التقارب الإماراتي المعلن مع إيران وتوقيع اتفاقيات بين البلدين قبل أيام خطوة على طريق انهيار تحالف الشرّ الذي يشنُّ حربًا ظالمة لكسر إرادة الشعب اليمني، بالإضافة إلى الحصار والمقاطعة المفروضة - بالتعاون مع قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي - على دولة قطر الشقيقة.

هذا التقارب يكشف عن تناقض خطير في السياسة الإماراتية وكذلك السياسة السعودية؛ حيث كانت هاتان الدولتان - بجانب الانقلاب العسكري في مصر والبحرين - تطالبان الدوحة بتجميد علاقاتها مع طهران وخفض التمثيل الدبلوماسي معها، وقطع أي تعاون عسكري، وعدم إقامة أي نشاط تجاري معها، كشروط "لإنهاء المقاطعة وعودة قطر إلى الصف العربي"، ولم تمر فترة طويلة حتى نسفت تلك الدول هذا الشرط بنفسها، من خلال الهرولة إلى طهران وعقد الاتفاقيات معها.

وطوت الإمارات - أبرز المحرّضين ضد  قطر - صفحة خلافها الحدودي مع إيران بإبرامهما اتفاقًا للتعاون الحدودي، أواخر يوليو 2019، نص على عقد اجتماعات كل ستة أشهر، وسط توتر أمني في الخليج ونذر حرب وتحشيد عسكري أمريكي على أرض السعودية حليفة أبوظبي.

وبحسب وكالة "إرنا" الإيرانية، جاء إبرام الاتفاق بعد محادثات عقدها قائد قوات حرس الحدود الإيراني، العميد قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي العميد محمد علي مصلح الأحبابي، والوفد المرافق له في طهران؛ "لبحث سبل توسيع العلاقات الدبلوماسية وتعزيز أمن الحدود بين البلدين".

وحتى السعودية لم تقطع هي الأخرى علاقاتها مع إيران؛ حيث كشفت وسائل إعلامية إيرانية عن تفاصيل لقاء جمع مسئولاً إيرانيًا بآخر سعودي في مكة المكرمة، أكدا فيه التعاون بين بلديهما.

تفادي المواجهة

وذكرت "وكالة الأنباء الإيرانية" (إرنا) أن اللقاء جمع رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية علي رضا رشيديان، ووزير الحج والعمرة السعودي، محمد صالح بن طاهر.. هذا اللقاء يأتي تأكيدًا لما أدلى به وزير الدولة للشئون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، أول أمس الجمعة؛ حيث كشف عن أن موقف بلاده الأخير حيال الملف الإيراني كان بالتنسيق مع السعودية بهدف تفادي المواجهة، وتغليب العمل السياسي.

وبلغة الأرقام تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية، من حيث التبادل التجاري مع طهران، بقيمة 13 مليار دولار تقريبًا، وتستحوذ دبي وحدها على نحو 90% من إجمالي حجم التبادل التجاري الإماراتي مع إيران، وبينما بلغت الصادرات الإيرانية إلى الإمارات نحو خمسة مليارات دولار، وصلت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار.

وبحسب مصادر رسمية إيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديرًا لإيران؛ إذ تشكل صادراتها نحو 30% من واردات إيران.

وبرر الكاتب السعودي - المقرب من الديوان الملكي عبد الرحمن الراشد - توطيد العلاقات الإماراتية الإيرانية بالقول: إن "كانت أبوظبي، حقًّا، قررت التصالح مع طهران فإنه حقها السيادي، وهي أدرى بمصالحها، وربما يكون في صالح الجميع، أما إذا كانت الرواية أكذوبة فالتكتل مستمر ضد إيران".

طعنة للرياض

ويرى الكاتب والإعلامي القطري جابر الحرمي أن دول حصار قطر تعيش حالة من الارتباك بعد افتعال الأزمة وفرض الحصار؛ إذ اتضح أن كل الاتهامات التي سيقت "باطلة"، ويقول: "الإمارات تناقض نفسها من حيث علاقاتها مع إيران؛ إذ ترتبط بصفقات تجارية مميزة معها تبلغ نسبتها 17 مليار دولار سنويًّا، وهو ما يشكل 90% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون مع طهران".

