بدأ اهتمام الإمام حسن البنا والإخوان بالرياضة منذ نشأة الدعوة في الإسماعيلية، انطلاقًا من شمولية الإسلام التي نادى بها الإمام البنا، واعتنت بها الجماعة على مدار تاريخها؛ وتصديقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"؛ كان العناية بالرياضة الروحية والبدنية.

حيث اهتمَّ الإخوان بتهذيب الأخلاق مع تهذيبهم الجسد، فأصبحوا قدوةً في ملاعبهم بحسن خلقهم وأدائهم العالي؛ حتى تبوأ منهم أناس في لعبهم واحترفوا فيها.

لم ينظر الإخوان إلى الرياضة على أنها مضيعة للوقت، أو تبديد للجهد، بل نظروا إليها على أنها أمر ضروري حثَّ عليه الإسلام الحنيف؛ لكن إذا كانت هذه الرياضة طبقًا لقواعدها الصحيحة من تربية للفرد خلقًا وجسدًا، فقد كانت غايتهم من ذلك جسمًا سليمًا، وبنيانًا قويًّا، وعقلاً سليمًا، وخلقًا كريمًا، وإيمانًا صادقًا.

لقد بلغت عناية الإخوان بالرياضية أن جعلوا قسمًا داخل الجماعة للجوالة والرياضة البدنية، ثم مع اتساع أنشطة الرياضة تم فصل قسم الجوالة عن الرياضة؛ ليحقق كل القسم الهدف المنشود من إنشائه، وقد أسندت مهمة مباشرة القسم في البداية للأستاذ محمود أبو السعود، ثم انتقلت إدارة القسم للأستاذ عبد الغني عابدين، وساعده عدد من الإخوة الكرام في إدارة كل لعبة فنجد مثلاً الأستاذ/ عبده درويش مسئول عن لعبة كرة القدم، والأستاذ حسن عبد الرحيم في السباحة، والأستاذ عطية خطاب في السلة، والأستاذ/ حسين صبري في ألعاب السويدية وغيرها.

وكان اهتمام الإخوان المسلمين بالرياضة أمرًا حيويًّا؛ حيث شرعوا في تأسيس أندية خاصة بالإخوان وأصبحت هذه الأندية تنافس في بطولات الجمهورية في أكثر من لعبة، ولقد تأسست هذه الأندية بهدف:

1- أن يكون للإخوان من أنفسهم فرق رياضية في مختلف الألعاب لإعداد جيل رياضي يكون عصب الدعوة.

2- نشر الدعوة بين الرياضيين في مختلف الأندية, ونشر الأخلاق الحميدة وسط صفوفهم.

ولقد كان اهتمام الإخوان بكل الألعاب بنسبة تكاد تكون قريبة، إلا أن لعبة كرة الكرم بسبب شعبيتها وإقبال الناس عليها جعلت الإخوان يعتنون بها أيضًا؛ بهدف نشر الأخلاق الحميدة وسط شريحة قادرة على التأثير في سلوك المجتمع بتصرفاتهم، سواء بالسلب أو بالإيجاب وهي شريعة لاعبي كرة القدم.

حتى إنه كان للإخوان 99 فرقة كرة قدم في مناطق القطر المختلفة, 32 فرقة لكرة السلة, و28 فرقة لتنس الطاولة, 19 فرقة لرفع الأثقال, و16 فرقة للملاكمة, و9 فرق للمصارعة, و8 فرق للسياحة.

وكما جاء في كتاب أوراق من تاريخ الإخوان: "أن عددًا من الإخوان أصبحوا يمثلون مصر في مختلف الألعاب, أمثال الأخ محمد مصطفى اللوري في لعبة الدراجات, والأخ عرفة السيد في لعبة الملاكمة, والأخ سيد نصير في حمل الأثقال, وفي لعبة كرة القدم برز الإخوة سيد شحاتة في منتخب أسود الإسماعيلية, وعمر شندي في منتخب فاروق (الزمالك حاليًّا)، وعلي عثمان لاعب الترسانة وعبد الرحيم شندي وغيرهم, وفي لعبة السباق برز الأخ حسن عبد الرحيم (السباح المعروف)"، كما تم تسجيل فريق منتخب القاهرة للإخوان المسلمين في الاتحاد المصري لكرة القدم.

حتى عن الإخوان بعد ذلك ابتكروا فكرة "كأس المرشد العام"؛ حيث أجريت المسابقات على هذا الكأس كل عام، وكان يحضر الأستاذ حسن البنا في المباراة النهائية ليسلم للفريق الفائز هذا الكأس؛ حيث كانت تتنافس فيه كل فرق الإخوان على مستوى القطر المصري.

ومن الطرائف التي يذكرها الدكتور حسان حتحوت: "أن الإمام البنا في أحد دروس الثلاثاء وقف كعادته لإعطاء الدرس، واستهل الدرس بأخبار شعب الإخوان، فقال: إن فريق كرة القدم لشعبة كذا قد انتصر في المباراة النهائية، وبذلك حصل على الكأس... وهنا صاح من بين الحضور صوت الشيخ محمد الحموي- رحمه الله- وكان سوريًّا يدرس بالأزهر: يا أستاذ، الكأس آلة الخمر، أهذه كلمة تقال في محيط الإخوان؟! فابتسم الإمام وقال في دعابة: أتغضب يا شيخ محمد، إذن حصل على القدح، فضج المركز بالضحك".

