جعل الإخوان المسلمون من مهامهم الأساسية النهوض بمصر اقتصاديًّا، فكان من أغراض الجماعة كما جاء في النظام الأساسي للإخوان: "العمل على تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها"..

وكان من  واجبات الأخ العامل أن يزاول عملاً اقتصاديًّا مهما كان غنيًّا وأن يقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلاً، وأن يزج بنفسه فيه مهما كانت مواهبه العلمية، وعلى أن يخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع الصناعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن يحرص على القرش فلا يقع في غير يد إسلامية ولا يلبس ولا يأكل إلا من صنع وطنه الإسلامي.

كذلك بيّن الإمام البنا أن من أهم خصائص الجماعة أنها "شركة اقتصادية: لأن الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه من وجهه، وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"، ويقول: "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له" و"إن الله يحب المؤمن المحترف".

ولقد عمل الإخوان بكل جهودهم على  استنقاذ الثروة القومية من أيدي الأجانب، وحمايتها من المحتكرين الرأسماليين، وتنميتها بتشجيع المشروعات الصغيرة، والقضاء على البطالة، وتنظيم المعاملات المالية، وتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وبين الاستثمار والادخار، وبين الصادرات والواردات، والكشف عن منابع الثروات الطبيعية والاستفادة منها..

ولم يكتف الإخوان بذلك بل عملوا على تحقيق هذه المبادئ عمليًّا، وبذلوا جهدًا كبيرًا في مجال المشروعات الصناعية والشركات بهدف إعطاء أمثلة على إمكانية تطبيق النظرية الإسلامية فأنشئوا الكثير من الشركات لتدعيم الاقتصاد الوطني والقومي، من أبرز هذه الشركات:

1- شركة المعاملات الإسلامية

تكونت شركة المعاملات الإسلامية برأس مال أساسي قدره 4000 جنيه مصري عام 1939م ثم تطورت في سنة 1945م تطورًا كبيرًا، فقد أقبل الإخوان وغير الإخوان على الاكتتاب في أسهمها وزيد رأس المال من 4 آلاف جنيه إلى 20000 جنيه، وقامت الشركة بإنشاء خطوط نقل، وأقامت مصنعًا كبيرًا للنحاس، ينتج وابور غاز كامل وقطع غياره المختلفة راجت في الأسواق المحلية والخارجية وخاصة أسواق الأقطار الشقيقة.

2- الشركة العربية للمناجم والمحاجر

تكونت هذه الشركة في عام 1947م برأس مال قدره 60000 جنيه وفي سنة 1948م اتحدت الشركة العربية للمناجم والمحاجر وشركة المعاملات الإسلامية لتوحيد الجهود للارتباط الوثيق بين ما تقوم به الشركتان، فشركة المعاملات الإسلامية تملك سيارات نقل، وتوكيلاً لسيارات من أمريكا، ومصنعًا كبيرًا للبلاط والإسمنت بجميع أنواعه، وهو يستهلك كميات كبيرة من كسر الرخام الناتج من شركة المناجم، ولدى شركة المعاملات الإسلامية مصنعًا للنحاس وورشة ميكانيكية، وقد استوردت شركة المناجم آلات حديثة لقطع وصقل الرخام، إلا أن هذه الآلات التي كانت تقدر أثمانها بعشرات الألوف من الجنيهات، تركت في العراء بدون صيانة أيام الحراسة في فترة الحل، وبيعت خردة، مما تسبب للشركة في أضرار مالية جسيمة، ورفعت قضية بذلك على الحراسة للمطالبة بالتعويض.

3- شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج

تأسست هذه الشركة سنة 1948م برأس مال أساسي قدره 8000 جنيه، جمع منه فعلاً 6500 جنيه وظل باب الاكتتاب مفتوحًا حتى وقت الحل، وبدأت الشركة عملها وكان عدد عمالها حوالي 60 عاملاً جميعهم من المساهمين في الشركة، وفي خلال 10 أشهر صرفت أجور عمال 2700 جنيه أي بما يوازي نصف رأس المال، وبالرغم من ذلك فقد بلغ صافي أرباحها في هذه الفترة الصغيرة 1400 جنيه، وكانت تنتج البفتة، والدمور والأقمشة الحريرية والجبردين المقلم وكانت منتجاتها تباع بأقل من أسعار أي بضاعة أخرى من مثيلاتها. وقد قامت الحراسة أثناء فترة الحل بتصفية هذه الشركة وبيعها نهائيًّا. وقد رفعت الشركة قضية وصدر حكم قضائي لصالحها.

4- شركة المطبعة الإسلامية والجريدة

كانت كل من المطبعة الإسلامية والجريدة اليومية شركتين منفصلتين عن بعضهما، سميت الأولى "شركة الإخوان للطباعة" ورأس مالها 70000 جنيه والثانية "شركة الإخوان للصحافة" ورأس مالها 50000 جنيه، وقد سبقت شركة الإخوان للصحافة في استئناف نشاطها، وصدر العدد الأول من السنة الأولى من جريدة الإخوان المسلمين اليومية في  3 جمادى الآخرة 1365ﻫ- 5 مايو 1946م، وتأخرت شركة الإخوان للطباعة في استئناف نشاطها، لأنها كانت بسبيل استيراد ماكينات الطباعة من الخارج، حتى صدر أمر الحل فتوقفت أعمالها هي وسائر الشركات الإخوانية.

5- شركة التجارة للتجارة والأشغال الهندسة بالإسكندرية

وقد تكونت برأس مال قدره 14000 جنيه موزع على 3500 سهم للقيام بأعمال التجارة والهندسة.

6- شركة التوكيلات التجارية

وقد بدأت مشروعها في السويس للتجارة أولاً، ثم توسعت أعمالها حتى شملت التجارة والنقل والإعلان، وصار لها مركز رئيسي في القاهرة بشارع محمد علي حارة المزين، وأصبح لها عدة فروع في جميع أنحاء القطر المصري تقريبًا بالإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والفيوم وبني سويف..

7- شركة الإعلانات العربية

وقد أنشأت قبل الحل بحوالي عام وكانت أعمالها تشمل النشر بالصحف والدعاية بالسينما وعمل الرسوم الفنية، وأغلفة الكتب والمجلات، وتصميم لافتات وواجهات المحلات، وشرعت في عمل دليل تجاري عام للدول العربية، وحال وقف النشاط بعد الحل دون إصداره، وتوقفت أعمال الشركة بعد ذلك.

وهناك شركات إخوانية كثيرة منتشرة في أنحاء القطر المصري أسسها الإخوان بالاشتراك والتعاون مع بعضهم في حدود إمكانياتهم كأفراد ولا سبيل لحصرها.

كما أن جميع الشركات السابقة موزعة أسهمها على مجموعة كبيرة جدًّا من المساهمين بعكس ما ألف الناس في الشركات الكبيرة في مصر التي يتحكم فيها ويملك غالبية أسهمها قلة من الرأسماليين. ولعل أوضح مثال على ذلك هو شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج فرأس المال الفعلي لها كان 6500 جنيه وكان عدد المساهمين 550 مساهمًا، ومعظمهم من العمال الذين كانوا يساهمون بمبلغ 25 قرشًا شهريًّا، فكانت الشركة بذلك سبيل ادخار للطبقات التي لم تتعود على الادخار وتكوين رأس مال صناعي من الطبقات الشعبية.

ولقد قامت هذه الشركات الوطنية بدور رائد في إنعاش الاقتصاد المصري في الأربعينيات، ولمس آثارها المصريون بكل فئاتهم، ولم تقف مسيرتها إلا غداة صدور قرار الحل الجائر من قبل النقراشي في 1948م، حيث قضى عليها وشرد عمالها وموظفيها من الإخوان وغير الإخوان، وحرم مصر من جهود هذه الجماعة المباركة..

