وأن هذا الدعم جعل الكيان الصهيوني في تحالف أكبر مع هذه الدول، وبدأ هذا التنسيق بين حفتر والصهاينة عبر الإمارات عام 2015.

وتكثفت لقاءات حفتر مع السيسي بالقاهرة مرتين متتاليتين، أبريل ومايو الماضيين، وكذا اللقاءات المصرية الإماراتية العاجلة عقب هزائم قوات حفتر، والتي انتهت إلى الاتفاق على تكثيف الطيران المصري والطيرات الإماراتي ضرباتهما الجوية المنطلقة من قواعد حفتر في شرق ليبيا، على مدينتي غريان وطرابلس.

ومع استمرار هزائم قوات حفتر، قررت عصابة الانقلاب في القاهرة - بحسب موقع "عين" التابع لحكومة الوفاق الليبية - نقل فرقة من قوات الصاعقة وخبراء عسكريين لشرق ليبيا مباشرة لدعم خطة هجوم جديد يعدها حفتر على طرابلس وفتح جبهات جديدة من جهة بني وليد، بيد أن المصادر أكدت أن قوات "السيسي" ستقوم بتدريب قوات حفتر وتقديم الدعم الفني واللوجستي دون المشاركة مباشرة في المعارك.

واتهم رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري سلطات الانقلاب في مصر بالوقوف وراء قصف طرابلس العنيف في أعقاب هزيمة قوات حفتر في غريان.

وقال “المشري”: إن الطائرات المصرية هي التي قصفت مخيمًا للمهاجرين الأفارقة في مدينة تاجوراء، والذي راح ضحيته 53 مهاجرًا وعشرات الجرحى، بحسب تغريده على تويتر.

واعترف أحمد المسماري، الناطق باسم قوات حفتر، في وقت سابق، بمشاركة "طائرات صديقة" - في إشارة إلى مصر والإمارات - في ضرب أهداف لحكومة الوفاق الوطني في منطقة السواني والعزيزية جنوب غرب طرابلس بعدما تقدمت وبدأت هجومها المضاد على قوات حفتر.

5 أسباب وراء خسائر حفتر

وفي تحليل لأسباب فشل ميليشيات حفتر  على حسم معركة غزو طرابلس، فقد مضى حوالي 120 يوما على خطاب الجنرال خليفة حفتر في أبريل 2019م، والذي تعهد فيه باقتحام العاصمة خلال 48 ساعة فقط، لكنه بعد مرور 4 شهور على بدء غزوه لطرابلس تتعرض ميليشياته لهزائم مدوية ومتلاحقة.

وتبدو هناك 5 أسباب وراء هزائم ميليشيات حفتر المتلاحقة:

أولها: التقدير الخاطئ للمعركة غرب البلاد، حيث اعتمد على تحالفاته السرية مع بعض القوى والعشائر والقبائل، وكذلك اعتماده بشكل أساس على سلاح الطيران، وذلك في محاولة لاستنساخ تجربة سيطرته على شرق ليبيا عبر إغداق الأموال على رؤوس القبائل والعشائر في بنغازي وما حولها. لكن هذه السياسة فشلت في طرابلس.

ثاني الأسباب: سوء تقدير من جانب حفتر لقوة المجموعات المسلحة في طرابلس، والتي تمكنت من صد قوات حفتر وردعه واسترداد المواقع التي سيطر عليها في بدايات الغزو المدعوم من عصابة الانقلاب بمصر والإمارات والسعودية وفرنسا.

وثالث الأسباب: هو انتحار حفتر سياسيا، فقد كان لقاؤه مع السراج بالإمارات في فبراير 2019 كفيلاً بأن يكون له دور في مستقبل البلاد سياسيا، ولكنه فضل الحسم العسكري ما أفقده هذه الفرصة الثمينة، ولعل هذا ما يفسر تشدد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق بشأن أي دور لحفتر في مستقبل البلاد.

أما رابع الأسباب فهو تخلي حلفائه عنه، وكان نظام العسكر في مصر بمشاركة الإمارات وكل من أمريكا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا قد أصدروا بيانا سداسيا في يوليو الماضي يدعو للتهدئة في ليبيا، بعدما تيقن الجميع من فشل حفتر في الحسم العسكري.

ومنذ منتصف مايو ويونيو تزايدت تصريحات قادة بعض الدول الداعمة لحفتر، التي عكست تراجعًا في مواقفها؛ حيث دعا وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لوقف القتال، مؤكدًا أن بلاده تعترف بحكومة الوفاق. أعقبه تصريح مماثل لوزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش. ولم يمر وقت طويل حتى بدأت أبوظبي والقاهرة بالزج بشخصية ليبية سياسية هو السفير الليبي السابق في أبوظبي، العارف النايض، في كواليس حل الأزمة كمشروع بديل عن حفتر، تزامنًا مع مساعي فرنسا لإعادة علاقاتها مع حكومة الوفاق.

وانكشف التراجع الدولي بشكل أكثر في تصريحات القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا ناتالي بيكر، منتصف يونيو الماضي، التي أكدت خلالها أن أطرافًا داعمة لحفتر ضللت الإدارة الأمريكية لدفعها لتأييد حفتر في معركته على طرابلس. بل وحددت، بيكر، أكثر من ذلك موقف بلادها من حفتر بالقول إنّ "الحرب على طرابلس أثبتت فشل رهان بعض الجهات التي حاولت إقناع البيت الأبيض أن قوات حفتر مرحب بها وتحظى بشعبية غرب ليبيا".

خامس الأسباب هو إخفاق إعلام حفتر؛ حيث نجحت حكومة الوفاق والنشطاء الموالون لها بتسجيل انتصار إعلامي، عبر فضح جرائم اقترفتها عصابات حفتر في مواقع بالقرب من طرابلس وداخلها، مقابل فشل إعلامي ذريع لإعلام حفتر رغم تعدد قنواته ووسائله محليًا ودوليًا أيضًا، وكان لإعلام حكومة الوفاق تأثير بالغ؛ حيث كشف زيف حرب حفتر "على الإرهاب المزعوم والميليشيات في طرابلس"، فشهادات أسرى قوات حفتر، التي كانت تبثها وسائل إعلام الحكومة، فضحت أكاذيب حفتر حول وجود إرهابيين في طرابلس، ومشاركة عناصر "داعش" في القتال، كما أبرز  الحجم الحقيقي لخسائر مليشيات حفتر، وهو ما انعكس سلبا على الروح المعنوية للمرتزقة في صفوفه وتعددت لهذه الأسباب هزائمه وانكساراته.