ولم يكتفِ الإخوان في المنافسة الداخلية على لعبة كرة القدم أو بعض الألعاب الأخرى؛ لكنهم كوَّنوا فرقًا كانت تنافس فرقًا كبرى أمثال فريق الأهلي والترسانة.

فكما جاء في مجلة الإخوان المسلمين اليومية بالعدد 189 في ديسمبر من عام 1946م: أن فريق الإخوان بدمنهور مع نادي الترسانة بالإسكندرية على أستاذ البلدية في تمام الساعة الثالثة والربع ظهرًا.

وفي المعادي أقيمت مباراة حضرها الأستاذ بين فريق إخوان المعادي، وفريق نادي المعادي, وانتهت بفوز الإخوان (3-1).

حتى إن إخوان مناطق الصعيد كانوا متحمسين لهذا الأمر كإخوان وجه بحري؛ حتى إنه أقيمت مباراة بين فريق إخوان بني سويف وفريق فاروق بني سويف.

ومن النصائح التي كان يحرص الإخوان عليها في مجال الرياضة:

1- اعمل للعبة التي تحبها وتعشقها؛ فارفع من مستواها دائمًا، واعمل على نشرها.

2-  العب دائمًا لفريقك لا لنفسك.

3- كن معتدلاً في انتصاراتك وخذلانك؛ متواضعًا عند الانتصار، رحب الصدر وقت الخذلان.

4- تقبل أحكام الحكام بروح رياضية، ولا تبدِ معارضة أو تدخلاً في شئونهم مطلقًا مهما كانت أحكامهم.

5-  كن شهمًا نحو خصمك المهزوم.

6-  لا تكن أنانيًّا، وكن أبدًا مستعدًا للمعونة.

7- رحب بكل ما يحدث من الطرفين إن كنت من النظارة (المشاهدين)، وشجع الطرفين في حدود القانون.

ومع ذلك كله فقد ندَّد الإخوان عبر صحفهم بالرياضة المبتذلة كتعري الفتيات، ومشاهدة الرجال لهن وهن شبه عرايا، أو الاختلاط الذي كان موجودًا بين اللاعبين واللاعبات، وهم شبه عرايا كلعبة السباحة وغيرها، أو السفور والفجور المستشري في الأندية.

ومما جاء في اللائحة العامة للأندية والفرق الرياضية

(مادة 1): الأندية الرياضية للإخوان المسلمين وحدات قائمة بذاتها ضمن تشكيلات الإخوان المسلمين العامة، وتخضع لنظام داخلي موحد تضعه إدارة الأندية بالمركز العام، في حالة الاختلاف على تفسير أي ناحية من هذا النظام أو الاستفهام عن شيء جديد، يكون المرجع الوحيد لذلك مكتب الإرشاد العام وقراراته نافذة.

(مادة 2): أغراض الفرق الرياضية للإخوان المسلمين:

أ- بث الروح الرياضية في محيط الإخوان المسلمين.

ب- نشر الألعاب الرياضية المناسبة لتقوية أبدانهم وتحسين صحتهم.

ج- توجيه الشباب توجيهًا دينيًّا واجتماعيًّا.

د- رفع المستوى الثقافي للأعضاء.

 هـ- تقوية الرابطة الاجتماعية وإيجاد صلات التعارف بين الأعضاء.

الباب الأول:

(مادة 3): التقسيم العام:

أ- المجموعات الرياضية للإخوان المسلمين تتبع نظام المناطق الذي يضعه مكتب الإرشاد العام.

ب- تضم المنطقة جميع الأندية الرياضية الموجودة، على أن يكون بكل شعبة نادٍ، وإذا تعددت الشعب في بلد مثل الإسكندرية والقاهرة تكون الفرق رياضية مستقلة بكل شعبة، ولا مانع من أن ينشأ نادٍ عام أو أكثر، وتشترك فيه جميع هذه الفرق الرياضية، ويكون تابعًا في إدارته للمنطقة رأسًا لا للشعب، وهذا لا يمنع من أن تنشئ الشعب أندية مستقلة بكل منها إذا استطاعت.

ج- يشمل النادي جميع الفرق الرياضية المعتمدة من الإدارة العامة.

مادة 4:

الألعاب الرياضية المعتمدة من الإدارة العامة:

أ- كرة قدم.  ب- كرة السلة.        ج- الكرة الطائرة. د- السويد.

ه- الملاكمة. و- حمل الأثقال. ز- المصارعة.   ح- ألعاب القوى.

ط-  القفز والعدو. ي- التنس. ك- السباحة  ل- الشيش.

م- الهوكي.   