ولقد أحزن هذا القرار الإمام الشهيد رحمه الله أيما حزن، وكتب مقالاً بعنوان  "ماذا قدم الإخوان لوادي النيل وبلاد العروبة ووطن الإسلام"، يرد فيها على قرار الحل الذي أصدره النقراشي ويبين أن الإخوان قدموا لمصر والعالم الإسلامي العديد من الخدمات الاقتصادية الجليلة التي تنتظر التقدير والإجلال لا الحل والتشريد، فقال رحمه الله: "لقد وجهت هذه الدعوة الشباب إلى الميدان الاقتصادي، وساعدت على إنشاء عدة شركات تتبعها عدة مصانع كان يعمل فيها أكثر من (500) شاب ما بين موظف وعامل، وأخذت روح المغامرة الاقتصادية تدب في نفوس الكثيرين من غيرهم، وكانت هذه المعامل والشركات تمثل فكرة اجتماعية طيبة، هي فكرة تضامن العامل مع صاحب العمل بروح الأخوة الإنسانية مع المساهمة الاقتصادية أيضًا، فالعامل مساهم في المصنع وله جزء من رأس المال، وبذلك قضي تمامًا في هذه البيئة على أسباب الخلاف، وكانت تجربة موفقة ناجحة كل النجاح.

كما جرم المؤرخ الكبير الأستاذ عبد الرحمن الرافعي هذا العمل الآثم، لما فيه من غبن شديد وقع على الإخوان أفرادًا وجماعات ومؤسسات وهيئات وشركات، وقال في ذلك: لعمري إن النقراشي لم يكن موفقًا في إصدار هذا الأمر، فإنه ليس من العدل أن تؤخذ الجمعيات والأحزاب بتصرفات أو جرائم، وقعت من بعض أعضائها، بل يجب أن يقتصر الجزاء والقصاص على من ارتكبوا هذه الجرائم. ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام: من الآية 164).

وإذا كانت الحكومة قد أعجزها أن تأخذ المجرمين بإجرامهم، أو تتخذ الوسائل الوقائية لمنع ارتكاب الجرائم، فليس من حقها أن تعتمد في مكافحتهم على وسائل يحرمها الدستور والقانون، والدستور يحرم مصادرة الأموال والأملاك، وقد صادرت الحكومة أموال الجماعة وأملاكها، ووضعت دورها وشُعبها ومنشآتها وسجلاتها وأوراقها تحت يد البوليس، وصادرت ما أنشأته من معاهد للعلم ومستشفيات طبية ومعامل، بل إن شركات مدنية وتجارية صادرتها، بحجة أن لها صلة بهذه الجماعة، مثل شركات المناجم والمحاجر العربية، وشركة الإعلانات العربية، وشركة الإخوان للنسيج، ودار الإخوان للصحافة والطباعة، ومدارس الإخوان بالإسكندرية، وما إلى ذلك... كل هذه تصرفات لا يجيزها القانون والدستور، وإذا كانت الأحكام العرفية من شأنها تعطيل أحكام الدستور والقانون العام، فكان واجبًا على الحكومة أن تقصر هذا التعطيل على ما تقتضيه حالة الحرب في فلسطين، وما يستدعيه حفظ النظام، ولكن هذا الأمر العسكري- بحل الجماعة- قد خرج عن مدلول هذه الحكمة.
--------------

أهم المراجع:

- مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، مركز البصائر للبحوث والدراسات.

- د. محمد شوقي زكي: "الإخوان المسلمون والمجتمع المصري" ص 202

- "دور الإخوان في المجتمع المصري من 1938- 1945م"، البصائر للبحوث والدراسات.

- د. عبد الحميد الغزالي: "حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة".

- فتحي محمد إبراهيم: "من تاريخ العمال والفلاحين في دعوة الإخوان المسلمين".

- عبد الرحمن الرافعي: "في أعقاب الثورة المصرية"- الجزء الثالث.