ويضيف الحرمي في تصريحات صحفية: "الادعاء والشرط الأول لقطع العلاقات مع قطر وفرض الحصار عليها وافتعال الأزمة، كان سببه العلاقات بين قطر وإيران، واليوم الإمارات تقوم بالزيارات الرسمية لها، وهو ما يشكل ضربة وطعنة بخاصرة وقلب الرياض التي تمثل إيران بالنسبة لها عدوًّا رئيسيًّا".

ويوضح أن سبب حرب اليمن - التي قادتها السعودية والإمارات - هو قطع يد إيران فيه، وهم الحوثيون، ولكن الإمارات تصافح إيران وتنسق معها أمنيًّا، ويتم الإعلان رسميًّا عبر الإعلام لتعزيز جوانب النقل، وتسهيل انتقال المعلومات بين البلدين.

ولفت الحرمى إلى أن جميع المؤشرات تؤكد وجود خلافات متزايدة بين أبوظبي ودبي؛ التي يتوقع أن أي هزة تصيبها ستُسهم بمغادرة المستثمرين، خاصة في ظل الوضع الحالي.

ويشير إلى أن من يقود الدول الأربع في حصار قطر هي أبوظبي؛ حيث تحدد الخيارات لتلك الدول، وتدفعها نحو الوقوع في مخالفات قانونية دولية، في حين أنها تتجنَّب تلك الإجراءات حتى لا تتعرض للمساءلات القانونية.

السياسة الأمريكية

ويرى محجوب الزويري، أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر، أن سبب التناقض الإماراتي من خلال الهرولة نحو إيران يعود إلى خطأ في حساباتها من البداية، وعدم فهم مجريات السياسة الأمريكية الخارجية ومساراتها.

ويقول الزويري - في تصريحات صحفية - : "الإمارات منذ تولِّي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم، وجدت ذلك فرصة ذهبية لتحجيم إيران، ولكن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة راوحت مكانها في التعامل مع طهران؛ بسبب انقسام المجتمع الدولي حولها، ولم تقم بأي خطوة ضدها".

ويضيف: "الإدارة الأمريكية غير مستعدة للقتال من أجل أي أحد، وهذا علمته الإمارات، ولكن مؤخرًا، لذلك اتجهت إلى توطيد علاقاتها مع إيران"، ويشير إلى أن التوجه الإماراتي الجديد تجاه إيران في هذا التوقيت، سيؤثر في الصورة الأخلاقية لحكومة أبوظبي وسمعتها في العالم، ويكشف غياب المصداقية لديها، وحالة الازدواجية التي تمر بها.

ويوضح أن الاندفاع الإماراتي نحو إيران يضاعف من الشك والريبة حول شروط دول الحصار التي فرضتها على قطر، والتي تعد غير منطقية وغير مقبولة لدى الدول.

وحول إمكانية خروج موقف رسمي وعلني من السعودية بعد التقارب الإماراتي الإيراني، أكد أن المملكة غير راضية عما يحدث، وربما تحمل الأيام والشهور القادمة موقفًا رسميًّا لها.

هروب من السفينة

ووصف أنور القاسم، الكاتب والمحلل السياسي المقيم في لندن، التحرك الإماراتي الجديد نحو إيران - والذي لم ينقطع بين الدولتين - بأنه هرولة وهروب من السفينة السعودية التي تغرق في اليمن، ويؤكد القاسم أن التحرك من قبل الإمارات يعكس واقعية سياسية متأخرة، ويكشف عزلة سعودية وقصورًا إقليميًّا في تشكيلة حلفائها، ولكنه قد يكون بداية تصحيح لمسار خاطئ.

ويقول: "إذا كان هذا حلالاً على أبوظبي فكيف يستقيم تحريمه على الدوحة مثلاً؟ علما أن هذا التعاون كان سببا رئيسيا ساقته الرياض وأبوظبي ضد قطر لإعلان الحصار الطائش والظالم عليها".

ويوضح أن مطالب الإمارات لفك الحصار عن قطر كانت عدم التعامل مع إيران، ووقف التعامل الدبلوماسي القطري مع إيران، ولكن "أبوظبي تناقض نفسها الآن"، ويتابع: "إذا كان تفسير التحرك الإماراتي هو التنسيق حول أمن الخليج ومضيق هرمز فإن هذا يؤخذ عليها وعلى السعودية؛ لأنهما كانتا سببًا لدفع هذه المنطقة الحيوية إلى التوتر الحاصل الآن، والذي قد يقود إلى إدخالها تحت وصاية أمريكية وغربية جديدة".