(مادة 5): وما عدا هذه الألعاب لا بد من استئذان الإدارة العامة في تكوينها، وللإدارة العامة الحق في الامتناع عن التصريح بها أو سحب هذا التصريح، بعد إعطائه بمدة قصيرة أو طويلة من غير إبداء الأسباب.

(مادة 6): تكون دار الشعبة مقرًّا لإدارة النادي فقط، على أن يكون التدريب في أي نادٍ تابع للإخوان المسلمين أو لهيئات رياضية أخرى، لا يتنافى مشربها ومسلكها مع مقتضيات الفكرة؛ إذ يحسن أن تكون الأندية بعيدة عن دور الشعب ما أمكن ذلك.

الباب الثاني: الإدارة العامة

(مادة 7): الإدارة العامة: مقرها المركز العام للإخوان المسلمين.

(مادة 8): الرئيس الأعلى: هو فضيلة المرشد العام، وينيب المدير العام، وهذا لا يمنعه من الإشراف العام على سير الفرق الرياضية.

(مادة 9): المدير العام: يقوم بإدارة النوادي فنيًّا وإداريًّا وماليًّا، ويرأس جميع الجلسات التي يحضرها، وتحال إليه النقط الخلافية الخاصة بالنوادي والفرق؛ فيفصل فيها برأيه، أو يستشير فيها أحد المجالس، أو يحيلها إليه، أو يستشير مكتب الإرشاد العام.

(مادة 10): المراقب العام: يقوم بالإشراف على النوادي والفرق إداريًّا وفنيًّا وماليًّا، واعتماد تنظيم المباريات بين المناطق، والإشراف على سير التدريب بالأندية، ويرأس جميع الجلسات التي يحضرها، ومقره بالإدارة العامة.

(مادة 11): السكرتير العام: يقوم بتنظيم السكرتارية العامة، والرد على جميع المكاتبات الواردة، وتقييد الوارد منها، وتدوين محاضر الجلسات العامة للرياضة، وإبلاغ القرارات لمندوبي المناطق، وعليه تنفيذ جميع ما يصدر إليه بأمر من المدير العام، ومقره بالإدارة العامة.

(مادة 12): أمين الصندوق العام: يقوم بتسليم الاشتراكات شهريًّا، وتجديد الكارنيهات، وتنظيم المالية للوارد والمنصرف، ومقره الإدارة العامة.

(مادة 13): مندوب المنطقة: يقوم بالإشراف على جميع الأندية الكائنة في منطقته نيابة عن مجلس إدارتها، ويبلغها التعليمات الصادرة إليه من الإدارة العامة، ويجب عليه زيارة هذه الأندية، والتفتيش على نظامها الداخلي، وماليتها، وأدواتها الرياضية، وسير التدريب بها، وحثها على النشاط المستمر، والاستعداد الدائم، وعليه نشر الحركة الرياضية في جميع شعب المنطقة، وإلقاء المحاضرات عن الرياضة لبيان مهمتها لتكوين شباب مؤمن تقي طاهر، ويعتبر مندوب المنطقة رئيسًا رياضيًّا لها، ويرشحه مجلس إدارتها، ويعينه مدير الفرق، ويعتمد التعيين فضيلة المرشد العام.

مراقب عام الأندية: عبد الغني عابدين.

مدير عام الأندية: حسين كمال الدين.

يعتمد: المرشد العام: حسن البنا.

وبذلك رأينا كيف اهتمَّ الإخوان بالرياضة التي تساعد البدن والروح؛ حتى إنهم سنُّوا لائحةً لهذا المجال ليحثوا الأخ المسلم على أهميته.

ظل هذا الوضع حتى صدر قرار بحل الجماعة عام 1948م، فصادرت الحكومة أندية الإخوان وأنشطتهم، إلا أنها عادت مرةً أخرى بعد قرار المحكمة عام 1951م بإلغاء قرار الحل الذي أصدره النقراشي ليعود الإخوان إلى العناية بالرياضة، حتى توقَّفت النشطة مرةً أخرى بعد اعتقال الإخوان عام 1954م.

وبالرغم من ذلك حرص الإخوان داخل المعتقلات- سواء في السجون الموجودة في القاهرة أو الأقاليم- على إقامة الدورات الرياضية مثل سجن الواحات، والذي كان يشرف على هذا المجال الأستاذ محمد مهدي عاكف خريج كلية التربية الرياضية، وفي سجن قنا الذي كان يشاركهم كثير من ضباط السجن هذا النشاط كالضابط مصطفى دومة، وكتب الإخوان التي تتحدث عن فترة المعتقلات من 1954م حتى 1975م مليئة بهذه الأنشطة الرياضية التي مارسها الإخوان داخل السجون.

-------------

للمزيد:

1- د. حسان حتحوت: العقد الفريد (1942-1952) عشر سنوات مع الإمام حسن البنا، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421ﻫ- 2000م، ص (14).

2- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار النشر والتوزيع الإسلامية، القاهرة.

3- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار القبس للنشر والتوزيع.

4- محمد الصروي: الإخوان المسلمون في سجون مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1427ﻫ-2006م.

5- أحمد أبو شادي: رحلتي مع الجماعة الصامدة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998.